ووصلتني وثيقة، محبوكة حول التوافقات الوطنية، زج بها مركز حرمون مشكورا في الفضاء الوطني السوري، إن شئتم وصفتموه بالراكد وإن شئتم بالمضطرب، حتى يفقد ماؤه صفاءه، ويختلط به حديث القرايا بحديث السرايا..
وطلب مني بعض من ألوذ بهم أن أقول، على قلة بضاعة، وضياع في سوق الباعة…
والتوافقات الوطنية مطلب. ومطلب مهم. ولاسيما في اللحظات التاريخية الصعبة التي آل إليها أمر السوريين وثورتهم بعد اثني عشر عاما من التضحيات والدماء.
وأهم ما أتوقعه أو نتوقعه من التوافقات الوطنية في اللحظات التاريخية الصعبة، أنها تحشرنا جميعا في موقف وطني جامع، في مواجهة “الظالم المستبد حبيب الفناء عدو الحياة”.
وأنها توحدنا جميعا في أفق اللحظة، على الهدف المرحلي الجامع أن يكون لنا جميعا وطن للعدل والسواء. وأن يقوم فيه الناس كل الناس بالقسط، سواء وعدل وبر وقسط لا وكس ولا شطط..
إذا دعونا إلى راية تجمع موقفنا الوطني، فمن التفصيل المبعثر أن نناقش لونها وطولها وعرضها والسطر المخطوط عليها. هذه راية للجميع بيضاء ناصعة لا شية فيها.
وهكذا يمكن ان نجتمع، وأي عملية استباقية للاستئثار بموقع على الطاولة الوطنية، ستكون محاولة: مكشوفة، ومبعثرة مفرقة، وبالتالي مصادرة للمطلوب الوطني.
و تجسير الطامات على القنطرة الوطنية، يهدها.
وأفكار مثل مواد دستورية ضامنة أو فوقية، مصادرة للخيار الديمقراطي، الذي يشكل الأساس لأي بناء وطني جامع.
وكما نخاطب جمهور الشباب المسلم: لاتخافوا من الديمقراطية فالديمقراطية في مجتمعاتنا لا تأتي إلا بخير، يجب ان نخاطب الفئات الأخرى، لا تشترطوا على الديمقراطية، فالاشتراط على الديمقراطية يلغيها، ويحيلكم إلى نقيضها. ثقوا بالعقل الجمعي، لشعبكم فقد كان فيه دائما الكثير الطيب الحكيم.
يردون علي: تقرر ذلك من موضع المتكئ على أريكته الوثيرة، ولكن أليس هكذا هي طبيعة الأمور.
وسألني أحدهم يوما، وهو يخال انني حاصل على الجنسية البريطانية!! يا أستاذ زهير كما أنت في بريطانيا!! قلت له أنا في بريطانيا لو رفعت علم بريطانيا، فسأرفع علما عليه صليب!! وأنا في لندن لو رفعت علم انجلترا سأرفع علما عليه صليب أصرح وأوضح، لقوم يعقلون.
الأقلية الوطنية هي تلك الفئة المجتمعية التي ترى حياتها في الماء الذي تسبح فيه، وليس تناقضها الأول معه، لقد أساء لليهود حول العالم اعتبارهم لأنفسهم كانتونا أول تناقضاته وأقرب تناقضاته مع المجتمع الذي يعيشون فيه، لا تكرروا التجارب فلن تنجح.
إن التحدي الأخطر أمام الأقليات الوطنية حتى تكون وطنية، أن تتجاوز تناقضاتها مع محيطها، وأن تجعل تناقضها الأول في مرحلتنا التي نعيش مع “الظالم المستبد” وفيما يلي من مراحل مع مع مشروعات البناء والانماء.
والمحيط العام في مجتمعنا قابل..
ولكن كم كان في مجتمعاتنا مثل فارس الخوري ورشيد سليم الخوري، وبدوي الجبل، وجول جمال، وميشيل كيلو، وحفظ الأسماء له دلالة..
بالمعاني التي تحاولها الوثيقة لا أظننا نلتقي. كتب منيف الرزاز الأمين العام الثاني لحزب البعث، عن تجربته المرة، كدارس أقول لم يكن الخلل كبيرا في مبادئ المبعث، ولكن كان في وصفة وصفها منيف الرزاز رحمه الله تعالى، حين سمى الحزب “حزب الطوائف” لم يكن منيف الرزاز إسلاميا، ولا من مدرسة ما تسمونه “الاسلام السياسي” ولكنه كان إنسانا مبصرا…
من حقكم أن تختاروا اللون الذي تحبون، وأن تلبسوا الثوب الذي تحبون، ولكن ليس من حقكم أن تنزعوا عن الأكثرية “لباسها” !! ففكروا في هذا جيدا.
تنكرون المرجعية الربانية تحت عناوين العلمانية، والليبرالية، كل هذا في عالم السياسة والفكر مفهوم – وقولي مفهوم لا يعني أنه عندي وعند جمهور كبير من السوريين مقبول، أما أن تستبدلوا المرجعية الربانية الاسلامية الشرعية التي تجري في عروق ملايين السوريين، بل الأكثرية الكاثرة منهم، وتشكل وجدانهم، بمواثيق دولية مختلطة وتسودوها على عقول الناس وقلوبهم، فهذا أمر عجيب، دين جديد، وشريعة جديدة، وأنتم الأساتذة والمعلمون والمستشرفون والسباقون، وتعلمون أن كثيرا من مفردات هذه المواثيق ظلت موضع أخذ ورد بين المجتمعات التي أقرتها، على تجاذب، بل وما زالت، ومن ذلك مثلا الحق في قتل النفس، المجمّل بالحق بالإجهاض!! والحقوق المبتذلة التي ما يزال يندد بها الأسوياء..في كل المجتمعات!!