حسين عبد العزيز
في آذار/ مارس الماضي أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن الجيش يتجهز للسيطرة على أربع مناطق شمال سوريا (عين العرب/ كوباني، تل أبيض، رأس العين، الحسكة)..
اعتبر هذا التصريح في حينه خارجاً عن سياقه السياسي والعسكري، نظراً لوجود فيتو أمريكي يحول دون تحقيق مثل هذه الأهداف، لكن بالمقابل أثبتت الأحداث أن تصريحات أردوغان المماثلة كانت صحيحة، بدءاً من معركة جرابلس إلى معركة الباب ثم معركة عفرين، وقد استبقت كل هذه المعارك بتصريحات للرئيس التركي عن نية استهدافها في وقت بدت المعطيات على الأرض لا تسمح بذلك.
* حسابات تركية
في الثامن والعشرين من شهر تشرين أول/أكتوبر الماضي قصفت القوات التركية مواقع لـ “وحدات حماية الشعب الكردي” في قرى زور مغار وخربطة عطو المُطلة على مدينة جرابلس من الطرف الشرقي لنهر الفرات.
وفي اليوم التالي استهدفت القوات التركية موقعاً تتخذه “الوحدات” في مدينة تل أبيض شمال الرقة، ثم قصفت المدفعية التركية نقاطاً للوحدات في قرية سليم علي كور غربي مدينة عين العرب ـ كوباني بريف حلب الشمالي الشرقي.
وفي 5 تشرين ثاني/نوفمبر الجاري عاودت المدفعية التركية قصف مواقع للوحدات في قرية سوسك غرب تل أبيض بريف الرقة الشمالي.
وعلى الرغم من تسيير الولايات المتحدة دوريات عسكرية على الحدود الشمالية لسورية، قصف الجيش التركي في 5 تشرين ثاني/نوفمبر مناطق في شرق الفرات،
لا تبدو عمليات القصف التركي مجرد ردة فعل على اقتراب مجموعة من “الوحدات” من قرية اشمه التي يتموضع فيها قبر سليمان شاه، واستهدافها لآلية عسكرية تركية داخل الأراضي التركية بصاروخ مضاد للدروع من طراز “تاو”.
لو كان الأمر كذلك لاقتصر الرد التركي على ذات المكان، لكن الجيش وسع عمليات القصف واستهدف نقاطاً ذات أهداف تركية واضحة منذ سنوات.
وليس صدفة أن يبدأ القصف التركي غداة القمة الرباعية التي عقدت في إسطنبول.
بالنسبة لتركيا، منح اتفاق إدلب غير المكتمل والقمة الرباعية مساحة زمنية لها لترتيب البيت الداخلي في المحافظة، ومساحة أخرى لتوسيع نفوذها، أو على الأقل الضغط من أجل إعادة رسم خرائط الجغرافية العسكرية في عموم الشمال السوري.
* ثلاثة سيناريوهات
ليس معروفاً إلى الآن كيف ستتطور الأمور، لكن ثمة ثلاثة سيناريوهات مطروحة:
ـ أن يكون القصف مجرد ضغوط عسكرية تركية على الولايات المتحدة للإسراع في استكمال اتفاق منبج الذي لم يطبق منه سوى البند الأول، على أن يترك مصير شرق الفرات إلى مرحلة لاحقة.
ويتقاطع هذا السيناريو مع المواقف الأخيرة لتركيا التي عبر عنها نائب الرئيس فؤاد أقطاي حين قال إن هدف بلاده هو عدم السماح لأي خطر إرهابي بأن يهددها على امتداد الحدود مع سورية، من دون أن يشير إلى عمليات عسكرية برية.
ـ أن تُقدم تركيا على شن عملية عسكرية برية في تل أبيض شمالي الرقة، على اعتبار أن هذه المدينة تشكل الخاصرة الرخوة للوحدات الكردية بسبب كونها منطقة عربية بامتياز وينحصر الوجود الكردي بأعداد قليلة، ولا تشكل هذه المنطقة جزءاً من التكوين الجغرافي القومي المتخيل للأكراد.
كما أن منطقة تل أبيض ليست ذات قيمة عسكرية أو استراتيجية للأكراد والولايات المتحدة، فهي منطقة في أقصى الشمال والسيطرة عليها لا يغير من موازين الصراع داخل سوريا، ولا يمنح أنقرة أية امتيازات استراتيجية داخل الساحة السورية، أهميتها تكمن لدى الجانب التركي في أن السيطرة عليها يبعد الوحدات عن حدودها.
وهذا سيناريو لا يبدو مستبعداً، وقد يكون حلاً وسطاً ترتضيه واشنطن لنزع فتيل الانفجار بين تركيا التي تشعر بفائض قوة قد يدفعها إلى رفع وتيرة القصف بما يفجر الوضع في الشمال، وبين الوحدات الكردية التي تستشعر حالة من الضعف نتيجة كثرة الأعداء المحيطين، وتجد نفسها مضطرة إلى قرع أبواب النظام السوري بما يخالف التوجه الأمريكي.
إن الحل الوحيد لتحييد تركيا عن المواجهة العسكرية هو منحها أراض في الشمال السوري على غرار درع الفرات غرب النهر.
* تهديدات جدية
والحقيقة أن “قوات سورية الديمقراطية” تأخذ التهديدات التركية على محمل الجد، فجلبت تعزيزات عسكرية كبيرة من مدينتي رأس العين والقامشلي في الحسكة للتمركز قرب تل أبيض.
وما يعطي هذا السيناريو أهميته، وإن لم يتحقق خلال الفترة الحالية، هي المواقف الأمريكية الفضفاضة، فمن جهة تؤكد واشنطن على أهمية الحلف مع الأكراد، وفي وقت آخر تؤكد على أهمية أخذ المصالح القومية التركية بعين الاعتبار، ووصل الأمر إلى حد أعلن فيه الناطق باسم البنتاغون شون روبرتسون إن بلاده على علم بالخطط التركية لإطلاق عملية شمال شرقي سورية وإن واشنطن تعمل على تهدئة الأمور.
ـ قيام عملية عسكرية واسعة على شكل مثلث جغرافي، أطرافه قرية زورمغار في الغرب قرب مدينة جرابلس، وتل أبيض في الشرق، وعين العرب ـ كوباني في الشمال، لكن هذا السيناريو يبدو بعيد المنال في ظل الواقع القائم.
*كاتب وإعلامي سوري
رأي “عربي21”