الإخوان المسلمون في سورية

الإخوان المسلمون في سورية والقضية الفلسطينية

محتويات:
١-  مقدمة
٢- ارتباط الجماعة في سورية بقضية فلسطين منذ تأسيسها
٣- المرحلة الأولى: مرحلة ما قبل قيام الكيان الصهيوني (1943-1948م)
٤- المرحلة الثانية: مرحلة قيـام الكيان الصهيوني حتى سقوط الجولان (1945-1967م)
٥- المرحلة الثالثة: المرحلة التي شهدت ظهور المقاومة الفلسطينية في الستينات (1967-1991م)
٦- المرحلة الرابعة: مرحلة التسوية الإستسلامية والإنتفاضة الفلسطينية (1991-2001م)
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
بما أن جماعة الإخوان المسلمين تستمدّ مبادئها وتصوّراتها وسياساتها من الإسلام، وتحتكم إلى مصادره الأساسية، كان لا بدّ قبل الدخول في صلب الموضوع، من الإشارة إلى النظرة الإسلامية لفلسطين..
ففلسطين في التصوّر الإسلامي، أرضٌ عربيةٌ إسلاميةٌ أولاً، وهي أرضٌ مقدّسةٌ ثانياً، ولد فيها وعاش عددٌ كبيرٌ من الأنبياء، كما دفن فيها عددٌ كبيرٌ من الصحابة والتابعين والمجاهدين، وفيها المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، الذي أسريَ برسول الإسلام محمدٍ صلى الله عليه وسلم إليه، وعرج به إلى السماء، كما تشير إلى ذلك الآيات الأولى من سورة (الإسراء)، التي ربطت في عقيدة المسلمين بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، والآيات الأولى من (سورة النجم) التي تحدّثت عن قصة المعراج. وفلسطـين في الفقـه الإسلاميّ، وقفٌ لا يجوز لأيٍّ كان أن يتنازل عنها أو عن أيّ جزءٍ منها.
هذه هي ملامح التصوّر الإسلاميّ لفلسطين، الذي ينبغي أن يلتزم به كلّ مسلم.. وجماعة الإخوان المسلمين تصدر في مواقفها عنه.. ومن خلال هذا التصور، يعتبر زرع الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، استباحةً لأرضٍ عربيةٍ إسلامية، واعتداءً على حقوق الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسـلامية، وعلى مقدّسات المسلمين، إضافةً لكونه انتهاكاً صارخاً للعدالة الدولية ومبادئ القانون الدولي..
ارتباط الجماعة في سورية بقضية فلسطين منذ تأسيسها
كان الإخوان المسلمون في سورية، من أوائل المهتمّين بالقضية الفلسطينية على الصعيد الشعبي، ففي عام 1943م، اجتمع الدكتور مصطفى السباعي (مؤسّس الجماعة وأول مراقبٍ عامّ لها) بالأخ المجاهد الشيخ نمر الخطيب في فندق أمية بدمشق، قادماً من فلسطين، يقول السباعي: “فحدّثَني عن استفادة يهود فلسطين من الحرب العالمية الثانية.. ثم قال لي: فهل لك أن تعلن صوت النذير والإيقاظ؟ وكان حديثاً دمعـت له عيـنانا، وعاهدنا الله على أن نبـدأ العمـل.”…(الإخوان المسلمون في معارك فلسطين ـ السباعي ـ مجلة حضارة الإسلام ـ العدد 6 و 7 عام 1961م).
هذه هي البداية، ولم تكن مراحل تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في سورية آنذاك قد اكتملت.. كما أنّ مؤسّسي الجماعة من أمثال السباعي وعمر بهاء الدين الأميري، كانت لهما مشاركاتٌ في الشأن الفلسطيني قبل ذلك التاريخ، فمن مقالات السباعي المبكّرة مقالةٌ نشرها في مجلة (الفتح) القاهرية سنة (1935م 1354هـ) بعنوان (مأساة فلسطين) استهلّها بقوله: (مأساة الأندلس تمثّل مرةً ثانية على مسرح الحياة في تاريخ العرب والإسلام، تلك هي مأساة فلسطين).
وفي مقالةٍ أخرى في المجلة نفسها سنة (1938م 1357هـ) بعنوان: (موقف سورية من فلسطين) يقول: إنّ مؤتمر العلماء الذي انعقد في دمشق أيّد الفتوى القائلة: إنّ جهاد فلسطين جهادٌ شرعي يجب على كل مسلم أن يشارك فيه…). أما عمر بهاء الدين الأميري فنعثر له على ثلاث مشاركاتٍ في المجلة المذكورة يذكر في الأولى وهو طالبٌ جامعي في فرنسة ضمن (حلقة باريس من شباب محمد): (جمع إعانة لمنكوبي فلسطين) (الفتح – العدد 577/ سنة 1937م 1356هـ). وفي الحفلة الختامية للمؤتمر العام لشباب محمد ألقى كلمة (دار الأرقم) الطور الأول لجماعة الإخوان المسلمين في مدينة حلب، بصفته أمين سرّها يذكر تشكيل (لجنة إعانات فلسطين.. وقد باشرت عملها) (الفتح – العدد 627 / سنة 1938م 1357هـ). وفي مؤتمر علماء دمشق لقضية فلسطين ألقى كلمة دار الأرقم مطالباً بسبعة مطالب:
1- استنكار اعتداء السلطات البريطانية في فلسطين على المسلمين في إدارة شؤونهم الدينية باستيلائها على المجلس الأعلى والمحاكم الشرعية وإدارة الأوقاف واعتدائها على العلماء والقضاة بالعزل والسجن والتشريد والتعذيب.
