محمد السيد
اليوم.. وبعد خمسين عاماً من اغتصاب وطننا “سورية” من قبل عصابات عائلة مارقة؛ لا هي بالسورية ولا بالعربية ولا بالمسلمة، إنها “عائله أسد” التي عاثت فساداً وإفساداً بتاريخ سورية وثقافتها العربية الإسلامية؛ فقد زيّفت الشعارات، وهتفت بطائفية مقيتة، ذات أنياب سمّمت وطننا بالكراهية والطغيان والخيانة وإلغاء السياسة، ومن ثم إعمال معول الهدم لكل إبداع وتفوق، كانت سورية قد قدمتهما لأمة العرب، بجهد المخلصين القوامين بالقسط، الحادبين على صنع وطن وشعب، يحملان التاريخ وثقافة الأمة وإرثها بيد، والعصر ومقتضياته المنتقاة المناسبة للإرث باليد الأخرى، حتى إذا أينع الثمر، وبدأ حين القطاف على بوابات المنهج الوسطي الموسوم به شعب سورية مذ وجد، قدمت عائلة “كاكائية” غير عربيه الأرومة، وغير سوريه الانتماء إلى المكان، وبمذهبية شاذة ادّعت الانتماء إلى النصيرية زوراً وبهتاناً وتقية تتغياها لمواصلة الصعود المرسوم من قبل الأعداء، وذلك للوصول إلى السُّدة والتحكم بمصير الوطن والشعب، واتخذت من جيش الشرق الذي دبج كيانه وعقيدته ورؤاه الفرنسيون المحتلون لسورية، وسيلة لتحقيق غاياتها، كما أن من وسائلها الانتماء إلى حضن الصهاينة وأمان حدودهم على أرض فلسطين التي اغتصبوها من قبل الجولان، فكانت الجولان طعمة خائن لمغتصب، كي يرتقي الأول عرش دمشق، وليكون الأمان على أشده للصهاينة في الجولان، حتى قال كبيرهم يوماً: نريد بقاء العائلة الأسدية تحكم سورية، لأن عهدها كان عهداً جعل الجولان لنا آمناً أكثر من تل أبيب، نتمتع بخيراته وطبيعته ومياهه بلا حسيب ولا رقيب.
ولكن..
ولكن الإخوان المسلمين في سورية، الذين كانوا يشاركون مشاركة فعالة عملية في بناء وطنهم “سورية” بناءً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ومشاركة إيجابية شهد لها القاصي والداني بسلميتها وتضحياتها، بل وتفوقها بالإيثار والنضال، ليس لسورية وحسب، بل ولقضايا أمتهم في التحرر والنهضة، وأخص بالذكر منها قضية الأمة وجرحها النازف قضية الأرض.. أرض الاسراء والمعراج فلسطين الذبيحة.
فلم يعرف الإخوان المسلمون السوريون الطائفية وسخائمها، بل إن زعيمهم ومراقبهم العام الدكتور مصطفى السباعي يرحمه الله دافع في مرافعة له أمام مجلس النواب السوري أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، وكان عضواً فيه عن دمشق، أقول: دافع عن النصيريين، وطالب بإعطائهم حقوقهم كمواطنين لهم ما للجميع من الحقوق. ولم يسجّل تاريخ سورية قبل الاستقلال وبعده، وحتى اغتصاب الأسد الأب حكم سوريه بانقلاب 1970 م، لم يسجل أي حادثة عنف من قبل الإخوان.
فقد شاركوا في الانتخابات البرلمانية، وكانوا أعضاءً فاعلين في المجلس الخمسيني، شاركوا في انتخابات النقابات، شكلوا الجمعيات الخيريه والاجتماعية، وكانت مشاركتهم في محو الأمية أكثر من رائعة، شاركوا مشاركة رئيسية في حملة أسبوع الشتاء، من أجل مساعدة الفقراء، كما شاركوا في حملة أسبوع فلسطين لتقديم العون للاجئين، وقاموا بشكل رئيسي بحملات مستمرة لرفع مستوى الوعي، من خلال دروس المساجد وخطب الجمعة، وتوجيهات صحفهم وكتب مفكريهم، والزيارات الدورية الجماعية والفردية للأحياء والأرياف والبوادي، وتوظيف المناسبات الوطنية والدينية لمحاربه الخرافة والتقليد الأعمى للغرب وثقافاته وطريقة حياته، دون انتقاء أو اختيار الصالح منها، وشكلوا لذلك جمعيات ولجاناً وهيئات ومدارس ومستشفيات في أنحاء البلاد، وسعوا عن طريق ذلك إلى محاربة الخرافات والقبورية وتحرير عقل المواطن منها، كما حققوا دور الرواد في تجديد المفاهيم وفهم الإسلام، ورسم معالم الهوية الحضارية للأمة، وكرّسوا في فكرهم وفكر المجتمع مفهوم الحوار في التعامل بعيداً عن الاستئثار بالرأي، وجالوا جولات فذة في الدفاع عن الحريات العامة.
ولا بد لنا من القول للتاريخ وللرأي العام الذي يعرف الجماعة حق المعرفة: إن جماعتنا جماعة الإخوان المسلمين في سورية، لم تتأخر في أي مرحلة من المراحل بعد قيامها عام 1945 م عن تلبية أي دعوة للحوار حول خير الوطن ورفعته ورفعة شعبه، وكذلك لم تخلّ بأي بند من بنود اتفاق أو تعهّد أبداً.
كما أنها رفضت بتاتاً الاعتراف بأيّ انقلاب عسكري أو التعامل معه، لأنها لا تؤمن بفصل الخلافات ولا بعملية “إصلاح” يأتيان بالقوة، سواء عن طريق الجيش، أو عن طريق فرض لرأي فصيل على الجميع بالسلاح. وأبرز مثال على ذلك هو رفض الجماعة لوثيقه انقلاب الإنفصال عام 1961 م، وقد عرض عليهم من قبل الانقلابيين استلام رئاسة الوزراء فرفضوا ذلك بشدة، بينما تداعى مدّعو الديمقراطية والعلمانية والليبرالية إلى التعاون مع انقلاب الانفصال والتوقيع على وثيقته بإنهاء الوحدة مع مصر.
إنهم (الإخوان المسلمون) من منطلق إيمانهم العميق بحرية وطنهم السوري العربي وحرية شعوبهم ورفاه المواطن والعدالة والمساواة، بحيث يعمل الجميع على تحقيق ذلك، من خلال ميثاق وطني جامع، تشارك كل قوى الشعب ومكوناته في وضع تصوراته ورؤاه فيما يحقق حرية وكرامة الشعب، لتنشأ عنه صورة زاهية لسورية المستقبل، تنتقل فيه السلطة بتداول سلمي اختياري ديموقراطي شوري، بعيداً عن الصراع والأنانيات الصغيرة.
هؤلاء هم الإخوان المسلمون في سورية جماعة وطنية متجذّرة في الوطن، تؤمن بالحرية والديمقراطية الشورية، وتعمل لكرامة المواطن والمساواة، وتريد وطناً يأمن فيه كل مواطن على نفسه وعقيدته وعقله وعرضه وماله، في ظل قانون عادل مستمد من تراثنا وثقافتنا وقضاء عادل نزيه، وفي ظل حرية كاملة وتشاركية لا تستثني أحداً.. فهل هذا التوجه يبيح للبعض أن يقلبوا الحقائق ويشتغلوا بالافتراءات يطلقونها على الإخوان ظلماً وعدواناً؟!