موقع إخوان سورية
8 سنوات انقضت من عمر الثورة السورية -انطلقت في 15 مارس 2011م- ضد أحد أعتى الأنظمة الدكتاتورية في التاريخ الحديث، عانت الثورة على مدار السنوات الماضية وشهدت انتكاسات خطيرة جعلت أصواتاً لا يُستهان بها تروج لعبارة “الثورة السورية انتهت” لا سيما مع استعادة مليشيات الدكتاتور بشار الأسد لمناطق عديدة كانت تحت سيطرة الثوار.
وقد أجرى فضيلة المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية د. محمد حكمت وليد حواراً مع مجلة “المجتمع” الكويتية، ليدلي بدلوه حول آخر تطورات الثورة والعقبات التي تتعرض لها.
تدخل الثورة السورية عامها التاسع، ما تقييمكم للسنوات الثماني الماضية؟ هل هزمت الثورة؟
– تمر الثورة السورية بتراجعات، ولكنها لم تنته؛ ونظام الأسد لم ينتصر، انتهاء الثورات لا يحصل إلاّ بانتهاء أسبابها؛ وأسبابها ما زالت قائمة؛ وقد قدّم الشعب السوري من التضحيات ما لم يقدمه شعب آخر في العصور الحديثة.
بلدنا اليوم بلد المليون شهيد ومفقود، وعشرة ملايين نازح ولاجئ؛ مع 70% من أطباء سورية بين مهاجر وقتيل ومعتقل؛ وقرابة مليوني طفل سوري محرومون من التعليم.
الشعب السوري يريد الحرية، والحرية بضاعة غريبة على نظام الأسد، وهو لا يرى من الألوان إلاّ لون الدم، ولا يعرف من الاستقرار إلاّ استقرار المقابر.
ولكن النظام حقق انتصارات عسكرية حقيقية على الأرض!
– الجيش السوري لم يحقق إنجازات عسكرية، فهدم بيوت المدنيين على رؤوس ساكنيها بطائرات “السوخوي” الروسية ليس بطولة، وإلقاء البراميل المتفجرة لتفصل رؤوس الأطفال عن أجسادهم ليس شرفاً عسكرياً.
يقال: إن الأوضاع في سورية تميل نحو التهدئة، وإن الحل السياسي أصبح قريباً، ما رأيكم في ذلك؟
– ما جرى ويجري على الأرض السورية هو حلّ عسكري بلبوس سياسي، ولا توجد عند النظام رغبة في المشاركة بعملية سياسية جدية تنهي الحكم الاستبدادي في البلاد، وما يجري على أرض الواقع هو إدارة للصراع فرضها الروس وأعانهم عليها ديمستورا لحفظ مصالح الفرقاء الدوليين.
يعمل الروس والإيرانيون على استمرار النظام وإضعافه وامتلاك ناصية قراره… وقد استعان النظام بإيران ومليشياتها لمدة 3 سنوات وكان على وشك السقوط، فاستعان بالروس وقام باستخدام القوة التدميرية الباطشة بشكل منهجي، وكل مرة يختبر الخطوط الحمراء وعندما لم يجد رادعاً يزيد القوة التدميرية.
لقد قام الأسد بتقليد بوتين، الذي دخل التاريخ عن طريق نموذج الأرض المحروقة في جروزني كرجل قوي لا يرحم، ذي قوة تدميرية باطشة وسلطة فوق المحاسبة.
ولا ننس هنا أن وزير الخارجية السوري افتخر بالتدخل الروسي في سورية كما افتخر وزير خارجية سايجون بالتدخل الأمريكي في فيتنام قبل سقوطه.
يقوم المجتمع الدولي بإعادة تأهيل بشار الأسد لأنه يخشى من البديل الإسلامي في سورية، ما رأيكم بذلك؟
– كان المجتمع الدولي يستنكر جرائم بشار لفظاً ويغض الطرف عنها قبل أن يولد “داعش” وإخوته، وهو يعلم أن مشروع “داعش” بما يمثله من تعصب وانغلاق واستهانة بالحياة البشرية غير قابل للحياة.