2- استفظاع محاولة تقسيم فلسطين وإنشاء دولة يهودية وإزالة الصبغة العربية الإسلامية، ثم إعلان التضامن مع أهل فلسطين.
3- استنكار سياسة البطش وتدمير القرى والمدن بمن فيها، وتمكين اليهود من الاعتداء وتزويدهم وتقويتهم.
4- تحية مجاهدي فلسطين الصناديد حراس الأماكن المقدسة.
5- مناشدة ملوك العرب والإسلام.. أن يمدّوا يد العون جدياً لمؤازرة مجاهدي فلسطين.
6- دعوة مسلمي العالم إلى مساعدة منكوبي فلسطين.
7- تأكيد قرار مؤتمر بلودان بجعل يوم (27 رجب) يوم الإسراء، يوم فلسطين.. للتوعية وجمع المال والنصرة.
إنه لأمرٌ ذو دلالة، أن يقترن تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في سورية بالانخراط في قضية فلسطين، مما ينبئ بأن هذه القضية سوف تكون أحد المحاور الرئيسية الموجّهة في تكوين الجماعة، فكراً وسياسةً ومواقفَ وممارسات.. ويمكن أن نلحظ ذلك طوال تاريخ الجماعة حتى يومنا هذا متجلّياً في أربع مراحل:
المرحلة الأولى: مرحلة ما قبل قيام الكيان الصهيوني (1943-1948م)
التي كانت فيها فلسطين ما تزال تحت الانـتداب البريطاني، وهي أخطر المراحل، حيث قادت الجماعة حملة التوعية بالمخاطر الصهيونية المحدقة بفلسطين، وبضرورة الإعداد والاستعداد الشعبي والرسمي للمواجهة المسلحة القادمة، ثم الانتقال إلى ساحة القتال على أرض فلسطين بكتيبة خاصة من شباب الجماعة يقودها المراقب العام نفسه الدكتور مصطفي السباعي.
وهكذا كان نشاط الجماعة للقضية الفلسطينية في هذه المرحلة على ثلاثة ميادين:
على الصعيد الرسمي: بتقديم المذكرات للحكومة وللجامعة العربية.
على الصعيد الشعبي: بالمحاضرات والاجتماعات العامة في المدن والقرى. حيث انطلق السباعي بالعمل من مدينة دمشق، فألقى أول محاضرة في مقر (الشبان المسلمين) في باحة مسجد الدرويشية عن فلسطين (نشرتها كاملة جريدة القبس) وانتهت المحاضرة في مظاهرة كبرى تهتف لفلسطين وتدعو للعمل من أجلها، وبرغم الأحكام العرفية المعلنة بسبب الحرب، وصلت المظاهرة إلى مديرية الشرطة العامة، حيث حاول مدير الشرطة العام منعها، فرفض الجمهور إلا أن تصل إلى فندق الشرق حيث كان يقيم رئيس الوزراء سعد الله الجابري، الذي رفض استقبال وفد المظاهرة، فحمل مدير الشرطة العام مطالبهم، ثم تفرّقت المظاهرة…(انظر كتاب مصطفى السباعي – د.عدنان زرزور – ص 188)، ثم انتقل السباعي بعد ذلك إلى (جميع المدن السورية) يشرح للجماهير خطورة الوضع الذي آلت إليه القضية الفلسطينية، والمخاوف التي تحيط بمستقبلها، يقول السباعي: (حتى اتّهمني الغافلون عن حقائق الأمور في فلسطين بأني أبالغ كثيراً فيما أردّده من حقائق)..
على الصعيد العملي والجهادي: حيث أرسل الإخوان بعض شبابهم ليزوروا فلسطين، ويطّلعوا بأنفسهم على الأحوال فيها، فزاروا يافا وتل أبيب وحيفا والقدس، وكثيراً من المستعمرات اليهودية ..
ثم بدأ التحضير لجهاد السلاح حين وقعت كارثة التقسيم بقرار من الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1947، فقام الإخوان المسلمون بوضع ميثاقٍ أخذوه على الجمـاهير السـورية، بتأليف جيشٍ لتحـرير فلسطـين، وانطلقوا في الاجتماعات العامة الحاشدة يبيّنون خطر الكارثة، ويعلنون فتح باب التطوّع في مراكزهم في جميع أنحاء البلاد. وقد جوبهت الجماعة بعقباتٍ وضعتها الحكومات السورية المتعاقبة، سواء في منع التطوّع أو التدريب أو تأمين الذخيرة، لاختلاف التصوّر لطبيعة المعركة، يقول السباعي: (فقد قال لي مسؤولٌ كبير: إنّك تحمّس الشباب المتعلّمين للتطوّع في حرب فلسطين، وحرامٌ أن نرسل هذه الزهرات ليموتوا هناك، وخيرٌ منهم العاطلون من القبضايات! فقلت له: إنّ معركتنا مع اليهود ليست معركةَ أجسامٍ وزنود، بقدر ما هي معركة وعيٍ وتضحيةٍ وإيمان، وإننا سنقاتل في فلسطين شباباً من اليهود، أُعِدّوا فكرياً وعسكرياً لهذه المهمة منذ سنوات)… (انظر مجلة حضارة الإسلام ـ السباعي ـ العدد (6و7) عام 1961م ـ ص163)..
