الإخوان المسلمون في سورية

ملخص مقابلة المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية د. “عامر البو سلامة” في نقاش مباشر من دمشق حول مستقبل سورية بعد سقوط الأسد على قناة “الجزيرة مباشر”

كنا على ثقة كاملة بإسقاط الأسد.. ولم نيأس ولم نحبط ولم نبع الوهم

علاقتنا مع الوضع الجديد علاقة تواصل ومواكبة مستمرة وتعاون وتأييد

رؤيتنا للمرحلة الانتقالية ترتكز على أمرين: إعادة بناء الإنسان والوطن.. والأمن والاستقرار

وضع الجماعة في مستقبل سورية بين الدعوي والسياسي ستحدده مرونة الجماعة وواقعيتها

الشراكة الوطنية وعدم الانكفاء على الذات أبرز ما استفادته الجماعة من تجارب البلدان الأخرى

نتعامل إيجابياً مع الدعوة للمؤتمر الوطني المزمع.. ونجدد الدعوة لاعتماد دستور 1950

مع العدالة الانتقالية والتسامح مع غير القتلة والمجرمين.. وفتح جميع الملفات بمساري المحاسبة والتعويضات

ثوابتنا الوطنية: المواطنة وإقامة العدل ووحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم ورفض أية فصائلية تحارب شعبنا أو تسعى للانفصال

“لا تخافوا ولا تقلقوا من جماعة الإخوان المسلمين في سورية”

الذي ذبح السوريين بهذا الشكل لا يمكن أن يكون نافعاً لفلسطين ولا لغيرها.. والشعب السوري معروف بحبه لفلسطين وغيرته عليها

قال فضيلة المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية د. “عامر البو سلامة” إن الجماعة كانت على ثقة كاملة بسقوط نظام الأسد، إلا أنها فوجئت كما فوجئ الجميع بأن السقوط كان سريعاً جداً. وشدد على أن الجماعة لم تيأس أو تحبط يوماً، وأنها لم تكن “تبيع الوهم”، حينما كانت تبشر بسقوط النظام.
وشرح فضيلته، في مقابلة تلفزيونية مباشرة عبر الأقمار الاصطناعية من دمشق، عرضت على قناة “الجزيرة مباشر” مساء الخميس، دور جماعة الإخوان المسلمين في سورية في إسقاط النظام، منذ انقلاب “حافظ الأسد” وانتهاءً بالنصر والتحرير بإسقاط نظام “بشار”، موضحاً أن الجماعة كانت من الجماعات المعارضة التي تعرضت لاضطهاد النظام، نتيجة لتمسكها بدورها ورؤيتها وإدراكها لمدى إجرام هذا النظام.
وأوضح “البو سلامة” بعضاً من جوانب العلاقة مع الوضع الجديد والإدارة الجديدة، مؤكداً أن الجماعة على تواصل ومواكبة مستمرة وتعاون، وأنها ستتعامل بإيجابية مع الدعوة إلى المؤتمر الوطني المزمع عقده، وإن كانت على مستوى الأفراد، دون الجماعات والأحزاب.
كما تحدث عن رؤية الجماعة للمرحلة الانتقالية، مشدداً على أن أبرز الجوانب التي يجب الاعتناء بها في هذه المرحلة، هي إعادة بناء الإنسان والوطن، والأمن والاستقرار. كما جدّد دعوة الجماعة لاعتماد دستور 1950، كاجتهاد سياسي منها، لما يحمله من عناصر إيجابية ووطنية يمكن البناء عليها،.
وفيما يخص وضع الجماعة في مستقبل سورية، بين الدعوة والسياسة، فأشار إلى أن ما يحكم ذلك هو المرونة والواقعية التي تتميز بها الجماعة، والتي ستمكنها من التفاعل والتكيف مع الواقع الجديد. كما رأى فضيلته أن الشراكة الوطنية وعدم الانطواء والانكفاء على الذات هي أهم الدروس التي استفادتها من تجارب الإخوان في البلدان الأخرى.
وتوجه فضيلته برسائل طمأنة لشركاء الوطن في الداخل، وإلى الإخوة العرب مفادها “لا تخافوا ولا تقلقوا من جماعة الإخوان المسلمين في سورية”، مبشراً بأن الإخوان سيكونون عوناً وأماناً واطمئناناً، وأن سورية الجديدة ستكون منارة خير، بخلاف سورية “الكبتاغون”، والإرهاب، والعدوان على الآخرين، كما كانت أيام النظام البائد.
وعن ملف جرائم نظام الأسد، شدد فضيتله على حساسية هذا الملف وأهميته البالغة، وضرورة تحقيق العدالة الانتقالية، مضيفاً أن التسامح وطي صفحات الماضي مطلوب، لكن مع غير القتلة والمجرمين، ومن تلوثت أيديهم بدماء الشعب السوري. كما أكد على ضرورة فتح جميع ملفات جرائم النظام، منذ انقلاب حزب البعث، مروراً بمجازر سجن تدمر وحماة، وصولاً إلى جرائم السنوات الأخيرة، مشدداً على أنه ينبغي التعامل مع هذا الملف بمسارين؛ المحاسبة للمجرمين، والتعويض للضحايا والمتضررين.
كما تطرق فضيلته إلى جوانب أخرى في سورية المستقبل، مؤكداً على أهم الثوابت الوطنية التي ينبغي الانطلاق منها، وفي مقدمتها المواطنة وإقامة العدل، ووحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم، وعدم السماح للفصائلية التي تحارب الشعب أو تسعى للانفصال.
وفيما يخص رؤية الجماعة لمستقبل القضية الفلسطينية بعد سقوط الأسد، والمزاعم التي تشير إلى أنها قد تتأثر سلباً بذلك، فقد أكد فضيلته أن الذي ذبح السوريين بهذا الشكل لا يمكن أن يكون نافعاً لفلسطين ولا لغيرها، وأن الشعب السوري معروف بحبه لفلسطين وغيرته عليها.
وفيما يلي أبرز المحاور التي تحدث فيها فضيلته:

دور الإخوان في إسقاط النظام.. معارضة واضطهاد منذ انقلاب “حافظ” إلى النصر والتحرير بسقوط “بشار”

وافتتح فضيلته الحديث بسرد جوانب من إسهام جماعة الإخوان المسلمين السورية في إسقاط نظام الأسد، حيث ذكر أن الجماعة كانت من الجماعات التي عارضت نظام الأسد منذ ظهوره، مشدداً على إدراك الجماعة خطورة هؤلاء المجرمين الذين تسلطوا على رقاب أبناء الشعب السوري منذ اللحظات الأولى، ما أدى إلى تعرضهم لكثير من الاضطهاد نتيجة هذه المواقف، بدءاً من استلام حافظ الأسد السلطة، مروراً بقضية الدستور ووقوف جماعة الإخوان المسلمين في وجههم في هذا الشأن، وصولاً إلى أحداث الثمانينات وأحداث مدينة حماة، حتى سقوط هذا النظام، بفضل من الله تبارك وتعالى..
وبشأن دور الجماعة الميداني والعسكري في إسقاط النظام، أجاب فضليته بأن الجماعة كانت “بين الناس، ولم تكن شيئاً مميزاً في هذا الإطار”، معرباً عن فخره وفخر الجماعة بأن تكون جزءاً من أهلنا ومن شعبنا في هذا الميدان، أولاً بأول بإذن الله تبارك وتعالى.

