لقد حفلت تلك الثورة بمشاهد رائعة فريدة، ولعل من أعظمها تلك الكوكبة من أطهر شباب الإسلام وأشجعهم، وعلى رأسهم ذلك الشيخ الشاب “موفق سيرجية” ومعه سبعة من الأبطال الميامين في “قاعدة الصاخور” بحلب، في اليوم الثاني من ربيع الآخر عام 1400هـ، السابع عشر من شباط 1980م.
شعر الإخوة الثمانية بأرتال قوات الكفر والطغيان تطوّق القاعدة، وخلال لحظات كانوا على أهبة الاستعداد، يتقدّمهم الشيخ موفّق، الذي عرفته حلب خطيباً مسقعاً على منبر مسجد عباد الرحمن، تقدم موفق صوب الباب الخارجي وتبعه أصغر الثمانية سناً: “هيثم حزّيني” واندفع بقية الثمانية يُعطون الشاب موفق بيعة التضحية والفداء والشهادة.
كان حول القاعدة مئات مدجّجة بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة والطائرات العمودية، وانطلقت قذيفة “آر.بي.جي” من العدو فدمّرت باب القاعدة، فاندفع موفق وخرج من الباب المدمر ونادى أصحابه أن انتبهوا، وليتقدّم “أيمن الخطيب” وليتمركز خلف الباب المدمر.
وانطلقت النيران من كل اتجاه، وخلال الدقائق الخمس الأولى سقط من جنود البغي نحو 35 جثة، وكبّر موفق تكبيرة هائلة فانهمرت نيران إخوانه الأبطال على قوات العدو، وكان يقابل كلَّ طلقة من طلقات الأبطال مئاتُ الطلقات والقذائف لقوات الظلم، وثبت الأبطال بانتظار أن ينالوا الشهادة بعد أن يُثخنوا بالعدو، وارتفعت أرواح الشهيدين موفق وأيمن نحو جنة الخلد، واندفع الستة الباقون يقاتلون بحماسة وشجاعة وشوق إلى لقاء الله، فهاهو ذا الشاب “محمد لؤي بيلوني” يُصْلِي الفَجَرة ناراً حامية حتى أصابته نيران العدو فلحق بصاحبيه موفق وأيمن، فتقدّم مكانه المجاهد “سامح آلا” كالصقر الجارح ليسدّ مسدّ مَن سبقه حتى نال الشهادة، وتبعه البطل الشجاع “فخر الدين زنجير” الذي تمكّن من توجيه ثلاث قذائف “آر.بي.جي” على ثلاث دبابات…
واستمرت المعركة حتى إذا انتصف النهار لم يبقَ من الكوكبة المجاهدة سوى ثلاثة أشبال: “باسل كسحة” و”محمد أيمن علوان” و”هيثم حزّيني”، فقاتلوا ببسالة نادرة، وأسقطوا العشرات من جند العدو قبل أن ترتقي أرواحهم إلى السماء. وكان عرساً للشهداء الثمانية، وعمّ الحزن حي الصاخور، بل عمّ حلب كلّها.
لقد عرف الشعب مَن هم الذين يحملون قضيته ويدافعون عنها ويبذلون في سبيلها دماءهم وأرواحهم، وتذكّر الشعب قوله تعالى: ((إنّهم فتية آمنوا بربّهم وزدناهم هدى))، وقوله سبحانه: ((مِن المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم مَن قضى نَحْبه ومنهم مَن ينتظر، وما بدّلوا تبديلاً)).
[باختصار وتصرّف من مجلة النذير. العدد 78 = 1/3/1985م – محمد عادل فارس]