وبعد شهرٍ ونصف من التدريب، التحقت كتيبة الإخوان المسلمين بالمجاهدين العرب على أرض فلسطين، على دفعتين: الأولى بقيادة الملازم عبد الرحمن الملّوحي وصحبة البطل الشهيد عبد القادر الحسيني، وقد حضر هذا الفوج معه معركة (القسطل). ثم سافر الفوج الثاني بقيادة الدكتور مصطفى السباعي، وقام السباعي بتوزيع الإخوان على مناطق القـدس العـربية التـالية: الشـيخ جـراح، المصرارة، سعد وسعيد، القطمون، وكانت مسؤولية القيادة فيها موزعة على المجاهدين الإخوان: عدنان الدبس، وزهير الشاويش، وكامل حتاحت.. وكان مقر السباعي في غرفة القيادة بالروضة، المطلّة على المسجد الأقصى، مع الضابط فاضل عبدالله، والملازمين: عبد الرحمن الملّوحي وجمال الصوفي… وسبب اختيار الإخوان القتال في القدس وما حولها، هو أهمّية هذه الجبهة عسـكرياً ودينياً، وبالفعل فقد خاضوا فيها معارك طاحنة (معركة القطمون، معركة الحيّ اليهودي في القدس القديمة، نسف الكنيس اليهودي لوجود مقاتلي اليهود فيه وإطلاقهم النار منه، معركة القدس الكبرى) استشهد فيها عددٌ من مجاهدي الجماعة، وجرح آخرون، ففي معركة الحيّ اليهودي جُرِح الملازم الملّوحي، وما يزيد على أربعين من الأخـوة، وقد ذكر السباعي -رحمـه الله- بعض الشهـداء منـهم:
 (تيسير طه، ضيف الله مراد، الرقيب هاشم، محمد قباني، محمد عرنوس، محمود الدندشي، محمد الصباغ، راشد طالب، نايف حسن عودة، راضي الجوهري).
ثم وقعت الهدنة المشؤومة، وأصدرت قيادة جيش الإنقاذ بدمشق أوامر للإخوان بالانسحاب من القدس وتسليمها للجيش العربي، بحجّة إرسالهم إلى الجبهة السورية، وشعر الإخوان بأنّ (هناك مناورات تجري على الصعيد الدولي، وفي أوساط السياسات العربية، لجعل التقسيم أمراً مفروغاً منه، ولجعل القدس تخرج من أيدي العرب والمسلمين)، فقرّروا مغادرة القدس، ثم العودة إليها خفيةً بصورةٍ إفراديةٍ لمتابعة الجهاد، وكان من بين العائدين الإخوان: (زهير الشاويش، وكمال حتاحت، والشهيد ضيف الله مراد)، وانضمـوا إلى فرقة التدمـير في القـدس، حيث نسفوا الجسور والمستعمرات والسكك الحديدية، التي كان يسيطر عليها اليهود، وظلّوا على تعاونٍ مع فرقة من الإخوان المسلمين المصريين بقيادة الشهيد أحمد عبد العزيز.
وكان موقف الإخوان المسلمين منذ البداية وحتى اليوم هو: رفض قرار التقسيم، وتحرير فلسطين كلّ فلسطين، لأنها عربية مسلمة، فضلاً عن أنها أرضٌ مقدسة.. كما كان العمل للقضية الفلسطينية آنذاك شغل الجماعة الشاغل، ولها الأولوية على ما عداها.. والأمر نفسه بالنسبة إلى منظمات الإخوان المسلمين الشقيقة، لا سيما دول الطوق المحيطة بفلسطين مثل: (الأردن، مصر، العراق).
وفي تقويم هذه المرحلة من قضية فلسطين سجّل السباعي -رحمه الله- ملاحظات الجماعة عليها:
1- إن جيش الإنقاذ الذي شكلته الجامعة العربية.. لم يكن إلا تسكيناً لشعور العرب الهائج.
2- وإن قيادة جيش الإنقاذ، لم تخض معركةً جديّةً واحدةً في فلسطين.
3- إن جيش الإنقاذ كانت مهمته تحطيم منظمة (الجهاد المقدس) الفلسطينية وقائدها الشهيد البطل (عبد القادر الحسيني).
4- أما الهزيمة، فحسبي أن ألخص لك سببها بكلمةٍ واحدةٍ هي: (الخيانة) “مجلة حضارة الإسلام – عدد آب 1965م ص51” (سيثبت التاريخ مرةً أخرى أن كارثة فلسطين ما كانت لتقع، لولا ارتباط بعض المسؤولين في البلاد العربية بدول الاستعمار، وخضوعهم التام لها، بالإضافة إلى قصور الرؤية، والعقليّة البيروقراطية في التعامل مع القضية) .. “حضارة الإسلام – عدد كانون الثاني – 1963 – الافتتاحية”.
المرحلة الثانية: مرحلة قيـام الكيان الصهيوني حتى سقوط الجولان (1945-1967م)
مرّ القطر السوري خلال هذه الفترة بظروفٍ وأوضاعٍ سياسيةٍ متعدّدة: من حياةٍ برلمانيةٍ وانقلاباتٍ عسكريةٍ، ومن وحدةٍ مع مصر ثمّ انفصالٍ عنها، وانقلاب الثامن من آذار، ثمّ انفراد حزب البعث بالسلطة.. وكل ذلك كان له انعكاساته السلبية أو الإيجابية على القضية الفلسطينية أولاً، وعلى الأحزاب السورية ومنها جماعة الإخوان المسلمين ثانياً.. وسوف نلحظ السمات التالية في موقف الإخوان المسلمين من قضية فلسطين في هذه المرحلة:
1- موقف ثابت من تحرير فلسطين، ورفض سياسات التقسيم أو الاستسلام والأمر الواقع.
2- العمل على إبقاء القضية الفلسطينية حيّةً، والاستعداد لمعركة التحرير القادمة.
3- تعرّض الجماعة لمضايقات الحكومات بسبب ذلك، وتنديد الجماعة بهذه السياسات وبمن وراءها من قوى خارجية أجنبية.
