الإخوان المسلمون في سورية

عن الإخوان المسلمين وليس باسمهم..

لسنا حزباً سياسياً.. ولا نقبل أن نكون..
ولقد ظلم من حاصرنا تحت هذا العنوان.
تكليفُنا: رباني قائم بأمر ربنا، حتى يأتي واحدَنا اليقين. بيعتنا مع ربنا ماضية لا نقيل ولا نستقيل.
رؤيتنا: رحمة للعالمين.
رسالتنا: دعوة إلى الخير، وأمر بالمعروف بمعروف، ونهي عن منكر.
ومصدر تكليفنا قول ربنا: ((وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ))
وقد ورد لفظ “الأمة” في القرآن الكريم أكثر من خمسين مرة. وعلى معان متعددة. منها ((وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ))
فالأمة هنا هي العنوان الجامع لكل المؤمنين.
ومن معاني الأمة الواردة في القرآن الكريم
الرجل العظيم المتبوع: ((إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً))
ومن معانيها الحقبةُ من الزمن ((وادّكر بعد أمة))
ومنها الطائفة أو المجموعة من الناس ((حتى إذا ورد ماء مدين وجد عليها أمةً من الناس يسقون))
وعلى هذا المعنى يفسر قوله تعالى ((ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير..))
ومن قبيل هذا المعنى قوله تعالى: ((فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)) بحيث يخرج التكليف بأنه كفائي يسقط عن الجمع إذا استقل به ما يتحقق المقصود منه؛ وإلا فقد أثم كلُّ القادرين المقصرين.
وفي حياة المسلمين العامة، في كل عصر ومصر، تتحدد وتتجدد الواجبات الكفائية حسب مقتضى الواقع. فمن وجد في بيئة لا يقيم أهلها الصلاة، تعلّق الأمر في عنقه، حتى يأمر بها، ويصطبر عليها. ومن وجد في بيئة كان فيها أي تقصير أو قصور، أو ظهر فيها أي شكل من أشكال الفساد، والريبة؛ تعلق في عنقه بوصفه مسلماً أن يعمل منفردا، إن لم يتأتَ له التعاون، على التصدي لكل أشكال المنكر والفساد، بطريقة لا تجر إلى ما هو أكثر فسادا، وأشد نكارة.
إنّ من أعظم الواجبات التي انحسر ظلها في عالم المسلمين، هي الواجبات الكفائية، ويكفي أن مثلها العملي الأقرب في حياة المسلمين في هذا العصر، تمثل في صلاة الجنازة. ولم يفقّه كثير من المسلمين معنى أن الكفائي ما أسرع أن يتحول إلى عيني. ويا ويح من انخرط في عنقه حبل هذا التعيين، لو درى.
والواجبات الكفائية مهما انتشرت مناطاتها وتوسعت، احتيج إلى القيام بحقها إلى الانضواء تحت راية قوله تعالى ((وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)) فيكون التجمع والتوحد والتعاون على كل ما ذكرنا تكليف مستمد من صريح قوله تعالى، ولا يحتاج للقيام بحقه، إلى تكليف مكلف، وتشريع مشرع. فكيف نقول وقد ساس أمر التعاون على الإثم والعدوان دول، وساسةٌ ودعاة على أبواب جهنم سادوا بفسادهم البر والبحر والجو..
وعلى هذا الأساس مضى مَثَلُ هذه الأمة على مر العصور. وعلى أساس هذا ندب علماء ودعاة وجماعات وأفراد أنفسهم لما قدْروا أنه الأولوية، ولما ظنوا بأنفسهم أنهم الأقدر عليه.
ولقد دارت دائرة التاريخ ورجال التفقيه والتعليم والتذكير والدعوة، ورجال الفكر في ثنايا الزمان لا ينقطعون. وظل على مدى العصور لكل عصر، لبوسه من الدعاة، يحيون السنن، ويميتون، البدع، ويذكرون بما نُسي، ويوضحون ما أشكل، ويتصدون للشبهات، ويقفون سدّاً في وجه منكر الدعوات من الذين ذكرهم الحديث الشريف: دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها، قذفوه فيها. وغير هؤلاء قال صلى الله عليه وسلم عن الخير الذي فيه دخن: رجال تعرف منهم وتنكر. وقال عن الأولين: إنهم من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا…
وقال في حديث ثالث: ما بال أقوام لا يعلمون جيرانهم ولا يفقهونهم، وتوعدهم بالعقوبة إن لم يفعلوا..
