حمزة الإدلبي
بعد انطلاق الثورة السورية في مطلع عام 2011 عملت الحكومة “الإسرائيلية” على إقناع أمريكا بضرورة بقاء نظام بشار الأسد حاكماً لسوريا، مهما قتل من شعبها أو انتهك حقوق الإنسان فيها، بسبب حمايته وأبيه من قبل حافظ الأسد لأمن الدولة “الإسرائيلية” لأربعة عقود، وقد أخذت أمريكا بوجهة النظر “الإسرائيلية”، بمنع إسقاط بشار الأسد من خلال فرضها الفيتو الأمريكي داخل سوريا وليس في مجلس الأمن على الطريقة الروسية.
وعلى الرغم من هذه الضغوط الأمريكية التي عملت عليها فقد وصلت الثورة السورية في بعض لحظاتها إلى مراحل تهديد بقاء الأسد في السلطة، وهذا ما دفع أمريكا و”إسرائيل” لمنح إيران وحزب الله الضوء الأخضر لإرسال المليشيات العسكرية الطائفية للتدخل في سوريا والقتال مع قوات الأسد، لإضعاف فصائل الثورة السورية المعارضة، وتغيير مسار السيطرة على الأرض والمدن والمحافظات عسكرياً، بشرط أن يكون التواجد الإيراني في سوريا ضمن الحدود والشروط المتفق عليها بين الحكومتين الإيرانية والأمريكية، وموافقة إيران على ذلك جاء ضمن رؤيتها لتصدير الثورة الايرانية الطائفية أولاً، وسهل لها ذلك التوقيع على اتفاقية فيينا على الملف النووي الايراني يوليو/تموز 2015 ثانياً.
ولكن بقاء تفوق فصائل الثورة السورية على المليشيات الإيرانية بعد ثلاث سنوات من التدخل الإيراني في سوريا دفع أمريكا و”إسرائيل” لإدخال روسيا في المعادلة العسكرية السورية لقلب المعادلة على الأرض وهكذا كان ولذلك نجح التحالف الخفي المقام بين روسيا و”إسرائيل” منذ أمد بعيد في حصد نتائج الحرب التي شنها الأسد على سورية، والتي مضى عليها أكثر من سبعة أعوام حيث تتفق روسيا و”إسرائيل” على وجوب بقاء النظام السوري برئاسة بشار الأسد حاكماً لسوريا مقابل بقاء القاعدة الروسية الوحيدة في الوطن العربي في طرطوس.
ومع انطلاق الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد، أقامت “إسرائيل” تحالفاً قوياً مع روسيا لمواجهة التغيرات في سوريا ويعتقد المراقبون أنه بعد إسقاط الطائرة الروسية بدا أن الطرفين يتجهان نحو المصالحة، فيما الرئيس فلاديمير بوتين قدم لهجة تصالحية قائلاً إن السقوط كان “حادثاً مؤسفاً”.
أما اتهام روسيا ل”إسرائيل” بتعمد إسقاط الطائرة الروسية في سوريا، فيحمل في طياته اتهاماً لأمريكا أن تكون شريكة ولو في مجال التجسس الإلكتروني، فالحرب هي في أعلى درجات التقدم التكنولوجي والإلكتروني، فإذا نجحت “إسرائيل” فعلاً بتغيير مسار الصاروخ السوري الذي أسقط الطائرة الروسية، فإن ذلك قد يفسر ظاهرة سقوط طائرات روسية عديدة منذ تدخلها في سوريا، فروسيا تمارس ضغوطاً على “إسرائيل” كي لا تكون أداة بيد أمريكا ضدها ولو في سوريا على أقل تقدير، وهذا ما يفسر شكوى نتنياهو لترامب في لقائهما يوم الخميس 27 سبتمبر/أيلول الجاري، على هامش الدورة 73 للأمم المتحدة في نيويورك، مطالباً إياه بالتدخل لمعالجة الأزمة الروسية “الإسرائيلية”، وقد استجاب ترامب لذلك، وهذا يعني أن أمريكا لن تقبل ضغوطاً روسية على “إسرائيل”، وهو ما لم تفعله أمريكا.
إن التوجه الروسي نحو “إسرائيل” دليل على أن روسيا تسعى من خلال تأزيم موضوع إسقاط الطائرة إلى توظيف “إسرائيل” للعمل في سوريا ضمن استراتيجية روسية و”إسرائيلية” مشتركة بدليل أن روسيا تعمدت تحميل الحكومة “الإسرائيلية” مسؤولية إسقاط طائراتها في سوريا، والتسبب بمقتل خمسة عشر عسكرياً روسياً، وكان بإمكانها تحميل نظام بشار الأسد المسؤولية، أو التعامل مع الحادث كخطأ فني غير مقصود من الطيران “الإسرائيلي”، ولكن روسيا اتهمت “إسرائيل” بتعمد إسقاط الطائرة الروسية ومقتل من فيها، لأنها تريد منع “إسرائيل” من عرقلة جهودها العسكرية في سوريا، وهذا يعني أن روسيا تسعى لاستثمار هذه الحادثة لتنسيق أكبر تُلزم به الحكومة “الإسرائيلية” بما تريده كما يبدو.
أي أن روسيا تبحث عن مصالح مشتركة مع “إسرائيل” في سوريا ولا تسعى لصناعة صراع نفوذ بينهما، قد يكون من أهمها عدم التعاون مع أمريكا لتوريط روسيا في سوريا أكثر، وعدم تقويض التواجد الإيراني في سوريا، لحين إيجاد حل سياسي للأزمة السورية.
فالضغوط “الإسرائيلية” لخفض التواجد الإيراني في سوريا وتوجيه الضربات المؤثرة والمدمرة لقواعد إيران في سوريا يؤذي الاستراتيجية الروسية في سوريا، ويحرج ايران وروسيا معاً لذلك يريدان من “إسرائيل” عدم تعقيد الموقف وإبقاء التنسيق بين مختلف الدول قائماً.