4- الانطلاق في معالجة قضية فلسطين من خلال تصوّرٍ إسلاميّ، يقدّس القضية، ويدعو إلى إعلان الجهاد، واستنهاض العرب والمسلمين جميعاً لأداء هذا الواجب المصيري، وذلك بخطابٍ عربي وطني ديمقراطيّ، يواكب أحداث فلسطين، ويكافئ تطوّراتها محلياً وعربياً ودولياً، كما سوف نرى.
في العهود الديمقراطية البرلمانية استطاعت جماعة الإخوان المسلمين أن تنهض بدورٍ نشطٍ في إحياء القضية الفلسطينية، وتعبئة الشعب ومطالبة المسؤولين برعايتها حقّها في مراكزهم المنتشرة في كل المحافظات السورية وأقضيتها، أو دروسهم وخطبهم المسجدية، أو منابر الجامعة، لا سيما كـلية الحقوق، والشريعة، ومسجد الجامعة، وفي الشارع، وتحت قبة البرلمان.. أو إرسال المذكّرات للحـكام، أو جمع التبرعات وعقد المؤتمرات المحلية والعربية والإسلامية للأهداف نفسها. أما أبرز المجالات والإنجازات لخدمة القضية الفلسطينية بعد توقّف القتال، فيمكن إجمالها بما يلي:
1- قيادة حملة توعية شعبية في الكتابة والخطابة، ونشر الوثائق والإحصاءات حول فلسطين وخفايا الحرب الخاسرة، حتى تكون قضية فلسطين (في نظر الشعب قضية قومية واضحة المعالم، شديدة الأثر في حياة العرب وخاصةً أبناء سورية) “انظر كتاب: دروس في دعوة الإخوان المسلمين للسباعي ص160”.
2- جعل قضية فلسطين مادة تدرّس في الأسر التنظيمية وحلقات التوجيه في الجماعة (انظر كتاب: دروس في دعوة الإخوان المسلمين).
3- دعوة الحكومة السورية إلى تخصيص أسبوعٍ في كل عامٍ باسم: أسبوع الخطر الصهيوني، تقام فيه المهرجانات، وتلقى فيه الخطب، وتوزع المنشورات في جميع أنحاء البلاد.
وقد بادر السباعي إلى تخصيص هذا الأسبوع عام 1955 ودعا قادة الحركة الإسلامية في الوطن العربي للاشتراك فيه، وطاف معهم شتى أنحاء سورية، معرّفين بالخطر الصهيوني، لا على فلسطين ومستقبل قضيتها وحسب، بل على مستقبل العرب والمسلمين، ومطالبين الحكومات العربية بإعداد الشعوب للمعركة الفاصلة مع اليهود… “مجلة حضارة الإسلام – عدد 76 لعام 1961 م ص207”.
4- رفع مذكرة عن المكتب التنفيذي لجماعة الإخوان المسلمين في سورية بتوقيع المراقب العام، إلى رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي ورئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع… تتضمن مشروعاً تعبويّاً شاملاً للدولـة والشعب، يعرض آخر تطورات القضية الفلسطينية من تنامي قوة العدو الصهيوني وصراحة نيّاته العدوانية، ومن غفلة الأمة وتقاعس الحكومات العربية وضياع (ميثاق الضمان الجماعي) بالخلافات بين الحكومات العربية، وعدم كفاية الميثاق الذي وقعته حكومتا مصر وسورية، وعدم كفاية الأموال المحصلة من أسبوع التسلح، لأن تقدير الخبراء للحاجة كانت تبلغ آنذاك (خمسمئة مليون ليرة سورية)، ولا بدّ من مصارحة أنفسنا وشعبنا بالتقصير والمخاطر، (إنّ من الواجب أن يكون برنامج كلّ حكومةٍ في بلادنا بعد الهدنة، أن تهيئ البلاد للمقاومة في الجولة الثانية، بكل وسائل المقاومة الروحية والخلقية والمادية والعسكرية، ولم نر حكومةً قامت على هذا الأساس) كما أننا (لم نر حزباً منذ وقعت الهدنة، جعل من قضية فلسطين وقضية البلاد المهدّدة بخطر العدوان الأثيم شغله الشاغل، ومبعث نشاطه وأساس برنامجه في الحكم وخارجه.. بل أننا نصرّح بأنّ البلاد عانت من سياسة التفرقة والعداوة وسفك الدماء وإيغار الصدور.. ما تتحمّل الأحزاب القائمة الآن من وزرها القسط الأكبر ..) لذلك قرّر الإخوان المسلمون في مؤتمرهم من مندوبي المراكز وأعضاء المكتب التنفيذي للجماعة، تذكير الحكومة والشعب بخطورة الوضع الحاضر في البلاد، ووجوب الاستعداد الكامل الجريء، القائم على المطالب الخمسة التالية:
أولاً: استكمال السلاح (بشراء السلاح الثقيل والطائرات المقاتلة والمدافع المضادة.. وأن نتحرّر في شرائه من كلّ قيد، وأن نطلبه من أية دولةٍ شرقيةٍ أو غربية.. وإقامة معامل السـلاح الثقيل خاصـة، والسـلاح والذخيـرة بشـكلٍ عام، واستقدام الخبراء والفنيين من الدول العربية والإسلامية المتحرّرة من نفوذ الاستعمار ..).
ثانياً: تدريب الشعب (المعلمون والمدرسون وأساتذة الجامعات، الموظفون، الموفدون للدراسة في الخارج.. ولا يرفّع أحدٌ من هؤلاء إلا باجتياز امتحانات التدريب.. وكذلك التجار والعمال وأرباب المهن الحرة، والعلماء والخطباء ورجال الدين والفلاحون والمزارعون وملاكو الأراضي، واللاجئون من أبناء فلسطين لأهميتهم..).
