يكاد يمر عقد على انطلاقة الثورة السورية المباركة، وقد تكشّف خلاله الكثير من عورات السياسات والمواقف الدولية، وعلم الجميع بما لا يدع مجالاً للشك أنّ المصلحة الصهيونية فيما يجري على الأرض السورية كانت دائما هي الأولى على الأجندتين الأمريكية – الروسية، بل على الأجندة الدولية والإقليمية أجمع.
يتذكر السوريون مقالة ابن خال الرئيس، وسورية بلد محكوم بابن الخال وابن الخالة، مخاطباً الصهاينة: أمن بأمن. وقد رأى الجميع بالدليل القاطع والبرهان الساطع حجم وفاء الصهاينة للمقولة التي تبرّأ منها ظرفياً كثير من أتباع الأسديين.
ويعلم كلّ ملمّ بقوانين السياسة علم يقين أنّه ما كان للميليشيات الطائفية الصفوية أن تعقد راياتها، تحت عنوان “يا لثارات الحسين” وأن تتحرك في الجغرافيا الفسيحة حول العالم عبر أفغانستان وباكستان وإيران والعراق ولبنان، لتتجمع كجيوش خراب على القتل والتدمير، لولا ضوء أخضر أولي من الكيان الصهيوني ومن ثم من الولايات المتحدة وكلّ الشركاء.
وحين نسمع اليوم نتنياهو ومن ثم ترامب يظلّ يدندن حول وجود الميليشيات الصفوية في سورية، من حقّنا أن نتساءل: أين كانت المخاوف الصهيونية الحقيقة، يوم كان صوت الثورة هادرا، فأعطي كل هؤلاء المجرمون الفرصة والدور للتصدي لها وقتل وتهجير السوريين الأحرار؟!
ورغم كل شيء ومع كل شيء، فقد بدا واضحاً وجلياً بعد اللقاء الأمني الثلاثي الذي عقد في القدس في 26/ 6/ 2019 بين الصهاينة والروس والأمريكيين أنّ التوافق قد تمّ على أمور كثيرة في مستقبل سورية، وهو ما عبّر عنه رئيس الموساد الصهيوني بالأمس عن اقتراب الإعلان عن ترتيبات الحل في سورية.. وكان من أهم ما تم التوافق عليه في هذا المؤتمر : التمسّك ببشار الأسد واستبعاد إيران من المشهد السوري، وهي ثنائية تستحق التفكير وإعادة التقدير فلماذا؟!
والذي يبدو للمتأمل أنّ جوهر الموقف الصهيوني والموقفين الأمريكي والروسي المتوافقين معه يكمن في عملية دعائية “تجميلية ” للدور الصفوي الإيراني بعيدة المدى.
ولنعترف توضيحاً للفرق…
أنّ التعويل الصهيوني على الدور الوظيفي الأسدي هو تعويل ظرفي، لم يعد نتنياهو يشعر بالحرج بعد اليوم أن يصف بشار الأسد متحبباً إليه غائظا للشعب السوري بقوله “بشار الأسد والينا على دمشق ” أو” بشار الأسد حاكمنا العسكري في سورية ” أو “بشار الأسد مندوبنا السامي في سورية”. بشار الأسد بالنسبة للصهاينة أصبح مثل الورقة المحروقة، وهم مستعدون أن يفرضوا رمادها على سورية والسوريين ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا..
أمّا إيران الصفوية، أمّا الملالي من أصحاب المشروع الصفوي، المشتق في أصوله وفروعه وغاياته وأهدافه ووسائله وأساليبه من المشروع الصهيوني، فما يزال الكيان الصهيوني محتاجاً إليهم، وما يزال مشروع الاستكبار العالمي محتاجاً إليهم، وما يزال الدور الوظيفي القذر المناط بهم مفتوحاً على كل المنطقة العربية.. ومن هنا فهم ما يزالون بحاجة إلى هذا المكياج الذي يظن البعض أنه يمكن أن يستر السوأة، مكياج ضجيج الحرب الأمريكية بجهام سحابها وخلب برقها ورعودها، وهم بحاجة إلى بعض ماء لغسل الدماء عن أيديهم ومن هنا جاء التظاهر بالعداوة الصهيونية المتبادلة بين شركاء المشروع الواحد، المشروع المتفق على التقتيل والتهجير والتدمير.
“إنّ كل مياه البحار لن تغسل الدماء عن أيدي الطغاة” قاعدة شكسبير وأضيف ولا مياه المعمودية نفسها..
وإذا سمعت من يتحدث عن عداوة صهيونية – صفوية، فتذكّر الحكمة القديمة: لا تصدّق ما لا يكون أن يكون.. وعند ابن سبأ خبرهم اليقين…