الإخوان المسلمون في سورية

هل تعاني من ضغط نفسي؟!

تمرُّ بالإنسان ظروف ومواقف يحسّ خلالها بضغط نفسي شديد، بمعنى أنه يرى نفسه في مواجهة أزمة خانقة، لا قدرة له على الخروج منها. كأن يفقد عزيزاً عليه، كان يؤمّل فيه خيراً كثيراً، أو كان يَشْغَل في حياته حيّزاً كبيراً… أو أن يتعرض لخسارة هائلة في تجارته، أو لسرقة واحتيال يذهبان بجميع مدّخراته، أو لإخفاق في دراسته، أو لتوتُّر في العلاقات مع بعض أفراد أسرته، أو لتهديد من بعض المجرمين…
هذه الأحوال وأمثالها، قد يتعرّض لها الإنسان بين حين وآخر، ويتراءى له أنه عاجز عن مواجهتها، فماذا يفعل؟!. إنه يختار واحدة من ثلاث زُمَر من الأساليب.
الزمرة الأولى التي يختارها، أو يتورط فيها، هي الهرب من الأزمة، وتجنُّب مواجهتها. ويظهر ذلك في مجموعة من التصرفات السلبية، وإن توهَّمَ صاحبها أنها مسالك إيجابية. فمن ذلك:
أ- أن يتوجّه إلى المطبخ، ليحل مشكلته عن طريق معدته! فيتناول كمية كبيرة من الطعام. وهذا الأسلوب لا يلجأ إليه إلا القليل من الناس، إذ يقترن التعرض لأزمة عادةً بضعف الشهية، والعزوف عن الطعام.
ويبقى هذا الأسلوب، حين اللجوء إليه، أقلّ ضرراً من الأساليب الأخرى. وهو بالتأكيد، أسلوب ضارّ، إذ يؤدي إلى مشكلات صحية، تقود إلى مشكلات نفسية تعقِّد الأزمة وتعمّقها!.
ب- أن يلجأ إلى التدخين. وهذا الأسلوب لا يلجأ إليه عادة إلا المدمنون عليه أصلاً، فهم يرون أن تدخين اللفافة (السيكارة) يفرِّج عنهم الهمّ والقهر، ويعيدهم إلى توازنهم!! وهذا الأسلوب خاطئ وخطير، ففضلاً عن المضار الصحيّة والاجتماعية للتدخين، فإن مادة النيكوتين الموجودة في التبغ، تدخل إلى رئتي المدخّن، وتنحلُّ في دمه، وتؤدي إلى تسارعٍ في ضربات القلب، وارتفاع في الضغط… وهذه التناذرات تزيد من الأزمة النفسية ولا تنقص منها.
أما لماذا يشعر المدخّن أنه خفّف من الضغط النفسي عندما دخّن لفافته، فلأن أعصابه أدمنت على النيكوتين وهي تتطلب المزيد منه عند وجود قلق أو أزمة، فهي تسبب لصاحبها توتراً إذا نقصت نسبة النيكوتين، ولذّةً إذا ارتفعت هذه النسبة. فشعور المدخّن إذاً بتخفيف الضغط النفسي شعور كاذب، والذي خفّ! عنه هو التوتر الناشئ عن نقص النيكوتين. [وقل مثل هذا عند الحديث عن تعاطي الخمر والمخدّرات].
ج- أن يتعاطى الخمر أوالمخدرات، وهو نوع من الانتحار. إنه يتعاطى سموماً تفسد عليه عقله وبدنه، وتنسيه أزمته فيعيش في عالم الأوهام إلى أن يصحو، فيجد نفسه في مكانه الأول من الأزمة، لكنه يكون أضعف قدرة على مواجهتها، وكما قال الشاعر:
فإذا شربتُ فإنني ربُّ الخورنقِ والسديرِ         وإذا صحوتُ فإنني ربّ الشُّوَيْهةِ والبعيرِ
د- أن يتناول الحبوب المهدئة، وهي – وإن كانت أقلّ خطراً من الخمر والمخدرات – لا تخلو من مخاطر، لا سيما إذا أُخذت من غير استشارة طبيب مختص. وهي في الغالب، تؤدي إلى الإدمان وإلى مضاعفات عصبية ونفسية، ثم إنها لا تُجْدي شيئاً في التخلص من الأزمة، إنما قد تعين على تمرير الصدمة الأولى.
هـ- أن ينتحر. وهذا غاية الانهزام والهرب، كما أنه غاية الجريمة في حق نفسه وفي حق المجتمع من حوله. إنه تعبير عن اليأس التام و ))إنه لا ييأس من رَوْح الله إلا القوم الكافرون(( سورة يوسف:87.
**
الزمرة الثانية وهي أنواع من الحِيَل النفسية، كالتفريغ والتحويل والتنفيس والإسقاط. وليس هذا مكان التفريق بين هذه المصطلحات، لكن الأمثلة توضح المراد منها.
فإذا تعرَّض لإهانة من رئيسه فرَّغ ذلك بأن صبَّ جام غضبه على بعض مرؤوسيه، أو حوَّل غضبه إلى نكد مع بعض أفراد أسرته، أو نفَّس ذلك على شكل تصرّفات غير مسوَّغة، كأن يكسِّر الصحون، أو يشق الجيوب أو يلطم الخدود (كالذي كان يفعله أهل الجاهلية الأولى ومن لا يزال يفعله على شاكلتهم) أو يُسقط ذلك على بعض مَن حوله، ممن هم أضعف منه، فيلقي باللائمة عليهم، ويجعلهم السبب وراء نكبته، فيعلّق أزمته على مشاجبهم!.