ثالثاً: وقاية المدن من الغارات الجوية، بإقامة الملاجئ والخنادق، وفرق المقاومة الشعبية..).
رابعاً: فرض التقشف: بامتناع الحكومة عن سياسة التبذير، والاقتصاد في نفقات الأثاث والسيارات، وتعميم لباسٍ موحّد (من الخاكي مثلاً) للطلاب والأساتذة، ومنع استيراد الموادّ الكمالية ، وتحديد بيع اللحوم والحلوى وبعض المواد الغذائية في أيام معينة من الأسبوع..
خامساً: تقويم الأخلاق (أخلاق الحرب غير أخلاق السلم ككلّ الأمم المحاربة) وضمان ذلك كلّه ونجـاحه (أن نبعث في أمتنا روح التـديّن الخـالص، الذي يجعل الاستشهاد في سبيل الله أحلى الأماني) …”مجلة الشهاب – عدد 34 – 1/1/ 1956م”.
5- اقتراح نواب جماعة الإخوان المسلمين في المجلس النيابي في الخمسينات جعل دراسة القضية الفلسطينية مادةً دراسية مستقلة في فحوص الشهادات (دروس في دعوة الإخوان صفحة 161).
6- في عهد الوحدة بين سورية ومصر وحظر الأحزاب السورية، لم يبق للإخوان من المنابر غير خطب الجمعة في المساجد ومجلة (حضارة الإسلام) التي كان صاحبها ورئيس تحريرها الدكتور مصطفي السباعي. ثم منبر (مسجد جامعة دمشق) الذي يخطب فيه الأستاذ عصام العطار أحد قادة الجماعة، ومراقبها العام بعد السباعي.
في مجلة (حضارة الإسلام) خصّص السباعي باباً ثابتاً لا ينقطع بعنوان (الدرّة المغتصبة) تتصدّره صورة المسجد الأقصى، ويُعنى بالقضية الفلسطينية وأخبارها وآخر تطوراتها. أما افتتاحيات المجلة التي جمعت مؤخراً في كتاب: (مقدمات حضارة الإسلام) فقد كتب السبـاعي عدّة مقالات عن قضـية فلسطين، منها:
أ- (سلسلة من المؤامرات) (كانون الثاني – 1963 م)
ب- (رمضان ومؤتمر القمة) (كانون الثاني – 1964 م)
ج- (في ذكرى الإسراء والمعراج) (العدد 5 – 1974 م)
د- (الطريق الصحيح لحل مشكلاتنا) آخر افتتاحية كتبها قبل وفاته (أيلول 1964)
7 – في عهد الانفصال رفض الإخوان المسلمون التوقيع على وثيقة الانفصال، لأن انفصال الوحدة بين سورية ومصر يضعف القطرين الشقيقين أمام تعاظم قوة العدو الصهيوني..
وعلى الرغم من تصدّي الإخوان لمشكلات القطر الداخلية وفي مقدمتها إعادة الحياة الدستورية للقطر، بعد الإطاحة بالمجلـس النيابي، فإنهم لم ينقطعوا عن دورهم المعتاد في العناية بالقضية الفلسطينية، إحياءً لها في النفوس، وتحذيراً من المؤامرات، وطلباً للاستعدادات المكافئة للمعركة.. فكانت صحفهم كجريدة (اللواء) في دمشق و(المرصاد) في حلب، وخطب المراقب العام آنذاك الأستاذ عصام العطار في (مسجد الجامعة) ومداخلاته تحت قبة (البرلمان) وتصريحاته لأجهزة الإعلام، تعكس هذه المواقف، نشير مثلاً إلى تصريحات الأستاذ العطار بتاريخ 1962/5/31م، و1962/6/6م، و1962/7/25م، التي يقول فيها : (إننا سنواجه قريباً حلقة جديدة من مؤامرة تصفية القضية الفلسطينية، التي لم يفتر الصهيونيون المستعمرون عن حبك خيوطها.. إننا سنواجه هذه الحلقة في هيئة الأمم المتحدة، كما سنواجه أيضاً عملية تحويل مجرى نهر الأردن حيث يكون علينا أن نخضع ونقبل الأمر الواقع، وبذلك يتضاعف سكان إسرائيل وإمكانياتها، وتأخذ بأسباب البقاء والنماء، وهذا ما لا نرضاه أبداً وما نعتبره بمثابة التسليم.. أو أن نمنع التحويل بمختلف الوسائل ولو أدى الأمر إلى الحرب… والحكومات العربية لاهية عنه، مسـتغرقة بنـزاعاتها في ما بينها، وكأن كل واحدة منها قد تنصّلت عملياً من مسـئوليتها عن قضـية فلسطين، وألقتها عن عاتقها، هذا إن لم نقل في بعضها: إنه ضالع مع الاستـعمار، سائر في مخطّط التصفية.. يجب أن يرتفع الجميع في القضايا المشتركة الكبرى المتفق عليها، وعلى خطوط السير فيها _وخاصة قضية فلسطين_ فوق كل خلاف، وأن لا يحول شيء دون التعاون الضروري لمجابهة إسرائيل وإحباط مؤامرات الصهيونية والاستعمار).
المرحلة الثالثة: المرحلة التي شهدت ظهور المقاومة الفلسطينية في الستينات (1967-1991م)
وتعرّضها للملاحقة ولمؤامرات الانشقاق والتصفية، واستمـرارها على الرغم من كل ذلك، وتحقيقها عدداً من الانتصـارات، بدءاً من الاعتراف بها، ومروراً بإسهامها المباشر في الشأن الفلسطيني، وانتهاءً بقبول العدو الصهيوني التفاوض معها، في الوقت الذي أخذت الأنظمة العربية تُلقي المسؤولية على الفلسطينيين وحدَهم، وتدخل مرحلة التسويات الاستسلامية مع الكيان الصهيوني في المفاوضات التي أعقبت حرب تشرين 1973، أو في مؤتمر مدريد 1991.