أما المشروع الإسلامي الوسطي المعتدل فهو قائم على الاعتراف بالاختلاف، ويعترف بالتعدد سمة من سمات المجتمعات البشرية ويعتبر التنوع العرقي واللغوي مدعاة تعارف بين الشعوب وليس مدعاة تنابذ.
يجب ألاّ يخاف العالم من هذا الإسلام الذي يعتبر المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات أمام القانون، وأن اختلاف العقائد لم ولن يكون مبرراً لممارسة الظلم أو القتل.
ومع ذلك، أنتم متهمون بأنكم حركة إرهابية؟!
– مع الأسف أقول: إن الأجنبي كان أكثر إنصافاً من بعض الأشقاء الذين يتهموننا بالإرهاب، وهم يعلمون أننا لسنا كذلك، وأنا أناشد الأشقاء الذين يضعوننا في خانة الإرهاب أن يراجعوا قرارهم، وينظروا إلى مصلحة أمتهم على المدى البعيد.
هل تؤمنون بإمكان إصلاح النظام القائم بعد تأهيله؟ وهل تقبلون بترشح بشار الأسد للانتخابات المقبلة؟
– نحن نعتقد منذ سنوات طويلة أن هذا النظام غير قابل للإصلاح، واسم النظام السوري ورئيسه مرتبط بإبادة جماعية حقيقية، وهذه الإبادة كانت خياراً ولم تكن إجباراً، وعار على الغرب والعالم أن يستمر مثل هؤلاء في الحكم.
لا يمكن لبشار الأسد أن يعود بسورية إلى وضعها الطبيعي ولو عمل المجتمع الدولي على إعادة تأهيله، فهو يشيد بالاستقرار الذي حققه بعدما قتل وشرد نصف الشعب السوري، بل يفتخر علناً أن النصف الباقي في سورية هو اللون المتجانس، ونسي أن هذا اللون المغاير الذي لا يريده، هو الذي بنى هذا البلد وأعطاه عبقه وطيبه وزهو تاريخه.
لقد روى العرب ثرى هذه البلاد بدمائهم الطاهرة، والغريب هو الذي أتى بالغزاة إلى بلده على متن طائرات “السوخوي” وصواريخ “شهاب” و”الزهراء”.
ما موقفكم من إيران والتدخل الإيراني في سورية لمساعدة بشار الأسد؟
– إيران دولة رسالية، وصاحبة مشروع توسعي معلن يسعى للسيطرة ونشر مذهبها في المنطقة.
ولكنها تفعل ذلك للمحافظة على محور المقاومة ضد العدو الصهيوني!
– إذا أرادت إيران المحافظة على محور المقاومة الحقيقي فعليها الانحياز إلى الشعب السوري وليس إلى الجلاد، الذي يسوم الشعب السوري سوء العذاب، كان شعب سورية على مدى تاريخه وما زال حجراً أساسياً في نصرة القضية الفلسطينية والمقاومة ضد “إسرائيل”.
أليس من حق إيران الدعوة إلى مذهبها؟
– ليس من حق إيران ولا “حزب الله” أن يقتلوا أطفالنا ويشردوا نساءنا بحجة حماية المراقد الشيعية والثأر للحسين رضي الله عنه، أبناء سورية لم يقتلوا الحسين رضي الله عنه، والثأر ليس من أطفال سورية ولكن من القتلة المجرمين، الذين هدموا المساجد ودنسوا المصاحف وطلبوا من المعذبين السجود لبشار، كما أنه ليس من حق إيران أن تستغل حاجة أبناء سورية للخبز والأمن كي ينشروا تشيعهم.
أمام هذه الضغوط المعلنة والخفية على الإسلام السياسي خرجت أصوات من داخل هذه الحركات تدعو إلى حل الحركة نفسها أو على الأقل تغيير مسمياتها انحناءً أمام العاصفة، ما رأيكم بهذا الطرح؟ وهل يحتاج الأمر إلى مراجعات؟
– إن اسم “الإخوان المسلمون” أصبح علماً على كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث، وأصبحت له حمولة تاريخية بالغة الأهمية، وإن كانت لا تخلو من المعوقات.
في تقديري، أن الأسماء ليست مقدسة، والمضامين أكثر أهمية من المسميات، وما يهمنا هو الإسلام الوسطي المعتدل الذي يخط نهجاً للحياة منطلقاً من عقيدة هذه الأمة، ومنفتحاً على العالم برؤية حضارية شاملة.
هذا هو المضمون الذي نريد، ولا مشاحة في الأسماء مهما اختلفت أو تغيرت.
عودة إلى همّ الساعة.. ما موقفكم من اللجنة الدستورية؟
– اللجنة الدستورية هي السلة الوحيدة الباقية من سلال ديمستورا الأربع للحل في سورية (فترة انتقالية، لجنة دستورية، انتخابات، الحرب على الإرهاب)، وبموجب توافق تركي – روسي – إيراني، يتم تشكيل اللجنة من ثلاثة أثلاث؛ ثلث يعينه نظام الأسد بالاتفاق مع الروس، وثلث تعينه المعارضة بالاتفاق مع الأتراك، وثلث من الخبراء يعينه ديمستورا.
يعتبر نظام الأسد عمل هذه اللجنة انتهاكاً لسيادته الوطنية، ويعرقل مسارها بكل الوسائل ويطالب برئاستها، وأن تخضع مخرجاتها لموافقة مجلس الشعب السوري.
ومازالت اللجنة متعثرة، ولم يتم الاتفاق النهائي حولها.
وقد انسحبنا نحن كجماعة من هذه اللجنة لاعتقادنا أن المشكلة الأساسية في سورية ليست مشكلة دستورية، بل هي مشكلة النظام التسلطي المخابراتي ودولته العميقة، التي تدوس على أفضل الدساتير في سبيل مصالحها الضيقة.
ملف اللاجئين السوريين من أثقل ملفات اللاجئين في العالم، كيف تنظرون إلى هذه المشكلة وطرق حلها؟
– بلغ عدد اللاجئين ستة ملايين ونصف المليون خارج سورية، منهم 3.5 مليون في تركيا، ومليون في لبنان وقرابة مليون في الأردن.
وفي إطار إعادة تأهيل نظام الأسد تتم دعوة السوريين للعودة لما يسمونه “حضن الوطن”، لخلق شعور بانتهاء الحرب وعودة الحياة الطبيعية وسدّ حاجة النظام للتجنيد الإجباري وإعادة الإعمار.
ونحن نعتقد أنه لا يمكن عودة اللاجئين إلاّ بشكل طوعي وتحت رعاية الأمم المتحدة، بعد تأمين الحد الأدنى من الأمن والاستقرار في ظل حل سياسي مقبول، تُمنع فيه مخالب الدولة الأمنية من الفتك بالمواطنين مرة أخرى.
وماذا عن إعادة الإعمار؟
– تتحفز العديد من الدول لكسب المنافع الاقتصادية الهائلة التي سوف يوفرها إعادة إعمار سورية، إن 27% من الوحدات السكنية في سورية مدمرة أو متضررة، و6 آلاف مدرسة غير صالحة للاستخدام، وتمّ تدمير 38 مستشفى، و450 مركزاً طبياً؛ وقد بلغت خسائر الاقتصاد السوري أكثر من 250 مليار دولار، ويسعى الروس إلى عدم ربط إعادة الإعمار بإجراء تغييرات سياسية في نظام بشار الأسد، ونحن نرى أنه لا يجوز مكافأة المجرم بهذا الشكل، وإعمار سورية يجب أن يكون مشروطاً بانتقال سياسي تواكبه عملية دستورية وعملية انتخابية بطريقة جدية ومجدية.
كيف ترتسم الصورة على الأرض في سورية اليوم؟ وما آخر التطورات في إدلب؟
– سورية اليوم غير مقسمة بشكل مُعلن، ولكن يوجد تقاسم لمناطق النفوذ؛ فشمال شرق سورية يقع تحت النفوذ الأمريكي والكردي المحلي، ويشكل 28% من مساحتها؛ أما النفوذ التركي فيتركز في شمال غرب سورية، الذي يشكل 12% من مساحتها؛ ولا يسيطر النظام إلاّ على 60% من مساحة سورية، حيث النفوذ الروسي والإيراني.
