الإخوان المسلمون في سورية

فَذْلَكاتٌ لُغَويةٌ سياسيّة (2)

فَذْلَكَةُ الباء *:

 (بَئِسَ) وأخواتها!..
بَخَسَ، بَذَلَ، برهَنَ، باعَ، بَرَعَ، بَرْطَلَ، بَطَشَ، بَطَحَ، بَسْمَلَ، بَقَرَ، بَكَى، بَلَصَ
* * * * * * * * * * *
(بَئِسَ) تعني: افتقر واشتدت حاجته، فتحوّل إلى إنسانٍ بائسٍ فقير.. وليس من الضروري أن تكون حاجة البائس إلى المال أو الطعام والشراب، فقد يكون بحاجةٍ إلى الحرية والكرامة، أو إلى العدل، أو إلى الأمن بكل أنواعه وأشكاله!.. فإذا أصاب البائسَ جوهرُ فعل: (بَخَسَ)، فإنه سيعاني من أشدّ حالات البؤس!.. و(بَخَسَ) تعني: ظَلَمَ، فيقال: بَخَسَ وَلِيُّ الأمر رعيّتَه، أي: ظَلَمَهَا!.. وربما يكون البَخْسُ في العَين، حيث يمتد بَخْسُ وليّ الأمر، أي: ظُلْمه .. إلى العيون الحادّة فيبخسها أيضاً، أي: يَفقؤها، وفَقءُ العيون قد يقع في داخل الزنازين على طريقة محاكم التفتيش، أو أن يكون الفَقْء معنوياً مجازياً، فإذا ما فُقِئت العيون بعملية البَخْس.. فإنها تصبح عاجزةً عن الرؤية، فلا ترى العيوب التي (تُزيِّن) حُكْمَ فخامته، بل ترى العيب حَسَناً، والحَسَنَ -إن كان موجوداً- تراه أحسن وأحسن!..
وإذا ما (بَذَلَ) سيادته أرضَ الوطن وثروته، لسواد عيون الأخ الروسيّ الحبيب أو الشقيق الفارسيّ اللبيب، أو العزيز الأميركيّ والغربيّ بشكلٍ عام.. أي أعطاها له عن طِيب نَفْسٍ.. فإنه لن يجد من أبناء الوطن من يرى هذا الكرم والسخاء غير المحدود، لأنّ عمليات بَخْس العيون -مَجَازياً- قد فعلت فعلها!.. وبذلك يكون السلطان قد (برهَنَ)، أي: أتى بالبرهان، على وطنيته وحُبّه غير المحدود لرعيّته ووطنه!.. فهو يعمل في ذلك عمل (البهلوان)، أي: الذي يتمتع ببراعةٍ فائقةٍ في اللعب والمشي على الحبل، وما أكثر الحبال التي يلعب عليها فخامة البهلوان!..
من الأساليب البهلوانية الحديثة، على سبيل المثال، أن يجلسَ سيادته وراء كل طاولةٍ مستديرة، فيبيع ويشتري ويقترف كل ما من شأنه أن يُزيّن فعل (باعَ) ويزخرفه، أي: أعطى شيئاً وقبض ثمنه، وهذا الشيء الذي قبض ثمنه، ربما يكون أرضاً أو أمّةً أو شعباً أو وطناً.. أو كل أولئك!.. والعجيب أنّ ذلك البهلوان يبقى رابضاً على كرسيّه عشرات السنين.. لماذا؟!.. لأنه (بَرَعَ) في التمويه على شعبه من جهة، و(بَرَعَ) في (بَخْسِ) العيون سلفاً، أي: فَقْئِها.. من جهةٍ ثانية، فأصبحت تلك العيون لا ترى إلا ما يرى، أو ما يَسمح لها أن ترى!.. و(بَرَعَ) تعني: فاقَ نُظَراءه في أمرٍ من الأمور، وعِلّة البراعة هنا، هي أنّ البهلوان باعَ قبل غيره، بل أفرط في البيع، لكنه على الرغم من ذلك كله، يبقى الزعيم الذي لا مثيل لعبقريّته ووطنيّته وقوميّته، والقائد البطل، والفارس الهمام الذي لا يُشَقّ له غبار.. فهو العدوّ اللدود لعدوّ الأمّة، والصامد الوحيد بين نظرائه وأقرانه، والقطب الذي يدور في فلكه كل شريفٍ(!) يملك ذرةً من ضميرٍ أو وطنيةٍ أو نخوةٍ أو مروءةٍ أو شرف، والبطل لكل ممانَعةٍ وصمود!..
في مثل تلك الأحوال والظروف، لا بدّ للبهلوان البارع، أن يبرع في أسلوبَيْن أساسيّين للتعامل مع أبناء وطنه، أولهما: أسلوب (بَرْطَلَ)، أي: رشا (من الرّشوة).. وهو الأسلوب الذي يستخدمه مع كل مَن يستطيع فتح فمه من حاشيته، أو من مراكز القوى التي حوله!.. وثانيهما: أسلوب (بَطَشَ)، أي: أخذ الناس بالعنف، وهو أسلوب حضاريّ حديث، يستخدمه مع كل أبناء شعبه الذين لم يتمكّن من بَخْسِ عيونهم (أي فَقْئها)، إذ يمرّ هذا الأسلوب الحضاريّ: (بَطَشَ)، عبر مساراتٍ عدّة، أهمها: (بَطَحَ)، أي: ألقى خصمه أرضاً على وجهه.. ثم (بَسْمَلَ)، أي: سمّى عليه إذ يقول بسم الله الرحمن الرحيم.. ثم أخيراً: (بَقَرَ) بطنَه بَقْراً، أي: شَقّه!..
ولكي لا يكتشف الناس سبب شَقّ البطون (أو بَقْرها) –وبخاصةٍ عندما تكثر حوادث البَقْرِ-.. يقوم البهلوان بممارسة عمليات البكاء، مستخدماً أسلوب: (بَكَى)، أي: دمعت عيناه حُزناً!.. على مَن؟!.. على كل الذين بَطَحَهُم وبَقَرَ بطونهم، بعد أن بَسْمَلَ عليهم -رحمهم الله-!..
أما إذا انكشف أمره، وثار عليه شعبه.. فإنه يسارع لتنفيذ أسلوب: (بَلَصَ)، أي: سرق المال فلم يترك منه شيئاً!.. ومن الطبيعي أن يكون البَلْصُ، قد بدأ منذ اليوم الأول الذي جلس فيه السيد البهلوان على كرسيّ الخدمة.. خدمة الشعب والوطن والأمّة!.. إذ يتقدّم الوطن العزيز على قلب فخامته -بفضل خدمته الجليلة- ألف خطوةٍ.. إلى الوراء، فيعود الوطن العزيز بذلك إلى البؤس الواضح الظاهر حتى للعيون المبخوسة!.. وعندئذٍ فحسب، تكتمل دورة (بَئِسَ) على أكمل وجهٍ وأفضله، بل أحسنه!..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الفَذْلَكَة -كما ورد في المعجم الوسيط- تعني: [مُجْمَلُ ما فُصِّلَ وخُلاصَتُهُ]، وهي [لفظة محدَثة].

د. محمد بسام يوسف