إن موقف جماعة الإخوان المسلمين في هذه المرحلة، ظلّ متبنّياً للقضية الفلسطينية، مواكباً لأحداثها وتطوراتها، كما رأينا في المرحلتين السابقتين اللتين كانتا الأساس لكل المراحل التالية.. فلم تقف الجماعة عند حدود النصرة الإعلامية والتوعية السياسية لجماهير الأمة، بل أسهمت أيضاً في الجهود العسكرية كعادتها في الساحة الفلسطينية، حين ظهرت المقاومة الفلسطينية في الستينات، وقد أقيم معسكرٌ خاصّ للإخوان المسلمين، مجاورٌ لمعسكرات (فتح) في الأرض الأردنية، وعلى حدود الأرض المحتلة عام 1969، تدرّب هناك وقاتل مجموعاتٌ من شباب الإخوان السوريين والأردنيين والمصريين، واستشهد بعضهم. نذكر منهم: الشهيد المحامي مصطفى بلال (من حلب)، وممن أسهموا في العمليات من الشباب السوريين الأخـوة: مروان حديد، وعبد الستار الزعـيم، وحسني عـابو.. (انظر كتاب مواكب الشهداء – ج1 – صفحة 5 و- 76 و ج2 – صفحة 11).
وعلى الرغم مما تعرضت له الجماعة من حظرٍ للنشاط، واعتقالات ومجازر وتشريد في هذه المرحلة، فإن المنشورات والبيانات التي صدرت عنها داخل سورية وخارجها، تحمل الصورة المشرفة المستمسكة بالقضية الفلسطينية، تحيّي ظهور المقاومة الفلسطينية، وتدعو إلى دعمها وتأييدها بكل وسيلة، كما تندّد بالمؤامرات التي تنفذ ضدّها، وبحرب المخيمات التي شُنّت على شعبنا الفلسطيني في لبنان، سواء بأيدٍ عربيةٍ أو إسرائيلية، وطالبت مؤتمرات القمة العربية والإسلامية والشعوب العربية والإسلامية بالمبادرة لإنقاذ القدس الشريف، ولحماية الأخوة الفلسطينيين والمقاومة الفلسطينية من التصفية والمجازر الدموية، واعتبار قضية فلسطين قضيةً عربيةً إسلاميةً، وأن المشروع الصهيوني مخططٌ عدوانيّ توسّعيّ، لا بدّ من أخذ تهديداته مأخذ الجدّ، والإعداد المكافئ على كل المستويات.
ففي (بيان الجبهة الإسلامية التي كانت الجماعة جزءاً منها، بتاريخ 1981/3/16، بعد عرض مجريات القضية الفلسطينية منذ دخول القوات السورية إلى لبنان، ومجازر المخيّمات، والعدوان الإسرائيلي المتكرّر على لبنان، واحتلال جنوبه عام 1978 بعد ضرب الحركة الوطنية، طالب بيان الجبهة الأخوة الفلسطينيين وقادة الثورة الفلسطينية بإعادة النظر في الكثير من مواقفهم لتمييز الصديق من العدو، إن كانوا يريدون تحرير فلسطين حقاً.. (انظر نشرة النذير-عدد 29- ص 36 – 41).
وفي ميثاق التحالف الوطنيّ لتحرير سورية (والإخوان المسلمون جزءٌ من هذا التحالف) تمّ التأكيد على (الإيمان المطلق بتحرير فلسطين من الاغتصاب الصهيوني، وتعبئة الطاقات كافةً لخوض معركة التحرير، والتضامن الكفاحيّ مع منظمة التحرير الفلسطينية، والنضال الجادّ لتحقيق الوحدة العربية..).
وتحت عنوان: (الحلقة الأخيرة من فصول المؤامرة) قالت النذير: (هل كان خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت نتيجة للمعارك الأخيرة بينها وبين قوات الغزو الصهيوني، أم أن هناك عوامل مهّدت لهذه النتيجة، اشتركت فيها أطراف عدة..).. (العدد 49 ص5 – عام 1984م).
وعن انتفاضة شعبنا في الأرض المحتلة، يتحدّث بيان مجلس شورى الجماعة الإخوان المسلمين في سورية في شهر شباط 1988م عن الانتفاضة: (وبالأحرى الثورة العارمة، الفريدة في معناها ومبناها، التي تمثّل بكلّ جدارةٍ ضميرَ شعبنا العربي وأمتنا الإسلامية، بما دلّلت عليه من رفضٍ للاحتلال، وتحطيم قيود العبودية، ورفض كلّ أشكال الهيمنة والوصاية والاستعمار.. لقد ظنّ العـدو الفاجر أن مرور الوقت سيـكون لصـالحه، وسـوف تنسى الأجيـال قضيتـها، دون أن يدريَ أن هذا الشعب المبارك، كتلك الشجرة المباركة في الأرض المباركة، التي تصمد على مر العصور.. لقد أثمر جيل القسام والحسيني وسلامة، شهداء الرعيل الأول في هذا القرن بأمتنا جيل القدوة..).
أما نشرة (البيان) لسان حال جماعة الإخوان المسلمين في سورية، فقد تحدّثت تحت عنوان: (الفلسطينيون في المحرقة) عن الهجمات الوحشية التي تتعرض لها المخيمات الفلسطينية في لبنان، لا سيما مخيمات الرشيدية وبرج البراجنة وعين الحلوة والميّة الميّة.. وكشفت اللثام عن الأيدي العربية المتواطئة مع إسرائيل في هذه الاعتداءات.. فاستنكرت ذلك، ودعت الاخوة الفلسطينيين إلى الوعي واتخاذ العبر .. (العدد 2 – 1986/12/20م).