وبعد خسارة غوطة دمشق والجنوب السوري لصالح المحتل الروسي المؤيد لنظام الأسد، تمّ عقد اتفاقية تهدئة بخصوص إدلب بين تركيا وروسيا، ويسعى الأتراك ليكون هذا الاتفاق طويل الأمد، ويلمح الروس والنظام إلى أنه اتفاق مؤقت، وهم يقومون بانتهاكات يومية متكررة لهذا الاتفاق بصورة قصف مدفعي وصاروخي دون مشاركة الطيران في هذه العمليات.
وهل هناك هجوم وشيك من نظام الأسد على منطقة إدلب؟
– يريد نظام الأسد ومن ورائه إيران اجتياح هذه المنطقة، وهو يعد الحشود العسكرية للقيام بذلك، ولكن جيش النظام غير قادر حالياً على العمليات الهجومية ولا يستطيع القيام بذلك دون غطاء جوي روسي.
ما الموقف التركي من الهجوم على إدلب؟
– هناك اتفاق تركي – روسي حتى الآن لمنع اجتياح إدلب مقابل احتواء تركيا لهيئة تحرير الشام في هذه المنطقة، وبعد عودة الرئيس أردوغان من لقاء قمة في سوتشي مع نظيره الروسي والإيراني صرح مسؤول روسي رفيع، أنه لا يمكن لروسيا الانتظار للأبد للقضاء على هيئة تحرير الشام.
لماذا تواصل الفصائل المختلفة الاقتتال فيما بينها، رغم خسائرها المادية والمعنوية وتربص أعدائها بها؟
– قامت هيئة تحرير الشام (النصرة وحراس الدين) في الشهر الماضي بالاشتباك مع الفصائل الأخرى مثل الزنكي وأحرار الشام، ووسعت مناطق نفوذها على حسابهم؛ وهذا أمر غاية في الخطورة، لأنه يعطي المبرر لروسيا ولنظام الأسد الحجة باجتياح هذه المنطقة، بحجة محاربة الإرهاب؛ وهذه حالة مؤسفة من ضيق الأفق وغياب الوعي، يبررها أصحابها بما يسمونه “فقه التغلب” لبسط النفوذ والسيطرة.
يحاول الأتراك إنهاء الحالة الفصائلية ودمجها في جبهة وطنية للدفاع عن هذه المنطقة، لأن خسارتها تهدد بشكل مباشر الأمن القومي التركي.
ماذا تريدون من الأمة والعالم؟
– الثورة السورية ثورة شريفة المقاصد والمطالب، وقد ثار شعبنا وقدم الشهداء في سبيل الحرية والكرامة، ونحن نطالب العالم العربي والإسلامي وكل أحرار العالم بتفهم القضية السورية أولاً، ثم مناصرة هذا الشعب المكافح بتضميد جراحه ومده بكل الأسباب المادية والمعنوية حتى يحصل على حريته وحقه في الحياة الكريمة.
في النهاية نسأل: سورية إلى أين؟
– تعيش الساحة السورية حالة من القلق والترقب الحذر لما ستفضي إليه الأمور.
في سورية اليوم احتلال أجنبي، وقد جاءت ساعة الحقيقة لحركة تحرير وطني بخطاب جامع، يلمّ شعث أكبر قدر ممكن من شرائح الشعب السوري لمواصلة الكفاح من أجل الحياة الحرة الكريمة.
لا يمكن للشعب السوري أن يستكين لنظام الأسد بعد أن ذاق طعم الحرية، ونحن لا نيأس من روح الله مهما كانت التضحيات، والباطل لا يكتسب قوة الحق وإن كثر أتباعه وطال عمره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى للمظلوم: “وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين”، وقال الله جل وعلا: (قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {100}) (المائدة).