منذ أن أستأثر حزب البعث بالسلطة في الثامن من آذار/1963، بدأت القوى السياسية تتوارى عن الساحة. ولم يبق إلا بعض الرموز من المعارضين الشرفاء، الذين يأبى علينا إسلامنا ووفاؤنا أن نغمطهم حقهم ودورهم؛ لتبقى الجماعة شبه وحيدة في ساحة المعارضة، خلال نصف قرن. وحتى نكون أكثر إنصافا، فنحن عندما نستخدم كلمة (الجماعة) في هذا السياق لا نقصد (تنظيم جماعة الإخوان المسلمين) بأفراده المحدودين.. وإنما نقصد الحامل العقديّ والفكريّ والسياسيّ والاجتماعيّ، من أهل العلم والفضل، والشخصيات الوطنية المستقلة، الذين حملوا معاً متعاونين متضامنين، عبء التصدّي لمشروع الاستبداد.
وفي الستينيات، عندما كان شعار البعث المدوّي: (آمنت بالبعث ربا لا شريك له.. وبالعروبة دينا ما له ثاني).. كانت الجماعة تأخذ زمام المبادرة، ويهبّ معها كلّ أبناء سورية، في المدن والبلدات.. للدفاع عن الدين والعقيدة والقيم. وكانت الجماعة تدفع ثمن ذلك من أمنها ومن حياة أبنائها وحرية قياداتها.. وفي السبعينيات، عندما خلا الجوّ لحافظ الأسد، وتفرّغ لتنفيذ مخططاته المريبة على كل الصعد السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.. كانت جماعة الإخوان المسلمين، ومعها الكثرة الكاثرة من أبناء سورية، تتصدّى لمخطّط حافظ الأسد وسياساته الاستبدادية. وكان الصراع يومها حاميَ الوطيس، وصنف الإسلاميون عموما، وأبناء جماعة الإخوان المسلمين خصوصا، تحت عنوان الثورة المضادّة حسب المفهوم الستاليني، ومضت المعركة إلى غايتها حتى حدث الصدام الكبير..