الإخوان المسلمون في سورية

قانون العار والاستباحة القانون 49/ 1980..

قانون العار الأسدي.. وأقل هزالاً منه قانون الحاكم بأمر الله.. تحريم أكل الملوخية…
وقد كان الحاكم بأمر الله العبيدي أنموذجاً في العبثية والهزال، في تاريخ مصر والمصريين. يغضب يوماً على المسلمين فيقرب النصارى، ويغضب على النصارى فيقرب اليهود، حتى يقول الحسن بن خاقان مخاطبا أهل مصر :
يهود هذا الزمان قد بلغوا
                                      غاية آمالهم وقد ملكوا
العز فيهم والمال عندهم
                                  ومنهم المستشار والملك
يا أهل مصر إني نصحت لكم
                                     تهودوا قد تهود الفلك.
ويغضب الحاكم بأمر الله على الكرمة فيأمر بقلع الكروم واجتثاث الدوالي، ويكره “الملوخية” فيصدر مرسوما بمنع أكلها، وحرمة زرعها، ومعاقبة آكليها…
ولكن الحاكم بأمر الله المختل العبيدي لم يقل بمعاقبة من أكلها، من قبل وإنما اكتفى بمعاقبة من سيأكلها من بعد، وهذا الاحتياط يوضح معنى قولنا تطبيق قانون الجريمة 49/ 1980 / بأثر رجعي، فكيف يحكم بالإعدام بطريقة تشمل أجيالاً من الأموات والأحياء ومنهم كان الوزراء والنواب والحكماء…
أريد بالقانون 49/ 1980، الذي قضى منذ ذلك اليوم بالحكم بالإعدام على جميع منسبي جماعة الإخوان المسلمين أن يغطي بطريقة قانونية مدعاة وبائسة على عشرات الألوف من جرائم القتل نفذت وما تزال بحق السوريين في ليل بهيم، وشتاء طويل..
وأريد من هذا القانون غير الدستوري أن يكون غطاء لكل الجرائم التي سبقته والتي تلته، والتي ستليه الزمان..
كان الإخوان المسلمون في سورية قبل تأسيس جماعتهم 1946 وجوداً بنيوياً مكيناً من المشهد الوطني السوري على المستوى الديني والفكري والسياسي والاجتماعي، وجود عمره عمر الفتح وعمر الإسلام وعمر المسلمين. كان هذا الوجود وسيظل -وإن رغمت أنوف- زبانية محاكم التفتيش. وجود الإخوان المسلمين في سورية، مشتق من وجود الإسلام والمسلمين فيها، وهو وجود حقيقي بنيوي، لا يتحيز تحت اسم وعنوان، كما يظن الطارئون على المشهد أو على عوالم الفكر والسياسة وجغرافيا الشام المبارك العريق. واسم “الإخوان المسلمون” عنوان لحالة وجودية يعبر عنها في صور واقعية أكثر بهاءً ورواءً مما يعتقد الأدعياء والطغاة والمستبدون…
جماعة الإخوان المسلمون في الشام…
وما يكُ من خير أتوه فإنما
توارثه آباء آبائهم قبل
وهل ينبت الخطيّ إلا وشيجه
وتغرس إلا مواطنها النخل
وإن لم تنبت أرض الشام المباركة إسلاماً وإيماناً وإحساناً وصبراً ومصابرة وجهاداً ومقاومة؛ فقولوا لي بربكم ماذا تنبت…