توقعات السقوط: ثقة كاملة لكن السرعة مفاجئة.. ولم نيأس ولم نحبط ولم نبع الوهم

وأكد فضيلته أن الجماعة كانت على ثقة كاملة بسقوط هذا النظام بإذن الله تبارك وتعالى، إلا أنها فوجئت كما فوجئ الجميع بأنه كان سريعاً جداً. وشدد على أن الجماعة لم تيأس أو تحبط يوماً، إلى الحد الذي صار يتهمها البعض بأنها “تبيع الوهم”، مؤكداً أنها لا تبيع الوهم. وأرجع هذا السقوط السريع والمفاجئ لعوامل كثيرة، أهمها هشاشة النظام، وإجرامه الشديد.

العلاقة مع الوضع الجديد والإدارة الجديدة والانطباعات عنها: تواصل ومواكبة مستمرة وتأييد وتعاون

وعن العلاقة مع الإدارة الجديدة، أوضح د. “عامر” أن الجماعة تتواصل مع هذا الوضع الجديد، في إدارة السيد “أحمد الشرع”، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وأنها واكبت ذلك منذ الساعة الأولى، حيث صدرت عنها خمسة بيانات. وأكد أن موقف الجماعة واضح وجليّ، في تأييد هذا التحرير، وتأييد الإدارة الجديدة، والانطلاق إن شاء الله يداً بيد في التعاون ببناء الوطن.
ووصف فضيلته أداء الإدارة بأنه أداء جيد، بأفكار جيدة، مؤكداً مضي الجماعة يداً بيد حتى تحقيق بناء هذا الوطن، وبناء الدولة السورية الجديدة. وأعرب عن تفاؤله بهذا الأمر إن شاء الله.

رؤية الجماعة للمرحلة الانتقالية ودورها: إعادة بناء الإنسان والوطن.. والأمن والاستقرار

وحول رؤية جماعة الإخوان للمرحلة الانتقالية، أوضح فضيلته أنها تقوم على ركائز عدة، مشيراً بداية إلى أن الحمل في سورية ثقيل جداً، وأنه يحتاج إلى معونة إخواننا من العرب، ومن المسلمين، وحتى من أحرار العالم، ومن المنظمات الدولية، لأن الكارثة في سورية كارثة كبيرة أيام النظام البائد.
لكن فضيلته أبدى تفاؤلاً اليوم بشأن الوضع في سورية بقوله “إن شاء الله ستشرق الأرض بنور ربها، بالعدل، بالإحسان، بالخير، بالتعاون، بالحب، بالود، بالمواطنة العميقة إن شاء الله بين أبناء الشعب السوري”. وبيّن أنه حتى ينجح السوريون بهذه المرحلة، فإن هناك جناحين أساسيين لا بد منهما؛ إعادة بنائها إنساناً ووطناً، والأمن والاستقرار للمواطنين.
أما بخصوص دور الجماعة في المرحلة الانتقالية، فقد أوضح أنها ليست جزءاً من الإدارة الحالية، لكنه شدد على استعدادها لأن تتفاعل وأن تتعامل مع الإدارة الجديدة بكل ما أوتيت من قوة، سواء في الإطار الحكومي الرسمي، أو في الإطار المدني المجتمعي.
ولفت في هذا السياق إلى أن الجماعة حاضرة في المجتمع، وموجودة في مفاصل القوى الثورية، وأنها ستجتهد بما تستطيع من أجل أن تكون جزءاً من هذا البناء الذي تفاخر به، لا تريد جزاءً ولا شكورا ولا بحثاً عن منصب، ولكن الذي يهمها فعلاً خدمة جماهيرنا، ودولتنا السورية الوليدة والحديثة.

