لكي نضمن الانتصار والنجاح في الامتحان الإلهي الذي نجتازه جميعاً، علينا أن نبدأ رحلة العودة إلى الله.
وقد تسأل: هل ابتعدنا عن الله حتى نتحدث عن رحلة العودة إليه؟ ألسنا نؤمن بالله ونعبده ونتبع منهجه؟ بلى. ولكن هناك فرقاً كبيراً بين أن يؤمن أحدنا بربه إيماناً سطحياً، لا يحرك منه إلا بعض العواطف، وبعضَ السلوك… وبين أن تصطبغ حياته كلها بصبغة الله، فلا يتكلم ولا يخطط ولا يتحرك ولا يجاهد ولا يدعو ولا يدخل ميدان السياسة أو الاقتصاد، ولا يصادق أو يعادي… إلا من منطلقات ربانية، مهتدياً بقول الله سبحانه: ((قل: إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أُمرتُ وأنا أول المسلمين)). {سورة الأنعام: 162، 163}.
وإنه ليغفُل مرات، ويزِلّ مرات… لكنه سرعان ما ينتبه ويعود، فإذا هو يتجه إلى الله تعالى بكليته: ((إن الذين اتّقَوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون)). {سورة الأعراف: 201}.
نعم، إنه لفرق كبير بين مؤمن لا يحتلّ حب الإسلام في قلبه إلا الفضول من الوقت والجهد والمال… ومن يهجر عالم الاهتمام بالذات، ويترفّع عن الإغراق في خصوصياته، يوجّه وجهه لعبادة الله سبحانه، والحب فيه، ونصرة أوليائه، والدعوة إلى سبيله… فإذا لم يُقدّر الله له أن يكون من المرابطين العاملين في الصفوف الأولى من جبهات العمل للإسلام ضد الباطل، فلا ينسى أن يتواصل مع إخوانه العاملين للإسلام فيسُدّ حاجاتهم من الإمكانات المالية والدعم المعنوي… ولو فصلت بينه وبينهم آلاف الأميال.
إن في المسلمين العالِم، والعامل، والتاجر، والطالب، والموظف، والرجل والمرأة، والغني والفقير، ومَن يقيم في وطنه ومن هو مهاجر في بلاد الله الواسعة… وهؤلاء جميعاً مخاطَبون بأن يكونوا عابدين لله عز وجل: يَدْعون إلى سبيله، وينافحون عن شريعته، ويتناصرون مع أوليائه، ويبذلون ما يستطيعون من جهد ومال ودم لإعزاز دينه… فهذه التكليفات ليست من خصوصيات طائفة خاصة من الأمة، بل هي شاملة للمسلمين جميعاً، كلٌّ من موقعه وحسب طاقته: ((وجاهدوا في الله حق جهاده، هو اجتباكم، وما جعل عليكم في الدين من حرج. ملّةَ أبيكم إبراهيم. هو سمّاكم المسلمين من قبلُ. وفي هذا ليكونَ الرسولُ شهيداً عليكم، وتكونوا شهداء على الناس)). {سورة الحج: 78}.