حسين عبد العزيز
تشهد العلاقة الروسية ـ الإسرائيلية حيال سورية نوعا من الغموض والتعقيد في ظل تصريحات فضفاضة وغير مفهومة من الجانبين.
* قواعد الإشتباك الروسي ـ الإسرائيلي
لا شك أن روسيا حققت نجاحا كبيرا في تغيير قواعد الإشتباك ومنع إسرائيل من توجيه ضربات عسكرية داخل سورية منذ إسقاط طائرة “إيل 20” في 18 أيلول / سبتمبر الماضي.
لكن الصورة تبدو أعقد من ذلك، ففي 6 تشرين الثاني / نوفمبر الجاري كشفت الإذاعة العبرية العامة أن بوتين ألغى لقاء مع نتنياهو بباريس يوم 11 تشرين ثاني / نوفمبر على خلفية مواصلة إسرائيل قصفها في سورية.
تصريح رد عليه الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف في 7 تشرين الثاني / نوفمبر الجاري بأنه لم تكن هناك خطة أصلا لإجراء اللقاء بين بوتين ونتنياهو.
قبلها بيوم قال وزير الخارجية سيرغي لافروف: “إن قواعد الإشتباك التي فرضتها روسيا في الأجواء السورية ضد إسرائيل معتدلة لكنها حاسمة، ولم يوضح الوزير الروسي معنى معتدلة، ولكنها حاسمة”.
في ذات اليوم نفت إسرائيل ـ على لسان عضو لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست كسينيا سفيتلوفا ـ تنفيذ أي طلعات جوية في سورية منذ تسليم موسكو للنظام السوري صواريخ “إس 300”.
وقبل هذا التصريح، أعلنت وسائل إعلام عبرية نقلا عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى في 31 تشرين أول / أكتوبر الماضي، أن إسرائيل نفذت غارة ضدّ قافلة سلاح إيرانية متجهة إلى لبنان، وكشفت صحيفة معاريف في 1 تشرين ثاني / نوفمبر أن الغارة تمت قبيل استلام دمشق منظومة صواريخ “أس 300”.
مما لا شك فيه أن تأخر إسرائيل في الكشف عن الغارة لنحو شهر كامل، يكشف حالة الإرتباك من القواعد الجديدة التي فرضتها روسيا، لكنه يحمل دلالات أخرى بأن الباب ليس مغلقا تماما، وأن إسرائيل بمقدورها التحرك وشن ضربات عسكرية لكن وفق قواعد وتفاهمات جديدة، ولعل كلمة لافروف بـ “معتدلة ولكنها حاسمة” توضح ذلك.
في 19 تشرين الثاني / نوفمبر نقلت الإذاعة الإسرائيلية عن أعضاء كنيست أن نتنياهو أبلغ أعضاء في لجنة الخارجية والأمن بأن إسرائيل تواصل عملياتها في سورية دون أية قيود، وأن إسرائيل نفذت عمليات عسكرية في الفترة التي تلت إسقاط الطائرة الروسية، في شهر أيلول / سبتمبر الماضي، وأن الطائرات الإستخباراتية تقوم بجمع المعلومات.
* تناقض فاضح
يحمل هذا التصريح تناقضا فاضحا، فمن جهة يتحدث نتنياهو عن تواصل العمليات العسكرية دون قيد أو شرط، وهي الحالة التي كانت سائدة قبيل إسقاط الطائرة الروسية، ومن جهة ثانية يتحدث عن عملية عسكرية واحدة فقط أما باقي العمليات فهي استخباراتية.
إما أن نتنياهو يرسل برسائل للداخل الإسرائيلي في مرحلة حساسة تمر بها حكومته بعد أحداث غزة الأخيرة وما أعقبها من استقالة افيغدور ليبرمان، أو أن إسرائيل تقوم فعلا بمواصلة عملياتها العسكرية في سورية ولكن بشكل سري وبالتفاهم مع الروس، وهو ما يتقاطع مع ما صرح به لافروف في 5 تشرين ثاني / نوفمبر حين قال إن “بوتين ونتنياهو توصلا منذ فترة إلى فهم مشترك لضرورة التنسيق في مصلحة تجنب الاشتباكات الجوية بين مجموعة القوات الجوية الفضائية الروسية العاملة في سورية من جهة والقوات الجوية الإسرائيلية من جهة أخرى، والحديث هناك يدور عن الفهم وليس عن أي اتفاق خطي على غرار المذكرة الروسية الأمريكية المبرمة في تشرين الأول / أكتوبر 2015 والخاصة بتفادي وقوع الحوادث وضمان أمن تحليق الطيران في إطار العمليات بسورية”.
ولا يتنافى هذا التصريح ما نشره موقع القوميين الروس المتشددين “أس بي” الذي كشف أن روسيا طلبت من الجيش الإسرائيلي بعد حادثة الطائرة إقامة قنوات اتصال إضافية من أجل تحسين الإتصالات في المستقبل.
* الحضور الإيراني
حالة الستاتيكو العسكري التي تواجهها إسرائيل لا يجب النظر إليها من زاوية الحسم الروسي لما يوحي ذلك بقراءة خاطئة لمجريات الأمور، فالهدوء الإسرائيلي نجم أيضا عن أسباب أخرى متعلقة باستجابة الكرملين للمطالب الإسرائيلية فيما يخص الحضور الإيراني داخل سورية.
وقد استطاعت موسكو الضغط على طهران لإعادة ترتيب وجودها العسكري في عموم الجغرافية السورية، ففي الجنوب قلصت إيران عديدها البشري وعتادها، وفي وسط سورية سحبت قواتها وأسلحتها من مطار “طياس” المعروف باسم “تي 4”.
وبناء على ذلك، فإن قواعد الإشتباك الجديدة ليست محصورة بإسرائيل فقط، بل أيضا بإيران، وكلما التزمت إيران بالمعايير الروسية نجحت الأخيرة في ضبط التحرك الإسرائيلي.
وعلى الرغم من أن صناع القرار في موسكو تمكنوا خلال السنوات الماضية في إدارة الأزمة الإسرائيلية ـ الإيرانية، إلا أن المشهد السوري مليء بالمفاجآت والمتغيرات، وإذا ما حدث أمر طارئ، فإن مرحلة جدية من الاختبار ستشهدها العلاقات الروسية ـ الإسرائيلية في سورية.
وبانتظار حدوث متغيرات جديدة، يشير الواقع الحالي إلى المصاعب التي تواجهها إسرائيل حيال التصلب الروسي، الذي عبر عنه مؤخرا لافروف بقوله إن تجدد القصف الإسرائيلي على أهداف سورية، ليس فقط سيعرض الأمن للخطر، بل سيؤدي إلى عدم استقرار المنطقة.
إعلامي وكاتب سوري
عربي21