محمد زاهد جول
في خضم التهديدات الكلامية المتبادلة بين أمريكا وإيران في الأشهر الأخيرة، يأتي قصف الحرس الثوري الإيراني مواقع لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) شرقي سوريا بالصواريخ الباليستية، ومن الأراضي الإيرانية مؤشرا عالياً على خطورة الرسائل الإيرانية والأمريكية، وما وصلت إليه الأوضاع في المنطقة كلها، وهو في الوقت نفسه، وربما بدرجة أكبر يحمل رسالة من الحرس الثوري الايراني إلى أمريكا بقدرة الصواريخ الايرانية على استهداف قواعدها وجنودها فيها، حيث توجد لأمريكا اثنتان وعشرون قاعدة عسكرية شمال شرقي سوريا.
ولا يلغي هذه الرسالة الإيرانية لأمريكا، ادعاء إيران أن الضربة الصاروخية الباليستية تأتي رداً على هجوم الأهواز يوم 22 سبتمبر/أيلول الماضي، الذي تبناه تنظيم «داعش»، لأن أمريكا تعلم أن إيران كان يمكن أن تقوم بهذا الانتقام في أماكن أخرى، وأسلحة أخرى أيضاً، وقواتها وميليشياتها موجودة في سوريا أصلاً، فلا تحتاج إلى توجيه الضربة الصاروخية الباليستية من الأراضي الإيرانية، إلا إذا كانت الرسالة الصاروخية الباليستية مقصودة بحد ذاتها.
وما يؤكد أن الرسالة موجهة للقواعد العسكرية الأمريكية، هو الإعلان الإيراني وعبر التلفزيون الإيراني الرسمي عن نوع الصواريخ الإيرانية المستخدمة، وهي الصاروخ: «ذو الفقار» الذي يبلغ مداه 750 كلم، والصاروخ «قيام» ومداه 800 كلم، فالرسالة تشير إلى أن القوات الأمريكية في سوريا والعراق والمنطقة هي في مرمى الصواريخ الباليستية الإيرانية، في ما لو أقدمت أمريكا على توجيه أي ضربة عسكرية لإيران، أو في ما لو كانت أمريكا جادة بمواصلة العمل على إسقاط النظام الإيراني بالطرق السياسية والاقتصادية والشعبية.
وما يؤكد ذلك أيضاً هو الرد الأمريكي السريع على هذه الهجمات الإيرانية الصاروخية على شرق سوريا، فقد وصفت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، استهدف إيران بالصواريخ البالستية، مواقع شرقي نهر الفرات في سوريا بأنه «تهديد للطيران المدني والعسكري»، و»غير مسؤول»، وقد جاء ذلك على لسان المتحدث باسم الوزارة سين روبرتسون، فقد أكد فعلاً: «أن إيران نفذت هجوماً صاروخياً ضد أهداف شرقي سوريا بدون التنسيق مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة»، وقال: «إطلاق صاروخ على مجال جوي بدون التنسيق يشكل تهديداً للمجال الجوي المدني والعسكري»، والفكرة المهمة التي قالها هي: «التحالف لديه القدرة على هزيمة فلول داعش في وادي الفرات الأوسط، وأي تصرف لإيران في هذا المكان غير مسؤول وغير آمن ويصعّد التوتر».
ركز المتحدث باسم البنتاغون الأمريكي على أن إيران نفذت الهجوم الصاروخي بدون التنسيق مع أحد، مشيراً إلى أن أمريكا تنسق مع روسيا وليس مع إيران، وأن روسيا لم تبلغ أمريكا بهذه الضربة الصاروخية، وهنا لا بد من التذكير بأن البيانات الأولية التي صدرت عن المسؤولين الإيرانيين بعد هجوم خوزستان في الأهواز توجهت إلى اتهام أمريكا و”إسرائيل” والسعودية والامارات العربية المتحدة، ولكن السعودية والإمارات نفتا ذلك، وكذلك الحكومة “الاسرائيلية”، واتهم نتنياهو الحكومة الايرانية بأنها تصرف الأنظار عن حقيقة الأوضاع الداخلية في ايران، لأن الجهة الحقيقية المتهمة بتنفيذه هي منظمة إيرانية معارضة تدافع عن حقوق الشعب الأحوازي ذي الأصول العربية، وتوعد المسؤولين الايرانيين بالرد السريع والقوي توجه نحو «داعش»، وفي ذلك صرف لأنظار الشعب الإيراني إلى جهات خارجية أولاً، وفي ذلك إنكار منها أن تكون المعارضة الإيرانية هي المسؤولة عن الهجوم، أو عدم قدرتها على توجيه ضربات قاسية لها، وبالأخص أنها ضربة موجهة لاحتفال عسكري بالذكرى 38 لقيام الجمهورية الإيرانية، فالرد الإيراني الخارجي إشارة إلى أن التهديد والمعلومات المتوفرة للمهاجمين جاءت من الخارج، ومنها أن الرئيس الايراني حسن روحاني كان ينبغي أن يكون مشاركاً في ذلك الاحتفال، أي أن الحكومة الإيرانية تعتقد أن أجهزة استخبارات دولية، وفرت معلومات استخباراتية للمهاجمين، وبالتالي كانت مشاركة بالتخطيط وتحمل المسؤولية عن الهجوم ونتائجه.