وضع الجماعة في مستقبل سورية بين الدعوي والسياسي.. مرونة وواقعية

وحول وضع الجماعة في مستقبل سورية، فيما يخص العمل الدعوي والعمل السياسي بين الجمع والفصل، فأوضح أن لدى الجماعة خيارات متعددة، لكنه أشار إلى ناحية مهمة جداً بالنسبة لها، وهي أنها تمتاز بالمرونة، وليست عندها قوالب جامدة لا تخرج عنها، فمع أنه لديها ثوابت لا تخرج عنها، إلا أن هناك قوالب وآليات، فيها مرونة، تتعامل معها بواقعية، وبأسس البناء التي يدخل في عالم الإمكان، ومن ثم تندمج مع الأمور اندماجاً طيباً وجيداً.
وأشار إلى أن هذه المرونة في فكر الجماعة، وسياستها وتاريخها، يعطيها إن شاء الله هيئات التكيف الطيبة التي تتلاءم مع ظروف المرحلة القادمة.

الجماعة وتجارب البلدان الأخرى: الشراكة الوطنية وعدم الانطواء والانكفاء على الذات

وحول ما تعلمته الجماعة من تجارب أفرع الجماعة في دول أخرى، خلال السنوات الماضية بعد الربيع العربي، نبّه إلى أن لكل تجربة خصائصها وميزاتها وخصوصيتها أيضاً، مشدداً على أهمية نظرية الشراكة مع الآخرين من أبناء الوطن، التي تعتبرها الجماعة أساساً من الأسس التي تبنى عليها كل أعمالها.
ومثل على هذا السياق بالشراكات التي عقدتها الجماعة في نواحٍ عدة، مع العلماء، والسياسيين، والثوريين، ومنظمات المجتمع المدني. وأكد حرص الجماعة على عدم حصر نفسها والتقوقع على ذاتها رغم أن لها تنظيمها ولها حضورها ولها مكانتها، مشدداً على أن من الأهمية لدى الجماعة على ألا تكون حركة منطوية، أو منكفئة على ذاتها، إنما متفاعلة مع الآخرين.
وأعرب عن أمله في هذا السياق، بالمضي قدماً في التشاركية مع أبناء الشعب السوري باختلاف توجهاتهم وطوائفهم ومذاهبهم وأفكارهم السياسية. مؤكداً مرونة الجماعة في قضية احتواء هذه الشراكة مع الآخرين، بطريقة عادلة ومنصفة إن شاء الله.

المؤتمر الوطني والمبادئ الدستورية: تعامل إيجابي ودعوة اجتهادية لاعتماد دستور 1950

وبشأن المؤتمر الوطني المزمع عقده، أعلن فضيلته أن الجماعة درست هذه الدعوة وكان قرارها هو التفاعل الإيجابي معها، نافياً أن تكون لدى الجماعة أية مشكلة في اقتصار الدعوة للمؤتمر على الأفراد، دون كيانات أو جماعات أو أحزاب، مشدداً على التعامل مع ذلك بإيجابية، وأن من يدعى من الجماعة سيتجاوب مع هذه الدعوة. وحث شركاء الجماعة ومن يثق بها على التفاعل معه بطريقة إيجابية.
أما فيما يتعلق بقضية المبادئ الدستورية، فلفت “البو سلامة” إلى أن الجماعة دعت في بيان لها، من باب الاجتهاد السياسي، إلى اعتماد دستور 1950، وذلك لما يحتويه من مواد وطنية بامتياز، ولأنه كان نتاجاً رائعاً صنعه شركاء الوطن جميعاً من إسلاميين وغيرهم من طوائف وأديان.
ولخص رؤية الجماعة من ناحية مبدئية في هذه القضية، بأن هذا الدستور إذا اعتمد بديباجة جديدة، وحذف ما كان عتيقاً منه لا يناسب وقتنا الحاضر، مع الحفاظ على المبادئ الجوهرية فيه، فهذا يكون جيداً. وشدّد على أن هذه رؤية الجماعة في هذا الإطار وفي هذه المرحلة، ريثما يتم بعد ذلك، بعد المرحلة الانتقالية، الجمعية العمومية، وانتخابات، وبرلمان، ثم حكومة منتخبة، لتدور عجلة الحياة في سورية، والتقدم في عملية إعادة الإعمار، والانطلاق شيئاً فشيئاً إن شاء الله..
وأكد أن طرح الجماعة بشأن الدستور، يخص المرحلة الانتقالية تحديداً، مع عدم التشبث بهذا الطرح، وإنما كرأي واجتهاد سياسي، وألا بأس لدى الجماعة في قبول رأي آخر إن تم الأخذ به، بل ستكون الجماعة متماهية ومتجاوبة معه، بحكم مرونتها.
وبشأن الإطار الزمني للمرحلة الانتقالية، فقد رأى فضيلته أن من المبكر تحديد أية جداول زمنية، مؤكداً تماهي الجماعة بإيجابية، والعمل البنّاء “مقطعاً مقطعاً”، مضيفاً أن الإدارة الحالية نفسها قد تغير قناعات معينة في هذا الإطار.
وشدد فضيلته في هذا السياق على أن البناء يحتاج بالتأكيد إلى وقت، ويحتاج إلى عمل طويل جداً، طالما هو في إطار البناء وفي إطار الإيجابية، فلا داعي للعجلة كثيراً.