كما نشرت (البيان) تقريراً للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في القاهرة عام 1987، يعرض فيما يعرض (الاعتداء على حقوق الفلسطينيين في سورية)، من اعتقالات وتعذيب وتصفيات جسدية، وإجراءات تعسفية وحرب نفسية، واقتحام مقر منظمة التحرير الفلسطينية وتقييد أنشطتها والتدخّل في شؤونها الداخلية.
المرحلة الرابعة: مرحلة التسوية الاستسلامية والانتفاضة الفلسطينية (1991-2001م)
ثلاث حروب عربية إسرائيلية خاضتها الحكومات العربية كانت حصيلتها خاسرة، في حرب 1948م قام الكيان الصهيوني على قسم كبير من الأرض الفلسطينية، وفي حرب 1967م خسرت سورية جبهة الجولان المنيعة، وخسر العرب ما بقي من فلسطين كالضفة الغربية وغزة، وخسـرت مصـر أرض سيناء، وفي حرب 1973م خسرت سورية (36) قرية أخرى على امتداد الحدود مع الأرض المحتلة ، فكانت -كما سماها أنور السادات- حرب تحريك للقضية لا حرب تحرير، وهذا التحريك مهّد السبيل لما طرح فيما بعد باسم: (التسوية السلمية) لقضية فلسطين، برعاية الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وكانت اتفاقات فكّ الاشتباك على الجبهة السورية والمصرية بمساعي وزير الخارجية الأمريكية (كيسنجر) أحد الأسباب الممهّدة لمشروعات التسوية، كما كانت خطوة السادات بالذهاب إلى القدس، وتوقيع اتفاقية (كامب ديفيد) عاملاً آخر في هذا الاتجاه. وعلى الرغم من الدور المؤثّر الذي نهضت به المقاومة الفلسطينية، والاعتراف بمنظمة التحرير ممثلةً للشعب الفلسطيني.. ظل الميزان مختلاً لصالح الكيان الصهيوني، لأسباب متعددة أهمها أن الأنظمة العربية لم تواجه المشروع الصهيوني العدواني التوسعي بمشروع عربي مكافئ، لأنها أصلاً لا تفكر بمثل هذا المشروع، على الرغم من تحذيرات المنظمات الشعبية العربية لا سيما جماعة الإخوان المسلمين.
لقد حذّر الإخوان المسلمون وما زالوا يحذّرون، بأن السلاح المادي على أهميته ليس العامل الوحيد في كسب الحروب، وأن الإنسان العـربي الحرّ المقـاتل، هو اللبنة الأساسية، ولكنّ الأنظمة عملت بعكس هذه الحقيقة التـاريخية، فتحوّلت شيئاً فشيئاً إلى أنظمة قمعية شمولية، تصادر الحريات العامة، وتفرض الوصاية، فإذا حاربت أو فرضت عليها الحرب، حاربت وحدها وانهزمت وحدها، ودفعت الأمة ثمن هذه الخسارات، أراضيَ تُحتَلّ، وأموالاً تُهدَر، ومستقبلاً محبطاً متخلّفاً.. ولعلّ أهمّ ركنٍ تّم تحطيمه في النفس العربية، هو عامل المقاومة وإرادة التحدّي، وكلاهما يصدران عن نفس مؤمنةٍ بالله، معتزّةٍ بتاريخ العرب الإسلامي، ودورهم الحضاري قديماً وحديثاً، أي أنّ الأمة العربية حيل بينها وبين عقيدة الاستشهاد الإسلامية، والاعتزاز بقِيَم هذا الدين التحريريّ العظيم..
 هذا هو مجمل خطاب جماعة الإخوان المسلمين في القضية الفلسطـينية، الذي ما زادته الأيام إلا قوةً ووضوحاً وإصراراً.. ولا سيما في هذه المرحلة الأخيرة، حيث حصلت الهرولة للتسويات والاستسلام..
وبوسعنا أن نمرّ بمفردات هذا الخطاب من خلال المحاور التالية:
أ- التنديد بالعدوان الصهيوني وبمن يؤازره، والكشف عن ارتباطه بالمشروع الصهيوني نهجاً ثابتاً:
بمناسبة العدوان الصهيوني على لبنان أصدرت الجماعة بياناً يندّد بهذا العدوان قائلاً: (إن معركتنا مع الدخلاء المغتصبين هي معركة الأمة كلها، وهي معركة شعبنا في سورية ولبنان) وبالمناسبة تعلن الجماعة تأييدها المطلق للمقاومة وتدعو لمساندة المقاومة اللبنانية، وتطرح إشارة استفهام عن حقيقة الدور السوري في لبنان، وتفضح حقيقة السلام المزعوم، وأن ليس لأمتنا إلا خيار الجهاد (لندن – 2000/2/11م).
وحول العدوان الصهيوني على القدس والأقصى أصدرت الجماعة بياناً آخر تستنكر هذا العدوان وتعلن: (إن القدس قدسُنا، وإن الأقصى مسرى نبيّنا.. وإن فلسطين موطنُ رسالات الأنبياء، وحاشا أن تترك هذه المقدسات لمن قتلوا الأنبياء..) وحيّا البيان روح المقاومة والجهاد في شعبنا الفلسطيني، ونصح رجال السلطة الفلسطينية بأن يتوقّفوا عن اللهاث وراء أوهام الجدل السياسي، ودعا البيان أبناء شعبنا السوري وأبناء الأمة العربية والإسلامية حكاماً ومحكومين، إلى نبذ الخلافات وإلى عملية إنقاذٍ فوريّة (لندن 2000/9/30م).
