وبقينا دهراً نستمع إلى أحاديث الزهو والعجب والغرور. وبقينا دهراً نعايش مشروعات الفساد والإفساد والطغيان، ومشروعات التقتيل والتهجير..
قضينا أعمارنا ضحايا حرب كونية مفتوحة على المسلمين..
منذ مطلع القرن العشرين ذرف شاعرنا دما وهو يقول:
أنّى اتجهت إلى الإسلام في بلد تجده.. كالطير مقصوصاً جناحاه
أكثر من قرن مضى، عاشت أمتنا تحت سطوة قتلة متسلسلين بلشفي ونازي وفاشي وصليبي وصهيوني وهندوسي وبوذي وشيوعي وشيعي وباطني جروح ما تزال تثعب وإن شئت تذكر.. جمهوريات الاتحاد السوفياتي ثم في جمهوريات الاتحاد الروسي ثم تذكر نغوشية وقرقيزيا والشيشان وتركستان والإيغور وأراكان وأفغانستان الهند وكشمير والفليبين وإيران ثم عد بنا إلى العراق، والشام كل الشام في فلسطين وسورية ولبنان إلى مصر و..و…
أي أتباع دين أو ملة أو مذهب في هذا العالم لم يمارس حرب إبادة ضد المسلمين في ربع القرن الأخير ؟؟ أعدد لكم أو تعفوني من الإحراج؟! كثير من السفلة أو سفلتهم الذين تحالفوا مع كل شياطين العالم ضد أمتنا وشعوبنا، يظنّون أن الفرصة قد حانت للانتقام وإفراغ الأحقاد فأخرجوا ما كان في قلوبهم السود على أطراف ألسنتهم. حتى تجد هؤلاء المنخلعين المتردين من بني الجلدة من الذين يتكلمون بلغتنا من الذين يدعون كفراً وإلحاداً ويفخرون بردة ومروق، ينتصرون لكل الأديان، ويدافعون عن الكهنة والدالايات والطواغير، الطواغير وليس الطواغيت، فإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوبهم.. يهدمون المساجد ويتفاخرون ببناء غيرها من بيوت النار والشرك!!
قرن مضى ومعركة أشرار العالم ضد الأمة المسلمة الأسيرة المستضعفة، التي ولّى عليها من كسرها في غفلة من الدهر، شرارها وحثالاتها فأدخلها في دوامة لولبية هابطة من الانحلال والانحدار ما لها من قرار.
دوامة الدم تديرها على أبناء أمتنا عقول لا ترجو لله وقارا، وقلوب تتذكر عند ذكرها ((وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء..))
قرن مضى والمعركة على الإسلام وأهله ماضية ” تقتيل وإخراج ” !! تحت سمع العالم وبصره، وكان الميثاق الأول الذي أخذه الله في كتاب موسى على الناس ((وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ)) والخطاب الجمعي في كلمات الله هو وصية الإنسان بالإنسان..
وإن أكبر ردة تعيشها حضارة هذا العصر، وإنسان هذا العصر؛ هي ردة الإنسان عن “إنسانيته”. حتى ما كان الناس يعتزون إليه تحت عنوان القانون الطبيعي، عبثوا به واعتدوا عليه. وحين يرتد المخلوق في أحسن تقويم عن إنسانيته يتردى في أسفل سافلين.. وفي أسفل سافلين يتردى هؤلاء الذين يتفرجون هذه الأيام على فصول المأساة في أفغانستان وفي أراكان وفي العراق وفي الشام وفلسطين ولبنان ومصر وكأنها ملهاة تعجبهم وتسليهم وتشبع فيهم نهمات سادية وحقد..
ماذا يعجب الساسة القادرين حول العالم في مشهد أطفال سورية ونساء سورية، يهيمون على وجوههم في هذا البرد القارس، يهيمون على وجوههم إلى العراء والظلمة والجوع والمجهول..
ماذا يعجبهم في ذلك ونحن نعلم وهم يعلمون أنه لو أراد أحدهم إيقاف هذه المأساة لم يكلفه ذلك من حديث ثلاث دقائق من هاتف محمول !!
ولكن التراجيديا في سورية تسليهم وتسري عن قلوبهم وكذا أخواتها في العراق وأفغانستان وأراكان وفي كل مكان يذبح فيه طفل مسلم أو تنتهك فيه امرأة مسلمة..
نعم إنها الردة عن الإنسانية والارتكاس إلى أسفل سافلين..
((قَالُواْ: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء))؟! فأي علم كان لدى هؤلاء الملائكة المقربين؟! وأي علم غاب عن هؤلاء الملائكة المقربين ((قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ))..
وقرأت لأحدهم منذ بضع سنين يكتب ساخراً متحدّياً منتفخا: أين أنت أيها الله.. أطل علينا أيها الله.. أسمعنا صوتك أيها الله..
والله لا يأتمر بأمرك أيها المغرور.. ولله في تدبير خلقه شؤون، وكما أهلك النمرود بالذبابة ها هو يرد عليكم جميعا اليوم بالفيروس. والأكثر عبرة في هذا الفيروس أنّه لا يميز كثيراً بين الوزير والغفير، وأنه يقتحم بدون فيزا كل الحدود. فيروس صغير يتحداكم الله جميعاً به وفي غضون شهر جعل عاليكم سافلكم كما قوم سدوم..
وهذا الفيروس خلق الله فأين بروجكم؟ وأين حصونكم؟ وأين طائراتكم؟ وأين بوارجكم؟ وأين مختبراتكم؟.. أصغوا إلى الله إن كنتم تسمعون: ((وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء))..
داء الفيروس ودواء الفيروس رهن مشيئة صاحب المشيئة.. الذي يرطم رؤوس الضالين بالحجارة لعلهم يصحون من سكر أو يهتدون ومن ضلال..
((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ، فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ، وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ))..
نعم أيها المتجبرون المتكبرون الضالون المفسدون ((وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ))
اللهم الطف بعموم خلقك من المستضعفين، واشدد وطأتك على أئمة الاستبداد والطغيان الذين يصدون عن سبيلك ويحاربون أولياءك. من الذين يفسدون في الأرض ويقتلون الناس، ويخرجون الناس من ديارهم أو يصمتون عن إخراج الناس من ديارهم، وهم على حمايتهم فيها قادرون..
((وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ))