الإخوان المسلمون في سورية

في وداع الراحلين.. الأخ الداعية العامل محمد ناجي صافي في رحاب الله…

هو الوداع إذن يا أخي أبا الناجي…
سبيل الموت غاية كل حي
فداعيه إلى أهل الأرض داعي..
وكلنا يومَ يحين حينه، ويدعيه داعيه لا بد أن يجيب، لا أحد يستقدم ولا أحد يستأخر..
أربعون عاماً مضت على لقائنا الأول، مرابطين في ساحة، ممسّكين بالكتاب، صابرين على لأواء الطريق، وأشد ما في لأواء الطريق، الصبر على قوارصها وقوارضها..
فلا يزال الأخ يشكو من أخيه، ويشكو إلى أخيه.. يميل على أخيه مرة، ويميل إليه أخرى، وهكذا تتّسق حقائق الحياة..
أربعون عاماً مضت وكأنها يوم أو بعض يوم، وألتفت ورائي وتعود بي الذكريات إلى وهادٍ وهضاب، تلفّنا الريح مرة، وتلفحنا الشمس أخرى، نضجّ ضجيج أطفال، والطريق طويل، والرباط ثقيل، والزاد قليل، ثم تلين القلوب وتتصافح الأكف، فيفيء الأحباب إلى جميل خُلق تربوا عليه في فضاء هذه الدعوة المباركة..
وأعود إلى ساعة بلغني النعي، فإذا بي أشدّ قبضتي على مثل قبض الريح..
هي الدنيا تقول بملء فيها
حذار حذار من بطشي وفتكي
نرحل وقلوبنا معلقة بالعفو والمغفرة والحب..
فأدعو وأنا أنظر في مرآتي فأرى صورة الأخ الراحل القريب، وقد أوهنه المرض، ونالت منه الدواعي، وهو المرابط على الثغر، لا يكلّ ولا يملّ ولا يلين: اللهم إنّك تعلم أنّ هذه القلوب قد اجتمعت على محبتك، والتقت على طاعتك وتوحّدت على دعوتك، وتعاهدت على نصرة شريعتك،
فوثّق اللهم رابطتها،
وأدم ودّها، واهدها سبلها،
واملأها بنورك الذي لا يخبو، واشرح صدورها بفيض الإيمان بك، وجميل التوكل عليك، وأحيها بمعرفتك، وأمتها على الشهادة في سبيلك، إنك نعم المولى ونعم النصير..
اللهم إنه أخونا الذي شاركناه لأواء الطريق قد صار اليوم إليك فاغفر له، وارحمه، وزده إحساناً وعفواً وغفراناً، وتقبل منه صالح ما عمل، وتجاوز عنا وعنه يا رب العالمين..
اللهم إنه قد وفد عليك فاجعل قراه منك الجنة..
يا أيها السالكون طريق الحق تغافروا فإن المورد قريب…
وخالص العزاء والمواساة لأنجال الفقيد وكريماته وأصهاره وأشقائه وأهل خاصته، وإخوان دربه أجمعين..
وبمثل الأخ الحبيب أبي ناجي يعزي أحدنا نفسه بنفسه..
أيتها النفس أجملي جزعاً، وقالوا: يموت المرء بموت أقرانه.. فوداعاً أبا الناجي وداعاً، بل لعله لقاء قريب…
وإنا لله وإنا إليه راجعون..

زهير سالم

مدير مركز الشرق العربي، قيادي سابق في جماعة الإخوان المسلمين في سورية