لقد جعل الإسلام مناطات الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، معلقة برقبة كل مسلم قادر، يجد الثغرة أمامه مفتوحة مخلاة، حتى يقوم بحقها.
قرأت “رسالة الصلاة” للإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، الذي دفع عن عقيدة الإسلام بظهره وبصبره على السجن وعلى السوط حتى بارت دعوة الاعتزال..
في “رسالة الصلاة” ما زال الإمام أحمد رضي الله عنه، يشدد على وجوب أن يؤدي المسلم واجبه بحق أخيه الذي لا يحسن الصلاة حتى كدت أن أترك صلاة الجماعة خوفاً وإشفاقاً..
في تراث الإسلام كن عالماً أي معلماً أو متعلماً ولا تكن الثالث فتهلك.
وأعود: إن العمل الجماعي الدعوي في الدعوة والتعليم والذكرى في أصله واجب الرسل الكرام. ثم من يليهم ممن ينهج نهجهم، ويرث إرثهم، ويسير على طريقهم.
وقد كان من الذي تربينا عليه، أن كل الداعين إلى الخير على خير، ولو اجتمعوا على إماطة الأذى عن طريق المسلمين.
إن إقامة المجتمع العامل بالصالحات، والمتواصي بالحق، والمتواصي بالصبر.. بأفراده وتجمعاته لا يحتاج إلى رخصة ولا إلى ترخيص. فالأمر الرباني تكليف مفتوح لكل مستجيب.
وأضيف وكل الدعاة إلى الإسلام على خير ما فقهوا، وأحسنوا ترتيب أولوياتهم، وأكثرهم نصيباً من خيرية الدعوة، أجمعهم لأصولها، وأحرصهم على أعالي سننها. قال أعلاها لا إلا الله. قال رأس الأمر الإسلام، وقال: وذروة سنامه الجهاد. وقال: الصلاة عماد الدين. وقال بني الإسلام على خمس.. وهكذا حتى ننتظم البضع والسبعين..
وعلى هذه الأسس والقواعد والأولويات قامت دعوة الإخوان المسلمين، عندما أسس لها الإمام الشهيد حسن البنا. وعلى هذا الأساس نقل العلماء الثقات الغرسة من مصر إلى الشام، وإلى غيرها من الأقطار.
“جماعة” “أمة تدعو إلى الخير” تكليفنا رباني، ومن نازعنا فيه فقد نازع المكلِف الأول. لسنا حزباً سياسياً ولن نكون، وإن تكن السياسة من صميم ديننا…
ومن صميم ديننا أننا لا ننازع الأمر أهله. ومن صميم ديننا أننا نأمر بالمعرف بالمعروف، ومن صميم ديننا أننا لا ننهى عن منكر يوتغنا بما هو أشد نكارة منه.
ولقد مضت على هذه الجماعة خلال ما يقرب من قرن عاشته جد وجهد وعمل وابتلاءات وأحداث أثبتت فيها أنها الأبقى وأنها الأصلب وأنها الصخرة التي تكسرت عليها قرون المكاسرين..
لا نحتكر المحراب ولا القبلة. ومن شاء أن ينافس على طريق الخير ((وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)). لايقل مسلم لمسلم: أخلِ لي القبلة أو المحراب، أو اترك لي الثلث الأخير من الليل. ((ولكل درجات مما عملوا)). طريق الدعوة يتسع للجميع، ومن سبقنا لحقناه وتبعناه فالفضل للمتقدم. والتقدم عملي وليس زمنياً كما يظن ويخال البعض.
من السذاجة أن يقول لاحق لسابق أقصر حتى أسبقك، ارفع لواءك وامض. ولا تثرب على ألوية الآخرين.. واسبق حتى يتبعك اللاحقون..
ولقد وقع في تاريخ هذه الجماعة مع تتابع الابتلاءات هنات وتجاوزات.. ولا شيء تطيب معه المراجعات مثل زمن العافية، حيث يستقبل العقلاء من أمرهم ما استدبروا، ويعيدون النظر فيما قدروا، وقدّموا وأخروا… وإلا فيعذرهم ما قال الأول:
يقضى على المرء في أيام محنته..
حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن
ومن كل هذا أشياء قد كانت، يداريها الكريم، ويصبر على مثلها الحليم.
ستون عاماً في ساح الصراع مع حافظ الاسد ووريثه القاصر، وما لان لهذه الجماعة عزم، ولا كسر العدو لها إرادة.
موعدنا مع المقال التالي الانتصارات الكبرى التي حققتها جماعة الإخوان المسلمين في قرن خلا..
حتى لا يعبث وليد في شعر أبي عبادة الوليد…
اللهم اهدنا لأحسن الأعمال والأقوال لا يهدي لأحسنها إلا أنت…

زهير سالم

مدير مركز الشرق العربي، قيادي سابق في جماعة الإخوان المسلمين في سورية