د. أحمد موفق زيدان
ما يجري من حراك ثوري وعسكري ونخبوي في حوران اليوم، يؤكد أنه لا ثورة في الأرض يمكن أن تنهزم عسكرياً، وأنه لا ثورة في الأرض لها مطالب اجتماعية وسياسية واقتصادية متجذرة العمق والدلالة يمكن أن تنهزم بقوة الاحتلال العسكري الداخلي أو الخارجي، وما يجري اليوم في حوران يؤكد أن العملاء والخونة -مهما انتفشوا وتطاولوا ونالوا من دعم داخلي وخارجي- إنما هم فقاعة مآلها النسيان والتبخر، وأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض، وكفى بعشرات الآلاف من الشهداء الذين رووا أرض حوران من أجل الحرية والكرامة والعزة، دليلاً على انتصار ثورة كهذه بإذن الله.
الكتابات التي زيّنت جدران حوران من جديد، والقائلة إن الثورة مستمرة، وإن الحرية قادمة، بالإضافة إلى الإشادة بالثورة والثوار بشكل عام، تؤكد أن روح حمزة الخطيب لا تزال ترفرف فوق حوران، وأن الدماء والدموع التي سالت على جنبات حوران لا يمكن لها أن تجفّ، أو تُباع في سوق النخاسة التي أرادها لها بعض المتاجرين بدماء الثورة إرضاء للمحتل الأجنبي، فالثورات قد تخبو كالحصان الذي يكبو، ولكنها لا تموت، فهي فكرة متجذرة في نفوس من أطلقها، وضحّى ولا يزال يضحي من أجلها، فكيف إن سقاها بدمائه ودموعه وعرقه، فكانت نتيجتها دماراً وخراباً وتشريداً وقتلاً في كل بيت شامي، مما يشكّل وقود حقد لا يخبو على مدى قرون، فضلاً عن سنوات.
أتت المعاملة الفظّة والوحشية المعروفة عند العصابات الطائفية لكل من استسلم لها وصالحها، لتنعش ذاكرة من وثق بها لفترة ووثق معها بالمحتل الروسي الذي ضمن لها هذه المصالحات، فبدأت المقاومة الجنوبية الحورانية سريعاً، رداً على هذه المعاملات، ورداً على غيرها، لتعلن المقاومة عن ذاتها من خلال عمليات نوعية، تطورت إلى استخدام قاذفات الـ «آر. بي. جي» على حواجز العصابات الطائفية، وهو ما جعل العصابات الطائفية تتحسس رأسها وذاتها، كون المتصالحين أصبحوا بين ظهرانيها، وبالتالي عليها أن تشكّ بكل من صالح وبكل من سالم وانضم إلى صفوفها، وهو ما ظهر لاحقاً بهروب بعض المتصالحين من حواجز العصابات الطائفية في ريف اللاذقية، وقتلهم لعدد من قوات العصابات قبل أن يلتحقوا بقوات الثوار في جبل الأكراد.
لم تقتصر هذه المقاومة على الحوادث الفردية المنعزلة كما أرادها البعض، وإنما امتدت إلى القيادات الثورية التي صالحت ووثقت بالعصابات الطائفية بضمانات روسية، فلجأ أحد قادة المتصالحين في الغوطة إلى الهرب بدعم من قيادات حزب الله الفاسدة مقابل الأموال، فتم تهريب القائد إلى لبنان، ليحذّر من خلفه ومن وراءه من مخاطر الوثوق بالمصالحات والمساومات، فلا يزال أهل الغوطة يذكرون المعاملات الوحشية لكل منطقة تمردت على العصابة المجرمة، ولا يزالون يذكرون حرمان كثير من المناطق من أبسط وسائل الحياة من مياه وكهرباء، ولا يزال البعض يذكر أهالي أبوالضهور في إدلب، يوم قبلوا أن يرجعوا إلى مناطق العصابة، فتم أخذ مبلغ من المال على كل رأس غنم يدخل مع الأهالي، فضلاً عن الضريبة التي دفعها أهالي المنطقة ذاتها.
لن تموت ثورة الشام، ولن تموت أية ثورة من أمثالها ما دامت الثورة فكرة، وما دام وقودها جديداً متجدداً دماء أهلها وعذاباتهم ودموعهم، ومعها وقود آخر يمدها به أعداء الثورة من إجرامهم وغبائهم وحقدهم، وهو ما يراكم الوقود ويجعل عجلة الثورة أسرع وأقوى وأبعد مدى، ولعل التوترات الدولية والإقليمية والداخلية للدول المحتلة المساعدة للعصابة الطائفية تشكّل أملاً جديداً للثورة والثوار، فليس هناك من محتل دام واستقر، فلا بد له أن ينشغل بنفسه في لحظة ما، وبالتالي ينشغل عن مساعدة عملائه ووكلائه، وتلك سنّة الله في كونه، وما على الطرف الآخر -الذي هو الثورة والثوار- إلا التسلح بقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حين قال: «إن هذه الحرب لا يصلح لها إلا الرجل المكيث»، وهو المجاهد المرابط الذي ينتظر لحظة تاريخية يضعف فيها عدوه وخصمه، وينشغل فيها بنفسه أو بغيره عن الثورة، فيهتبلها الثائر من فرصة سانحة لتحقيق اختراق لصالح ثورته وأمته.