الإخوان المسلمون في سورية

بين الثامن من آذار 1963 والثامن من آذار 2025.. أي فرق!؟

كان عمري في الثامن من آذار 1963 ستة عشر عاما، كنت سأبلغها في 9/22 من ذلك العام..
واليوم عمري ثمانية وسبعون عاما، سأتمها إذا قدّر الله تعالى لي في 9/22/ 2025..
في الثامن من آذار 1963..
تحلقنا حول جهاز الراديو الخشبي القديم، وبتنا نسمع البلاغات..
سَرَت في البلد على الفور أسماء الضباط الذين يقفون وراء الانقلاب..
وذكر فيهم:
اللجنة العسكرية -وأنا هنا أكتب تاريخاً ولا أوزع مسؤوليات-..
وكانت اللجنة العسكرية تتألف من:
صلاح جديد
ومحمد عمران
وحافظ الأسد
وعبد الكريم الجندي
وأحمد المير
وسليم حاطوم
وأحمد سويداني
وزياد الحريري
وراشد قطيني
أتذكر أننا استقبلنا الأمر باستخفاف…
غداً يكون انقلاب على هذا الانقلاب…
ربما كان هذا ظنّ رئيس الجمهورية ناظم بيك القدسي، أو رئيس الوزراء معروف الدواليبي، أو القاضي الشرعي الأول في دمشق علي الطنطاوي..
فتركوا العبء خلفهم وولّوا، رغم أن الشرعية الدستورية كانت بأيديهم، وقطع أخرى من الجيش كانت تحت إمرتهم…!!
كانت والدتي رحمها الله تعالى تسمعنا، ونحن نهرع كل صباح إلى جهاز الراديو، ننتظر البيان رقم واحد..
ربما كانت يومها في الخمسين من عمرها، وهي أمّية إلا من كتاب الله، وقالت بلغة واثقة: لا تبحتوا كثيراً يا أولاد لن يسقط هؤلاء حتى يسيل الدم للركب.. وأقول لها اليوم: لقد سال للأعناق.. رحمك الله يا أماه..
واليوم حين أرى الفلول يحاولون الدفاع عن ملك أسّسوه منذ ستين عاما.. أتساءل: لماذا لم يدافع ربعنا ممن ذكرت عن شرعية كانوا يملكون زمامها!!
ثم أتساءل: وعلى من خلّف العبءَ مالكو الشرعية أولئك؟! على فتية صغار من أبناء جيلي، وعلى مختلف الهويات!!
وعلى أي خلفية ما يزال بعضنا يكيل المديح المسجى المطيب برائحة الكافور، الذي تعوّد شعبنا يطيب به الأموات!!
أتذكر مانديلا من جنوب أفريقية، ظلّ رمزاً لنضال شعبه، ولم ينغمس في حياة فردية، كما يفعل كل طالبي الإمراع…
حقائق أعرضها لا لأنغمس في التاريخ، ولا لأثير الضغائن!!
ولكن لأذكر الناس أن اختيار الفلول لتوقيت الارتداد كان بهدف تكريس الثامن من آذار كيوم أشأم في حياة أهل الشام…
ولأذكّرنا وأعيدوا الضمير “نا” في قولي لأذكرنا على كل من يقبله من السوريين..
في حوالي الخامسة والثمانين كنت في مؤتمر مفتوح للتذكير بانتهاكات حافظ الأسد ضد السوريين والفلسطينيين، وحضره شقيق عبد الكريم الجندي، وكان قبلاً أمين سر اتحاد العمال أو شيء من هذا؟ وانهار الرجل في نوبة بكاء حادة وهو يروي كيف عومل هو وعومل أخوه من قبل..!! كل السوريين كانوا في الأتون!!
لماذا لا نتذكر الطريقة الإنسانية التي أعدم بها سليم حاطوم!! والتهمة التي وجّهت إليه، وقد عاد إلى سورية بعد هزيمة السابعة والستين مباشرة، وهو يرفع راية مشروع إنقاذ ما يمكن إنقاده..؟؟
كيف عومل هو قبيل تنفيذ حكم الإعدام!! وكيف عوملت أسرته من بعده أيضا…