**
الزمرة الثالثة: أن يتخذ موقفاً واقعياً إيجابياً يوصَف بالتكيُّف والتقبُّل والصبر والاحتساب… بل قد يرتقي إلى مرتبة الرضا!.
إنها خيارات المؤمن العاقل المتّزن.
لقد تلقى الصدمة الأولى، ولعلّ الهم قد ملأ قلبه، والدنيا قد اسودّت في عينيه، لكنه علم أن ما قدّره الله لابد أن يقع، وأن عليه أن يستعين بقدر الله على قدر الله، وأن يوقن أن مع العسر يسراً، وأن الدنيا دار ابتلاء، وان أحوالها لا تدوم، وهي بين سرّاء وضرّاء، وأن الله يجزي الصابرين أجرهم بغير حساب، وأن المصائب مهما تكاثرت فإن الله  رحيم ودود، قادرٌ على تفريج الكرْب، وكشف الغم، وإبدال المصاب خيراً من مصيبته، وبسط الرزق، وسكب الطمأنينة في القلب…
فإذا تذكر هذه المعاني استعاد رباطة جأشه، وهدوء نفسه، فأمكنه أن يفكّر بالمخرج الأنسب مما هو فيه، وأن يستخير الله تعالى فيما يفعل، وأن يستشير أخاً صدوقاً حكيماً، وأن يحتسب أجر مصيبته عند ربه، بل يرضى بقضاء الله ويقول: يا ربِّ، أنا عبدك، وأنا راضٍ بما تكتبه لي، بيدك الخير وأنت على كل شيء قدير.
وهنا تتبادر إلى قلبه دُرَر الحِكَم من كتاب الله تعالى، ومن أحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن حكماء هذه الأمة المباركة.
ففي كتاب الله تعالى:
((فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً)). سورة النساء: 19
((إن مع العسر يسراً. إن مع العسر يسراً)). سورة الشرح: 5 و6
((إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب((. سورة الزمر: 10
((ومن يتّقِ الله يجعلْ له مخرجاً ويرزقْه من حيث لا يحتسب. ومن يتوكل على الله فهو حَسْبُه. إن الله بالغ أمره. قد جعل الله لكل شيء قدراً)) سورة الطلاق:2 و3
((سيجعل الله بعد عسر يسراً)) سورة الطلاق: 7
وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“عجباً لأمر المؤمن. إنّ أمْرَه كلَّه له خير. وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سرّاءُ شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاءُ صبر فكان خيراً له”. رواه مسلم.
“ما يصيبُ المسلمَ من نَصَب ولا وَصَب ولا همٍّ ولا حَزَنٍ ولا أذى ولا غمٍّ، حتى الشوكة يشاكُها إلا كفّر الله بها خطاياه” متفق عليه.
“إنّ الله إذا أحبَّ قوماً ابتلاهم. فمن رضي فله الرضا، ومن سخِطَ فله السُّخط” صحيح. رواه الترمذي وابن ماجه.
وفي أقوال حكماء هذه الأمة:
ما بين غمضةِ عينٍ وانتباهتها         يغيِّرُ الله من حالٍ إلى حالِ
وقال ابن عطاء الله السكندري: الصبر هو الوقوف مع البلاء بحُسْن الأدب.
وقال ايضاً: الرضا سكون القلب إلى قديم اختيار الله للعبد أنه اختار له الأفضل، فيرضى به.
ومن وصايا الإمام الحارث المحاسبي: الرضا هو علم القلب بأن الله عز وجل عدْلٌ في قضائه، غير متَّهَم فيما حَكَم، وأن اختيار الله عز وجل خير من اختيار العبد لنفسه.
وقال مسروق: من عَرَفَ خَفِيَّ لطف الله تعالى، رضي بفعله على كل حال.
**
ونختم الكلام بملاحظات ثلاث:
1- الأحمقُ الذي يفقد توازنه أمام الضغوط النفسية، ويتصرف تصرفات تؤذي ولا تنفع، يصير في النهاية غالباً، بعد أن تورّط في الحماقات، إلى الخيار الذي اختاره العاقل من الساعة الأولى.
2- لابد للإنسان أن يتأثر لدى تعرّضه لأزمة أو صدمة أو مصيبة، لكن عودته إلى التوازن والصبر والرضا… قد تكون بعد لحظات، أو بعد ساعات، أو بعد أيام… وذلك بحسب قوة إيمانه ويقينه. فكلما كانت معرفته بالله ولطفه وحكمته أعمق… كانت عودته أقرب.
3- هناك أمراض نفسية يُبتَلى بها بعض الناس تجعلهم يميلون إلى إيقاع الأذى على الآخرين من بطش ولوم وضرب… وهؤلاء هم “الساديُّون”، أو إيقاع الأذى على أنفسهم من لَطْم للخدود وشقٍّ للجيوب… وهؤلاء هم “المازوشيُّون”. عافانا الله تعالى من المَرَضَين، ورزقنا العدل والإنصاف، والصبر لله، والرضا عنه.

محمد عادل فارس