جرائم نظام الأسد: مع العدالة الانتقالية.. والتسامح مع غير القتلة والمجرمين

وبخصوص ملف جرائم نظام الأسد، فقد أكد فضيلته أن الجماعة من أنصار إقامة العدالة الانتقالية، بحق الذين تلطخت أيديهم بدماء أبناء شعبنا من المجرمين، وربما هم كثر، لكن من خلال ضبط أمني صحيح، ومن خلال قضاء عادل، ومن خلال إجراءات قضائية طبيعية وعادية وملتزمة بالقوانين والضوابط المعروفة مهنياً.
ورداً على ما يطرحه البعض حول فكرة “التسامح”، أوضح فضيلته أن الجماعة لا تعارض ذلك، وتدعو لطيّ كثير من صفحات الماضي، وعدم الانتقام. لكنه رأى أنه حتى يسود الأمن والأمان في أوساط شعبنا فإن “التسامح” يجب ألا يكون مع القتلة والمجرمين، والذين هدموا سورية وفعلوا فيها الأفاعيل. وأكد أيضاً أن الجماعة ليست مع الانتقام أوالعمل العشوائي في هذا الميدان، وإنما باعتقال المجرمين، وتحويلهم إلى القضاء، بإجراءات طبيعية، وهذه الخلاصة هي المعبرة عن آراء الجماعة سياسياً ومنهجياً ومجتمعياً وفكرياً.
كما شدد أن الجماعة ترى ضرورة فتح كل ملفات الإجرام لهذا النظام، ليس فقط في حماة، التي وصف ما حدث فيها بأنه جريمة عظمى يجب أن تفتح بالتفصيل سواء إعلامياً أو أيضاً قضائياً. ولفت إلى أنه يجب ألا ننسى أيضاً أن من الجرائم العظمى التي ارتكبها هذا النظام مجزرة تدمر الأولى، ومجزرة تدمر المستمرة (الإعدامات الميدانية التي كانت تجري في السجن أسبوعياً)، متسائلاً بحرقة عن سجن تدمر “سيء الذكر”، كم ارتكبت فيه من مجازر، ومآسٍ، من قتل، وإعدامات عشوائية، وتعذيب، إلى درجة أن الإنسان يكاد لا يتصور أن الذي جرى قد جرى فعلاً، لولا الشهود العدول الذين تواترت أعدادهم في هذه الشهادات، ومنها شهادات مكتوبة، في كتب “القوقعة”، “خمس دقائق”، “تدمر شاهد ومشهود” وكتب أخرى.
وأكد أن الجماعة مع إثارة هذه الملفات بطريقة علمية وقانونية، تتضمن أمرين أساسيين، الأول هو الشكوى على النظام السابق ومن سانده في هذه الجرائم، وفي المقدمة منها، سجن تدمر، ومجزرة حماة كذلك، إضافة إلى الذي حدث في ثورة أهلنا وشعبنا، في المدن السورية وما فعلوا فيها، من قتل وتدمير وخراب. وأشار إلى أنه منذ عام 1970 بدأت مآسي هذا النظام، وأنه من المفروض أنها تفتح جميعاً.
أما الجانب الآخر الذي تحدث عنه، فهو ضرورة تقديم تعويضات عادلة ومنصفة تتبناها الدولة السورية أيضاً في حق هؤلاء الذين فعل بهم ما فعل، كتعويض أهالي الشهداء، وأصحاب البيوت التي هدّمت، وغير ذلك، بالإضافة للحقوق المادية والمعنوية، وبالأخص للذين اعتقلوا، ومنهم من قضى عشر سنين، وعشرين سنة، وخمسة وعشرين سنة، قضوا زهرة شبابهم في هذه السجون، وتعويضهم عن هذا العذاب وهذا الإيذاء.
وأوضح أنّ هذا المجال يتطلب عملاً كبيراً، عن طريق دراسة هذه الملفات بشكلين؛ الشكل القانوني المحاسباتي، والشكل التعويضي أيضاً لهؤلاء الذين تعرضوا لهذا الضرر الكبير، بالنسبة لأبناء شعبنا.
وشدد على ضرورة نبش جرائم الماضي وإحيائها، وتعويض ضحاياها والمتضررين منها، مؤكداً أن كل تلك الجرائم التي ارتكبها النظام لا تمضي أو تضيع أو تطوى بالتقادم، وأن الذي قتل والذي أجرم، لا بد أن يكون ضمن دائرة الحساب. ونبه في هذا السياق إلى حساسية هذا الموضوع المغفل عنه نسبياً في وسائل الإعلام.

التعددية وشكل الدولة.. المواطنة وإقامة العدل ثوابت وطنية

وحول رؤية جماعة الإخوان المسلمين السورية لملف التعددية الدينية والطائفية بشكل عام في سورية، وشكل الدولة في هذا السياق، أوضح فضيلته أن طبيعة شعبنا أنه متعدد الأديان والمذاهب والطوائف، مشيراً إلى أن هذا الأمر ليس وليد اليوم، إنما هو ذو جزئين؛ قديم، يعود إلى آلاف السنين، وآخر يعود إلى العصور المتأخرة من مئات السنين، ورأى أن هذه الحالة موجودة، وأن ثقافة شعبنا لا تعرف البعد الطائفي في معناه السلبي، وإنما في معناه الوصفي.
وأضاف أنه بالنسبة للجماعة، فإن أهم ما يخص شكل الدولة في هذا الإطار التعددي، هو اعتماد قانون المواطنة كثابت من الثوابت الوطنية، التي تتضمن أيضاً مفاهيم السواء الوطني، وأن الناس كأسنان المشط، وعدم التفريق بين مواطن ولا مواطن بأي سبب من الأسباب.
وشدد على أن المطلب الأهم في هذا السياق هو إقامة العدل، ومنه المساواة، وأن نكون مع أبناء شعبنا بهذه القيمة الرائدة والرائعة إن شاء الله.

وحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم ثوابت وطنية.. وأشكال إدارية تناقش من خلال الدستور

