إنّ من أخطر المسائل انتهاكاً لحقوق الإنسان وتأثيراً على ممارسة الشعب لحقوقه وحرياته أن تتحول الدولة بجميع إمكانياتها المادية والمعنوية من تنظيم اجتماعي وجد أساساً لحماية حقوق وحريات ومصالح أبناء المجتمع، وتنظيم شؤونهم إلى مؤسسة تمارس الإرهاب ضد أفراده، وترتكب جرائم القتل وحجز الحرية ومصادرة الأموال والقمع للمعارضين والمخالفين في الرأي بناءً على قوانين قمعية شرعتها .
يختلف الحكم الديمقراطي عن الحكم الشمولي، ففيه يكون الشعب مصدر السلطات، يضع الدساتير والأنظمة والقوانين بواسطة الممثلين الشرعيين المنتخبين من قبل الشعب انتخاباً حراً نزيهاً، ويختار الحاكم ليحكمه ويقيله متى أراد حين يشعر أنه خرج عن إرادته، لأن الحكم عقد إجارة بين الشعب والحاكم ليحكم بالنظام الذي يضعه الشعب.
أما الحكم الشمولي أو الأحادي فهو الذي استولى على الحكم بانقلاب عسكري، واغتصب حق الشعب في أن يحكم نفسه بنفسه، واعتبر أن الشعب قاصراً وهو الوصي عليه، فألغى دستور الأمة، واستبدله بدستور على مقاسه، نزع منه سيادة الشعب ونصب نفسه قائداً على الدولة والمجتمع رغماً عن الدولة والمجتمع، ووضع بيده حق الترشيح لرئاسة الدولة ولا يملك أي فرد من أفراد الشعب أن يرشح نفسه، وإنما على الشعب واجب هو أن يقول لمن يرشحه: نعم. وأوجد مجلساً سماه مجلس الشعب جعل التشريع قسمة بين هذا المجلس وبين رئيس الجمهورية، وفي الحقيقة ينحصر التشريع بيد رئيس الجمهورية، ولا يملك هذا المجلس إلا أن يقر بالإجماع ما يقترحه رئيس الجمهورية من مشاريع القوانين، ومداولات المجلس هي مديح للرئيس القائد الفذ وموافقة بالإجماع على هذه القوانين، مما سهل إصدار القوانين القمعية سواء أكانت بمراسيم تشريعية أو قوانين قدمها رئيس الجمهورية إلى المجلس كمشاريع قوانين فوافق عليها المجلس بالإجماع مهما تضمن تنفيذها من جرائم بحق الإنسان والوطن.
القانون 49
أصدر ما يسمى مجلس الشعب قانوناً بناءً على مرسوم قدمه حافظ الأسد في السابع من شهر تموز/يوليو عام 1980 يقضي بالإعدام على كل منتسب أو منتمٍ فكرياً أو نصير أو متعاطف مع جماعة الإخوان المسلمين. وفي اليوم التالي أقره حافظ الأسد ليصبح نافذ المفعول وبأثر رجعي.
وبموجب هذا القانون الجائر المخالف للدستور وللأعراف التشريعية قضى حافظ الأسد على عشرات الآلاف من المواطنين السوريين المسالمين إما في المجازر التي شهدتها مدن وبلدات البلاد وبلغت ذروتها في مجزرة حماة الكبرى في شباط 1982 وإما في السجون والمعتقلات ومراكز التحقيق.
وطبق هذا القانون الجائر بأثر رجعي فغطى بذلك على الجرائم التي ارتكبتها قوات أمن ومخابرات حافظ الأسد قبل تاريخ صدوره ولا سيما مجزرة سجن تدمر التي ارتكبت قبل صدوره بـ11 يوماً وقتل فيها نحو ألف مواطن سوري في زنزاناتهم.
وصبغ هذا القانون الحياة السياسية والاجتماعية في سورية ولا يزال بعد 41 عاماً على إصداره، فقضى الآلاف في السجون وفقد أمثالهم ولم يعرف مصيرهم، ومنع كثير من المواطنين من السفر وحرموا من العمل ووثائق السفر لمجرد صلة القرابة أو الشبهة، واضطر عشرات الآلاف لمغادرة البلاد خوفاً على أرواحهم. واضطر الآلاف لطلب اللجوء في أنحاء المعمورة طلباً للأمان وللاعتراف بشخصيتهم القانونية التي أصر نظام الأسد الأب ومن بعده الابن على تجريدهم منها، مخالفين بذلك كل مواثيق حقوق الإنسان.
يعتبر القانون 49 لعام 1980 لا مثيل له في التنظير والتطبيق وهو باطل من الناحية القانونية والحقوقية لكن نظام الأسد يصر على وجوده وتطبيقه والتأكيد عليه حتى بعد مرور 41 سنة على إصداره.
اللجنة السورية لحقوق الإنسان وقد كتبت الكثير عن هذا القانون القمعي وخاطبت جهات عديدة بما فيها مجلس الشعب التابع للنظام في دورات مختلفة سابقة وجهات حقوقية عديدة، تعتقد أن هذه العقلية التي حكمت سورية هي التي أوصلتها مؤخراً إلى ما قاله النظام وطبقه: “الأسد أو نحرق البلد”، وحرق بشار حافظ الأسد ونظامه البلد ودمرها وشتت مواطنيها وقتل منهم مقتلة عظيمة وجعل البلاد مستباحة للروس والإيرانيين وميليشيات الحقد الطائفي، ولا يزال مستمراً …
نص القانون 49 الذي أقره مجلس الشعب في 7 تموز 1980
المادة 1 – يعتبر مجرماً ويعاقب بالإعدام كل منتسب لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين.
المادة 2 –
أ- يعفى من العقوبة الواردة في هذا القانون أو أي قانون آخر، كل منتسب إلى هذه الجماعة، إذا أعلن انسحابه منها خلال شهر واحد من تاريخ نفاذ هذا القانون.
ب- يتم إعلان الانسحاب بموجب تصريح خطي يقدم شخصياً إلى المحافظ أو السفير لمن هم خارج القطر بتاريخ صدور هذا القانون.
المادة 3 – تخفض عقوبة الجرائم الجنائية التي ارتكبها المنتسب إلى تنظيم جماعة الإخوان المسلمين، قبل نفاذ هذا القانون لمن هم داخل القطر وخلال شهرين لمن هم خارجه وفقاً لما يلي:
أ- إذا كان الفعل يوجب الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو الاعتقال المؤبد، كانت العقوبة الأشغال الشاقة خمس سنوات على الأكثر.
ب- إذا كان الفعل يؤلف إحدى الجنايات الأخرى كانت العقوبة الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات.
المادة 4 – يعفى من عقوبة الجرائم الجنوحية المرتكبة قبل نفاذ هذا القانون، تحقيقاً لأهداف تنظيم جماعة الإخوان المسلمين كل منتسب إلى هذه الجماعة إذا سلم نفسه خلال شهر واحد من تاريخ نفاذ هذا القانون لمن هم داخل القطر وخلال شهرين لمن هم خارجه.
المادة 5 – لا يستفيد من التخفيض والعفو الواردين في هذا القانون الذين هم قيد التوقيف أو المحاكمة.
المادة 6 – ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ويعمل به من تاريخ صدوره
رئيس مجلس الشعب / محمود حديد