وأعود إلينا، إلى” النا” التي أريد أن أعيدها إلى كل من يقبل أن يكون تحت مظلتها، لأقول:
إن هذه “النا” يجب أن تكون في أوسع دائرة…صحيح هناك فصيل علّق الجرس، ولكن الميدان ما يزال مفتوحا.. وقابلاً بل مستحقاً ومحتاجا، وإنما دلّى الشيطان أبوينا من الجنة بحبل الغرور.. أراه وأسمعه، وأعيذنا بالله منه.
والعيون الحمر التي تطلق الشرر ما تزال ترمقنا..
وأقول والله ولا أبالي، وقد كانت خطيئة ورزية، أن تسحب السلاح من يد الصديق، قبل أن تتأكد أنك سحبته من يد العدو..
أضمم إليك أخاك، وبادر عدوك قبل أن يبادرك، وسّع قاعدة ارتكازك، بناء الدولة ليست دعوة إلى مائدة عدد مقاعدها أربعون.
حين ينفر كل السوريين لحماية الثورة، يجب أن يجدوا لأنفسهم في معركة وجودهم دورا..
السياسي البارع يوفر قواه الذاتية، لكي يشرك الناس في مشروع الدفاع عن وجودهم..
أي كبوة أو أي فرة، لا سمح الله، يجب أن تثير في قلوبنا الرعب..
هؤلاء الذين انتقضوا علينا بالأيام الماضية، يتقدمون علينا بعدة نقاط مع شديد أسفي:
أولاً أنهم في سبيل الدفاع عن مصالحهم لا دين يردع، ولا خلق يمنع، وهم مستعدون لاستباحة كل شيء؛ وهذا الأمر معهود منهم، مجرب عليهم..
وثانياً- أن هؤلاء القتلة والمجرمين وأعضاء المافيا من تجار المخدرات، يجدون وراء الحدود دولاً وقوىً كثيرة تمدّهم بأشكال الدعم والقوة والغطاء..
ثالثاً- هم ما تزال مفاصل الدولة المستترة والخفية بأيديهم، وما زالت أطوع لهم من بنانهم..
رابعاً- هم يملكون من الأموال والأرصدة المجمدة والسائلة والموعودة.. ما يغنيهم ويعينهم على المزيد من المغامرات والمحاولات.. وليس لدينا أيّة فرصة للعثرة أو الكبوة..
خامساً…
قياداتهم بكل خبثها ولؤمها ما تزال مندسّة بيننا، وفي صفنا الكثير من أصحاب النيات الحسنة الذين يصرخون اذهبوا وأنتم الطلقاء، وما أجملها كلمة، تطلق في سياقها…
بعد اثنين وستين عاما عشت لأحتفل اليوم بالثامن من آذار الذي كتبت عنه يوماً أنه اليوم الأغبر في تاريخ سورية… وحياة السوريين.. كثير من الذين انتظروا هذا اليوم من صحبي لم يدركوا هذه الفرحة…
أعلم أن حافظ الأسد ومن بعده ابنه حققوا على السوريين دون غيرهم، انتصارات عديدة، وأظنهم لم يتعلموا من الفتى الصقلي صاحب كتاب اللؤم السياسي، أخلاق المنتصرين..
المعركة ما تزال مفتوحة، وما تزال تحتاج، وأول واجبات القائد أن يشرك معه، كل من يمد له يدا، ولو ظن أنه لا يحتاج في يومه إليه…
مبارك على سورية الثامن من آذار الناصع، وإن أبى الظالمون إلا تطريز حوافيه بالدم…
رحم الله كل شهداء سورية، الذين خاضوا معركة التحرير الكبير…
أتذكرون ضباط الثامن عشر من تموز 1963…
بعد خمسة أشهر فقط من اليوم الأغبر
وما زال شلال دمانا يسيل.
إن على حامل اللواء حقاً
أن يخضب الصعدة أو تندقا…
وأخذ جعفر رضي الله عن جعفر الراية بيمينه فقطعت، فتلقفها بشماله فقطعت، فاحتضنها بعضديه، فسمي ذو الجناحين الطيار…

زهير سالم

مدير مركز الشرق العربي، قيادي سابق في جماعة الإخوان المسلمين في سورية