وهل الذين اندفعوا في كل محافظات الشام يردون على السفيه “إبراهيم خلاص” يوم زعم أن ” الله والأديان والإسلام والمسيحية دمى محنطة في متاحف التاريخ”، كانوا من الإخوان المسلمين؟؟؟ أو أن الصحيح أن الإخوان المسلمين كانوا منهم وفيهم والشعار دائماً “المسلم للمسلم كالبنيان”. هل الذين اعتصموا في جامع السلطان في حماة أو في الأموي في دمشق يواجهون دبابات حاطوم وماطوم وساطوم كانوا من الإخوان المسلمين، أو الإخوان المسلمون كانوا منهم كما الظفر في اللحم، نبؤني بعلم إن كنتم تعلمون، ويوم معركة الدستور وتموج الأرض تحت أقدام حافظ الأسد، ويوم إضراب النقابات نقابات الأطباء والمهندسين والصيادلة والمحامين، ويخرج على الناس هلعاً يعلن أنه مسلم ويصلي ويعقد في صلاته اليسرى على اليمنى لعلكم تتفكرون..
الإسلام في سورية وجود حيّ حيوي فعال، والإخوان المسلمين أحد تعبيراته في هيئة الحصن والدرع ورأس الرمح، ولذا بهم يبدأ أصحاب القرون…
وأوهى قرنه الوعل…
وقانون العار 49/ 1980 هو قانون الاستئصال، على طريق ما سماه صاحب القانون من بعد “المجتمع المتجانس” الذي يضج بالأنانية الطائفية المقيتة،التي تكره الإنسان، وتعادي الحرية، وترفض التعدد، وتصادر حرية الحلم والفكر والاعتقاد والحركة…
وكان قانون العار منذ شرع 1980 جسراً للظلم، ولتعميم الاتهام، ونحن في جماعة الإخوان المسلمين نعلم أن أعداد المواطنين السوريين الذين قتلوا بهذا القانون العدمي الظالم، على التهمة، وليس لجهل المتهِمين، عشرات الألوف. فالذين تم إعدامهم على مدى خمس مائة أسبوع في سجن تدمر، اعترف بالتوقيع على إعدامهم وزير دفاع ملكات الجمال وفنون الطبخ وتنسيق الزهور مصطفى طلاس، لم يكونوا بالمعنى التنظيمي من الإخوان المسلمين، وإن كان الإخوان المسلمون ممّن يتطيبون بطيب أريجهم، ويتزينون بمثل صبرهم وثباتهم.. وبكل الحب نناديهم نحن والله منكم يا إخوة الدرب أيها الأوفياء الذين سبقتم..
كان المرسوم الذي حوّله حافظ الأسد إلى “مجلس الدمى” قبل 24 ساعة من إقراره، ليقر على عجل جريمة.
وكان إقرار المرسوم في “مجلس الدمى” وقبل استيفاء استحقاقاته الدستورية في مثل هذا اليوم من عام 1980 جريمة أكبر وأشنع..
وكانت متتاليات جرئم القتل التي ارتكبت باسم هذا القانون على مدى نصف قرن، جريمة أكبر وأكبر..
وكان صمت المجتمع الدولي عن تشريع مثل هذا القانون جريمة رابعة..
وكان تغاضي منظمات حقوق الإنسان التي لا تزال تصدر تقاريرها لإبطال عقوبة الإعدام بحق المغتصبين والقتلة المتسلسلين، جريمة خامسة..
ثم غمغمة ما تسمى هيئات المعارضة السورية بعد هذه الثورة المباركة والنكوص عن الإدانة الصريحة لهذا القانون، فلا نكاد نسمع مطالبة مباشرة لإلغائه جريمة سادسة…
وصمت الصامتين عن شرعنة قتلنا وتشريدنا وحرماننا من أوطاننا ثم التحافنا إياهم، وبكاؤنا على موتاهم جريمة سابعة…
نتذكر كيف وقف أعضاء من “مجلس الشعب” السوريين الحقيقيين في مثل هذا اليوم يرفضون هذا القانون، ويحذّرون من تبعاته، ومن تبعات الدماء التي ستستباح باسمه، ولأولئك السوريين الوطنيين الأوفياء بكل خلفياتهم…
نزجي التحية..
الله أكبر ولله الحمد…
عن نفسي وعن كل سوري صدق وقضى بظلم هذا القانون فمضى

زهير سالم

مدير مركز الشرق العربي، قيادي سابق في جماعة الإخوان المسلمين في سورية