الإخوان المسلمون في سورية

قراءة في تجربة الثورة السورية

يسعى الأفراد والأحزاب والدول إلى تحقيق النهوض في حياتهم، بمعنى أن يحققوا نجاحات وإنجازات باهرة، ويتحرروا من القيود والمثبطات…
وإذا كان هذا أمراً طبيعياً فإن صورة النهوض، وتصوّر الهدف الذي يمثّل النهوض، ثم معرفة الطريق إلى ذلك… هو الأمر الذي ينبغي أن يكون واضحاً حتى لا يكون المسير نحو سرابٍ أو نحو نكوص.
لقد حدّثَنا القرآن الكريم عن أقوام عاد وثمود وفرعون وغيرهم، فإذا كل قوم قد حققوا إنجازات مادية كبيرة من العمران، لكنهم فقدوا القيم العليا التي تليق بالإنسان. فقدوا الإيمان الصحيح باللّه تعالى وما يلازم الإيمان من قيم الكرامة والاستقامة والصدق والوفاء والأمانة… فكان مآلهم في الدنيا دماراً وفي الآخرة ناراً.
لقد كان في كل قوم من الأقوام البائدة ثلّة من المستكبرين الظالمين، وغثاء من المستضعفين الذين رضوا بأن يكونوا أتباعاً كالبهائم، يرضون بما يمنحهم الطاغية من العلف الذي يملأ بطونهم، ثم يسخّرهم ليبنوا له الأمجاد التي يستخدمها في المزيد من إذلالهم، ويمنح نفسه الحق في الرقابة على كل كلمة يكتبونها أو ينطقون بها، والحق بعدئذ في سجن مَن شاء وقتل مَن شاء…
إن النهوض الحقيقي إنما يبدأ ببناء الإنسان السويّ، الإنسان الذي يأبى الخضوع إلا لربّ السماء، الإنسان الذي يوجّه طاقاته لإقامة مجتمع الخير والكرامة والعدل، ويكون هذا المجتمع حرّاً أبيّاً يربّي أفراده على المناهج التي تنسجم مع عقيدته وقِيَمه. فإذا وجد هذا الإنسان فإنه جدير ببناء المدارس والمساجد والكنائس والمصانع والطرق والجسور والسدود… ثم يكون كل فرد فيه لبنة صلبة متماسكة مع اللبنات، يشدّ بعضها أزر بعض، ليس فيها المستبدّ الذي يجمع في يديه كل السلطات والثروات والإمكانات، ويكون الآخرون كذرّات الغبار، لا وزن لها ولا قوام.
ولقد عانى شعب سورية عقوداً من الشقاء والذل والقهر. وقد كان الظلم في بدئه بسيطاً فلم يحرّك في نفوس معظم الناس ضرورة الثورة، ثم تمادى هذا الظلم وقامت ثورات هنا وهناك تمكّن الظالم من قمعها، ثم تمادى الظلم حتى شمل كل قطاعات الحياة وحتى عمّ وطمّ، إلى أن قيّض الله الرجال والظروف التي قضى الله لها أن تتمكّن من إسقاط الباطل. فهل هذه هي نهاية المطاف؟ لا، بل إنها بداية لمرحلة جديدة تكون فيها الجماهير حريصة على تحقيق ما كانت ترنو إليه من العزّة والكرامة والعدل… مستعدة لبناء الوطن الذي هدمه النظام الساقط. وأول ما يبنيه من الوطن إنما هو الإنسان الحرّ الأبيّ، وإنها لأمانة في عنق كل مواطن، وبشكل خاص في أعناق النخبة الواعية.
وإن أمام القيادة الجديدة مهامٌ كبيرة، وتحديات كثيرة، وضغوطات داخلية وخارجية.
ففي الداخل هناك الفساد الموروث الذي تغلغل في كل مرافق الدولة وفي نفوس معظم أبناء الشعب، وهناك الدمار الذي لم يوفر مدرسة أو مستشفى أو جسراً… وهناك الذين كانوا يتعيّشون من الفساد، سواء من كان منهم من الأقليات الطائفية أو ممن ينتسبون إلى الأكثرية، وسواء من كان منهم مرتبطاً بإيران أو بغيرها… فهذا كله يضع أمام القيادة تحديات هائلة، ويجعل المفسدين يحسّون بفقدان مكاسبهم الحرام، ومزاياهم الملعونة التي كانوا يتسلّطون بها على رقاب الشعب وعلى كرامته وعلى أمواله، فهم يجعلون من أنفسهم عصيّاً في عجلة السلطة الجديدة وألغاماً في طريقها.
وفي الخارج هناك مَن يتخوّف من توجهات الوضع الجديد، ويعملون على احتوائه أو تدجينه، وعلى رأس هؤلاء الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل”، ولكل واحد منهم طلباته وأولوياته.
فما الذي تفعله هذه القيادة أمام تلك الضغوط، وقد ورثت بلداً مهدّماً، واقتصاداً منهوباً، وأنشأت جيشاً جديداً بحاجة إلى كثير من الخبرات وكثير من التسليح… وقد كان الجيش القديم كتلة من الطائفيين والانتهازيين والمنتفعين، إلا ما رحم ربّك!.
عندما انطلقت القيادة الجديدة بهرت العالم كله واستقطبت الأضواء، فكان التأييد العارم لها من معظم فئات الشعب، وجاءها التأييد كذلك من دول الجوار ومن معظم القوى الدولية المؤثرة، ولكل دولة من هذه الدول رؤاها ومصالحها، فراحت كل منها تحمل العصا والجزرة، فها هي المكاسب التي سنعطيك إياها إن حققت لنا ما نريد، وإياك أن تعصينا فنحن نملك قوة لا قِبَل لك بها.
فإن كان لا بد للقائد ومَن حوله من إعطاء بعض التنازلات، فإن أملنا، وثقتنا كذلك، ألا تنبهر القيادة الجديدة أمام أضواء السلطة فتتمادى في التنازلات، بل تبقى في مجال المرونة التي تحقق أكثر ما يمكن من مصالح سورية، وتتجنب الزلازل والمطبات المُهلكة.
((وقُل: اعملوا، فَسَيَرى اللهُ عملكم ورسوله والمؤمنون)).

محمد عادل فارس