أما فيما يخص بترويج البعض لأطروحة “الفيدرالية” في سورية، أجاب فضيلته بأن الجماعة ترى أن وحدة الأراضي السورية هي من الثوابت الوطنية التي لا مناص عن التمسك بها، فلا ترضى بأي شكل من أشكال التقسيم لسورية على الإطلاق. لكنه لفت إلى أنه من خلال الدستور، أو قوانين معينة، يمكن أن تكون هناك أشكال إدارية لإدارة سورية، ضمن تفاهمات أو حوارات أو طاولات بحث معينة، للنظر في هذا الأمر بشكل جاد وجيد، معرباً عن أمله أن يبدأ النقاش حول هذا الأمور بدءاً من المؤتمر المزمع عقده، وما يعقبه من مؤتمرات ولجان، ووزارات، ودولة.
وشدد على أن مبدأ “سورية واحدة”، ثابت من الثوابت التي يجب التمسك به، من أبناء شعبنا، متوجهاً بالنصح إلى الإدارة القائمة الآن، وإلى الدولة السورية بشكل عام، اليوم وغداً وفي كل آنٍ وحين، أن هذا أمر لا ينبغي التنازل عنه قيد أنملة، مشدداً بالقول: “مهما كانت الضغوط، نصبر بإذن الله، نصبر، وتتحول الأمور حتى تتحقق وحدة سورية، سورية كلنا شيء واحد، وكلنا في السواء الوطني، ما عندنا مواطن درجة أولى، ومواطن درجة ثانية، ما عندنا منطقة درجة أولى، ومنطقة درجة ثانية، فلا نقسّم سورية ولا نرضى بهذا أبداً”.

الكرد شعبنا وإخواننا ومكون مهم جداً من مكونات الشعب.. ونرفض أية فصائلية تحارب شعبنا أو تسعى للانفصال

وبخصوص الملف الكردي، أكد “البو سلامة” أن الكرد هم أهلنا وناسنا وشعبنا وإخواننا، لا نناقش في هذا ولا نجادل على الإطلاق، بل هم مكون مهم جداً من مكونات الشعب السوري، لهم كامل الحقوق، وعليهم كامل الواجبات أيضاً، مثلهم مثل بقية المواطنين.
وأوضح فضيلته أنه في أيام النظام البائد المجرم، وقع على الإخوة الكرد ظلم كثير في مناحٍ كثيرة. ولفت في هذا السياق إلى أن جماعة الإخوان المسلمين أصدرت في وقت مبكر، ورقة سياسية للتعبير عن هذا الموضوع، تحت عنوان “الورقة الكردية”، فالكرد مكون مهم لا بد أن يكون جزءاً من نسيج سورية.
لكن فضيلته شدد على ضرورة عدم السماح بأية فصائلية تحارب شعبنا، أو تسعى للانفصال. وتوجّه بالقول لأهلنا الكرد في سورية، بأنه “علينا أن نتفاعل مع الحالة الجديدة لسورية الوليدة القادمة العملاقة مستقبلاً بإذن الله تبارك وتعالى، حتى نكون جسداً واحداً، وأن نقول لكل الذين يحملون السلاح، أو يتمترسون في أماكن معينة من سورية، نقول لهم تعالوا إلى طاولة الحوار، وألقوا السلاح لتكونوا جزءاً من شعبنا ومن أهلنا، بقاعدة أن سورية واحدة، لا نقبل أبداً انفصالاً، ولا نقبل انقساماً، ولا نقبل حمل سلاح خارج إطار الدولة والقانون”.

“لا تخافوا ولا تقلقوا من جماعة الإخوان المسلمين في سورية”