واختيار إيران أن يكون الرد في سوريا وفي شرقها تحديداً في منطقة البوكمال، يشير إلى ترجيح إيران أن «داعش» هي من الجهات المخططة والمنفذة، ولكنها ليست وحدها، وادعاء إيران أنها ضربت بصواريخها الباليستية غرفة العمليات، أو القاعدة التي انطلق منها التخطيط للهجوم، يحمل في طياته أن هجوم الأهواز هو عمل دولي وليس محلياً فقط من وجهة نظر إيرانية، ولذلك جاء الرد الإيراني دولياً أيضاً، وإن كانت الضربة لتنظيم «داعش» تحديداً، ومع ذلك فإن الرد الأمريكي لا يتجاهل مخاطر هذه الضربة على قواته أيضاً، ويؤكد أن البنتاغون فهم الرسالة الإيرانية وهو يرد عليها بتحذير إيران بخطورة الضربة الصاروخية الباليستية على الأجواء الدولية، فهي تهديد لقوات التحالف العاملة في المنطقة بقيادة أمريكا قبل غيرها، وهذه القوات الدولية بقيادة أمريكا هي التي تحارب «داعش»، ولديها القدرة على مواجهته، أي أن الضربة الصاروخية الإيرانية لم تأت في سياق الحرب على «داعش»، وإنما جاءت رسالة تهديد لأمريكا وقواتها شمال شرق سوريا تحديداً.
هذه التهديدات الإيرانية والأمريكية المتبادلة ليست بعيدة عن الأفكار الأمريكية لمواجهة إيران، من خلال التخلي الأمريكي عن الاتفاق النووي مع إيران أولاً، والعقوبات الاقتصادية الخانقة لها ثانياً، التي بلغت أعلى درجاتها هذه الأيام، إضافة إلى دفع الشعب الإيراني إلى الاحتجاجات الداخلية ثالثاً، وأخيراً دعوة أمريكا إلى تشكيل تحالف عسكري عربي باسم «الناتو العربي» ضد العدوان الإيراني في المنطقة. وخطأ الخطوة الإيرانية بتوجيه صواريخ باليستية عابرة للدول، وإن كانت تحمل رسالة تهديد لأمريكا ولكنها تشير إلى أن إيران قد تدخل المصيدة الأمريكية دون إرادة منها، أي من خلال ردود الأفعال المتهورة، وهذا ما أراد جواب البنتاغون أن يشير إليه، فهو غير معني بالصراع بين إيران و»داعش» بقدر ما هو معني بدفع إيران لمهاجمة أهداف أخرى قد تؤدي إلى إشعال المنطقة. إيران أمام خيارات صعبة في الأشهر المقبلة، واستعمالها للرسائل العسكرية لن يردع أمريكا عن خططها لإخضاع القيادة الإيرانية، بل إن استخدام إيران للرسائل العسكرية، جزء من المخطط الأمريكي الذي يدفع إيران للتخبط داخل إيران وخارجها، وضربة إيران الصاروخية الباليستية على شرق سوريا، دليل على اندفاع إيران نحو المواجهة التي تشعل المنطقة، وهذا ما تريده الإدارة الأمريكية، ولعل إعلان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو عن إنهاء بلاده العمل بمعاهدة «الصداقة والعلاقات الاقتصادية والقانون القنصلي»، الموقعة مع إيران عام 1955، دليل على أن أمريكا حسمت أمرها مع القيادة الإيرانية الحالية.
كاتب تركي
القدس العربي