إسماعيل ياشا
نجحت تركيا حتى الآن في تجنيب إدلب من هجوم قوات النظام السوري وحلفائه بذريعة وجود عناصر إرهابية فيها، مستخدمة كافة الطرق الدبلوماسية والعسكرية الممكنة، في ظل التصريحات والتقارير الإعلامية التي تتحدث عن حشد النظام والمليشيات الشيعية قوات لمحاصرة المحافظة؛ استعدادا للهجوم عليها.
ملف إدلب حالياً من أهم الملفات التي يجب على أنقرة أن تصب عليها جام اهتمامها، نظراً لحساسية الموضوع وعلاقته المباشرة بالأمن القومي التركي، كما أن أي هجوم تشنه قوات النظام السوري والمليشيات الشيعية على إدلب؛ سيؤدي إلى موجة نزوح جديدة نحو الأراضي التركية.
الجيش التركي قام بعمليتي درع الفرات وغصن الزيتون بمشاركة فصائل الجيش السوري الحر؛ لتطهير الحدود التركية من تنظيم داعش الإرهابي ووحدات حماية الشعب الكردي التابعة لحزب العمال الكردستاني. وأعلنت هذه الأخيرة استعدادها لمساندة قوات النظام السوري والمليشيات الشيعية في الهجوم على إدلب، انتقاما من القوات التركية وفصائل الثورة السورية.
وحدات حماية الشعب الكردية تنتظر أن يأتي الدور بعد إدلب؛ على عفرين وجرابلس والباب، لتعود إلى المناطق التي هربت منها، إلا أن ذلك يعني خسارة تركيا جميع المكاسب التي حققتها من خلال عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، والعودة إلى البداية. وليس من المتوقع أن تسمح أنقرة بأن يتحقق هذا السيناريو.
المجتمع الدولي يلعب دور المتفرج، كما فعل منذ بداية اندلاع الثورة في بلاد الشام، بل وينحاز للنظام السوري ويسعى إلى تسهيل هجومه على إدلب. والحل الوحيد الذي وجده المبعوث الدولي إلى سوريا، ستافان دي ميستورا، هو الدعوة إلى فتح ممرات آمنة ليخرج المدنيون من المحافظة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أين سيخرجون؟
مئات الآلاف من المدنيين نزحوا إلى إدلب من المناطق الأخرى، هربا من مجازر قوات النظام وشبيحته، وليس أمامهم الآن للنزوح غير مناطق درع الفرات وغصن الزيتون أو الأراضي التركية. وإن نزحوا إلى جرابلس والباب وعفرين، فمن المؤكد أن النظام السوري سيتوجه إلى تلك المناطق في حال تمكن من بسط سيطرته على إدلب. وهل سيطلب دي ميستورا آنذاك فتح ممرات آمنة لخروجهم إلى تركيا؟
قوات النظام السوري والمليشيات الشيعية، بالإضافة إلى وحدات حماية الشعب الكردية ومجموعة معراج أورال الإرهابية؛ التي تطالب بانفصال محافظة هاتاي من تركيا وانضمامها إلى سوريا، تستعد للهجوم على إدلب. وسيطرة هؤلاء على المحافظة وعودتهم إلى الحدود التركية تشكلان خطرا بالغا للأمن القومي التركي. ويعزز هذا الخطرَ ما قاله وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم، في مقطع فيديو نشرته صفحة موالية للنظام، حول “استرجاع لواء إسكندرون”.
النظام السوري وحلفاؤه يتحدثون منذ فترة عن هجوم وشيك على إدلب، ويمارسون سياسة بث الرعب في نفوس القاطنين في المحافظة، لدفعهم إلى الاستسلام أو النزوح منها. ومما لا شك فيه أن أي موجة نزوح من إدلب من شأنها أن تسهل سيطرة النظام على المنطقة. وبعبارة أخرى، يشن النظام وحلفاؤه حرباً نفسية. ومن الضروري أن يصمد سكان إدلب قدر المستطاع لإفشال المؤامرة.
تركيا يجب أن تدافع عن إدلب بكل ما تملك من قوة، وتدعم صمود سكانها؛ لأن الدفاع عنها اليوم هو الدفاع عن الأمن القومي التركي. ولدى أنقرة أوراق عديدة يمكن استخدامها لمنع هجوم النظام السوري على إدلب، وعلى الحكومة التركية أن تبعث رسالة واضحة إلى حلفاء النظام السوري؛ مفادها أن أي هجوم على إدلب قد يشعل حلب وحماة واللاذقية، وتبلغ الأوروبيين بأن تركيا لا يمكن أن تتحمل وحدها موجة نزوح جديدة، وأنها ستفتح حدودها وسواحلها أمام الراغبين في الهجرة إلى أوروبا في حال قام النظام السوري بأي هجوم على إدلب.
القوات الروسية استأنفت الثلاثاء هجماتها على محافظة إدلب، وقامت طائراتها بغارات جوية على ريف جسر الشغور وسهل الروج. وقال المتحدث باسم الكريملين، ديميتري بيسكوف، إن “جيش النظام السوري يستعد لحل مشكلة الإرهاب في إدلب”، ووصف المحافظة بأنها “وكر لإرهابيين”.
ويمكن تفسير هذا التصعيد كمحاولة من موسكو لتعزيز يدها قبيل القمة الثلاثية التي ستنعقد الجمعة في العاصمة الإيرانية، كما يمكن اعتباره رسالة إلى أنقرة وواشنطن، لمجيئه في اليوم الذي قام فيه الممثل الأمريكي الخاص بشأن سوريا، جيمس جيفري، بزيارة العاصمة التركية، وفي خضم اشتداد التنافس الأمريكي الروسي على المنطقة.
عربي21