من جانب آخر، طمأن فضيلته بعض الأطراف التي لديها تخوفات أو شكوك تجاه جماعة الإخوان المسلمين في سورية، فيما يخص الادعاءات بأنها جماعة عابرة للحدود، وترفض الدولة الوطنية، وأنها محاربة بشكل أو آخر.
وتوجه فضيلته بالقول إلى جميع هؤلاء: “لا تخافوا ولا تقلقوا من جماعة الإخوان المسلمين”، مؤكداً أن الإخوان هم بالأساس فصيل تربوي دعوي إصلاحي، يحاول المشاركة في بناء الوطن، ووطني بامتياز، وأن هذا الأمر سيرونه جلياً وواضحاً عندما يتعاملون مع الجماعة، وأن من تعامل معها يدرك هذا المعنى إدراكاً تاماً، فليس عندنا أجندات خارجية ضد أحد أبداً.
كما توجه فضيلته بخطاب الطمأنة إلى إخواننا العرب في كل البلاد العربية، بقوله إن سورية ستكون إن شاء الله، بثوبها الجديد وفي ميلادها الجديد، سورية غير “الكبتاغون”، وغير الإرهاب، وغير العدوان على الآخرين، بسبب النظام السابق الذي ما كانوا يعرفون الاستقرار والاطمئنان بوجوده.
وتابع بقوله إن سورية الجديدة، ومنها الإخوان المسلمون، كجزء من المجتمع والحياة في سورية “إن شاء الله سيكونون ردءاً، يكونون لكم عوناً، يكونون لكم أماناً، يكونون لكم اطمئناناً، يكونون لكم تعاوناً خيراً بإذن الله، فلا تخافوا، لا تخافوا من سورية القادمة، لا من إخوان، ولا من غير الإخوان، بل ثقوا بالله، يا إخواننا العرب، يا أهلنا العرب، بأن سورية ستكون لكم إن شاء الله منارة خير وترون منها كل خير، فلا تخافوا ولا تقلقوا”.
أما بخصوص موضوع الارتباطات الخارجية للجماعة، فأجاب بأن الإخوان السوريين تنظيم سوري يحمل معاني الوطنية، وأن لديه مشروعاً معروفاً ومنشوراً منذ سنوات، تحت عنوان “المشروع السياسي للإخوان المسلمين في سورية”، وهو كتاب مفصل في كل شيء، ومن ذلك أن التنظيم يقيم علاقات مع الإخوة العرب، وأخرى على المستوى الإسلامي، والمستوى العالمي، والمستوى الإنساني أيضاً، وأن لديه علاقات متشعبة، لكن ضمن الإطار السوري، مشيراً إلى تفصيلات هذه المعاني موجودة في هذا المشروع الذي أعلن منذ عام 2004، وفي المواثيق السياسية الأخرى في التحالفات مع الآخرين من القوى السياسية، التي تحكي كلها هذا المعنى.
وأوضح فضيلته في هذا السياق إلى أن الإخوان السوريين “سوريون من حيث التنظيم، من حيث العمل، ومن حيث البرامج، ولكن علاقاتنا ستكون مع الجميع طيبة وجيدة وممتازة بالقدر الذي نؤدي فيه واجبنا المطلوب في عالم العلاقات”، وخلص إلى أن الجماعة في هذا المجال هي مثل أية أحزاب، أو أية دولة، أو أي مجتمع، وهكذا، لأننا نتحدث عن حركة، عن جماعة الإخوان المسلمين، ونتحدث اليوم أيضاً عن دولة سورية، مطمئناً بأنه لا داعي للخوف أبداً من هذا الأمر، وهي رسالته الأساسية في هذا الميدان.

القضية الفلسطينية بعد سقوط الأسد..

وحول مصير القضية الفلسطينية، بعد سقوط عائلة الأسد، في ظل ادعاء البعض أن سقوط بشار الأسد سيكون له تأثير سلبي على القضية الفلسطينية وعلى المقاومة الفلسطينية، أكد فضيلته أن بشار الأسد ركب موجة المقاومة، متعجباً من بعض الناس الذين يتحدثون عنه مقاوماً، وغيوراً على فلسطين. لافتاً إلى أن الذي ذبح الشعب السوري بهذه الطريقة الوحشية الإجرامية، لا يمكن أن يكون نافعاً لأهل فلسطين، ولا لأحدٍ على وجه الأرض على الإطلاق، واستهجن بشدة الزعم بأنّ ضرب النظام الإجرامي هذا يعني ضرباً للقضية الفلسطينية.
وختم فضيلته بالقول إن الشعب السوري معروف بحبه لفلسطين وغيرته على فلسطين، وتعاونه حتى يحصّل الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة بإذن الله تبارك وتعالى.
 

محرر الموقع