وفي بيان وتصريح آخرين ندّدت الجماعة بتهديد (ديفيد ليفي) بقتل أطفال فلسطين (2000/3/26م).. وعقّبت على تصريح نائب رئيس وزراء فرنسا حين وصف المقاومة اللبنانية بالإرهابية (2000/2/27م).
ب- الانتصار للمقاومة الفلسطينية واللبنانية ودعمهما:
في مقابلة للمراقب العام للجماعة، مع جريدة (القدس العربي)، تحدّث عن المقاومة ومنظمة حماس قائلاً: (إنّ عمليات حمـاس الاستشـهادية عملياتٌ جهادية، تعبّر عن رفض الشعب الفلسطيني للاحتلال.. إن مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة، حقّ مشروع تقرّه جميع الشرائع والقوانين).
وفي بيان للجماعة بمناسبة انتصار المقاومة اللبنانية، وانسحاب قوات الاحتلال الصهيونيّ: (التحية والإجلال لرجال المقاومة اللبنانية الذين صنعوا بفضل ربهم، ثم بإيمانهم وجهادهم وصبرهم ومصابرتهم، ودماء شهدائهم، هذا النصر الأغر)، ويهنئ البيان الشعب اللبناني الشقيق، ويقول: (إن السؤال الحقيق أن يطرح: لماذا لا تتكرّر التجربة على أرضنا المحتلة في الجولان الحبيب) (2000/5/25م).
ج- رفض مشروعات التسوية الاستسلامية، وعدم التفريط بأي جزء من أوطاننا:
في مقابلة للمراقب العام مع صحيفة الأردن (1999/8/3م) يجيب على سؤال: (نحن جزء من الحركة الإسلامية العالمية، وموقفنا معلن ومعروف من قضية الصلح مع اليهود، فلا نقبل إعطاء الشرعية للاحتلال، وليس من حقّ أحدٍ مصادرةُ حقّ الأجيال القادمة في استرداد الحقوق المغتصبة إن كان هو عاجزاً عن ذلك، لذلك تحفّظنا على مؤتمر مدريد وعارضناه، وما زلنا نعارضه).
د- كشف أبعاد المشروع الصهيوني والتوعية به والتحذير منه، وأخذ تهديداته مأخذ الجدّ، والمبادرة إلى وضع المشروع العربي المكافئ، ووضعه موضع التنفيذ:
ففي البيان الختامي لمجلس شورى الجماعة جاء ما يلي: (إن جماعة الإخوان المسلمين في سورية التي ترفض التنازل عن أي شبر من الأرض العربية المحتلة أو عن السيادة عليها، لتحذّر أولاً من التخلّي عن القضية الفلسطينية _جوهر الصراع مع العدو_ كما تحذّر ثانياً من التفريط بالسيادة على الجولان، ومن أيّ شكلٍ من أشكال الوصاية الأمنية، من خلال مناطق منزوعة السلاح، أو أجهزةٍ للإنذار المبكّر، أو تقليص حجم القوات السورية أو الحدّ من تسليحها، بما يتفق مع إرادة العدو الصهيوني.. وإن مجلس الشورى ليدعو إلى التماسك ضدّ المشروع الصهيوني، بتبنّي مشروعٍ وطنيّ شامل، يضع الأمة في الموقع الذي يؤهّلها لمواجهة العدو المتغطرس، ويتم ذلك ابتداءً بالتلاحم بين جميع فئات الشعب، في وحدةٍ وطنيةٍ حقيقية..) شباط 2000م.
وفي بيان آخر للجماعة (تدعو أبناء الوطن جميعاً -لا سيما أصحاب القرار- إلى تبنّي خيارٍ بديلٍ لخيار السلام المزعوم.. خيارٍ وطنيّ بديل، يكون محلّ إجماعٍ شعبيّ) من خطوطه العريضة: (ترسيخ عقيدة وطنية عامة، تؤكد بأن عدونا الأول.. هو المغتصب الصهيوني لأرضنا في فلسطين، كلّ فلسطين.. وحشد طاقات الوطن والأمة كلها، على الصعيدين الرسمي والشعبي، وتوظيفها في مشروعٍ وطنيٍ وقومي.. ووضع استراتيجية وطنية، تقلب المعـادلة على العـدو، وتجعله يدفع ثمن احتلاله للأرض، وإذلاله للإنسان.. وتعتبر هذا الخيار مدخلاً إلى عهدٍ جديدٍ ينتقل بالأمة والوطن، من حال الفرقة والتشتّت والضياع، إلى حال الوحدة والاجتماع..) 2000/3/29م.
ه‍- التنبيه إلى استفادة المشروع الصهيوني من صراعاتنا البينيّة، وإقصاء الرأي الآخر: في مقابلة المراقب العام مع قناة الجزيرة في شهر تموز 1999 أجاب على سؤال: (نعتقد أن المستفيد الأول من إقصائنا عن الساحة السياسية في سورية هي (إسرائيل)، وما ذكرته عن تحليل صحيفة (هآرتس)، فالكاتب يقول بالعبارة الواحدة: حتى الآن نحن لم نكفّ عن الحديث عن المذبحة التي ارتكبها الأسد بحق الإخوان المسلمين، الأسد لم يجد طريقةً أخرى للسيطرة على الأصولية، ومن حسن حظّنا أنه ذبحهم، وسيطر عليهم، وقد يكون من واجبنا أن نكون أول من يشكره).
و- موقف الجماعة من المفاوضات السورية مع الكيان الصهيوني: في مقابلة مع صحيفة القدس العربي بتاريخ 1999/7/21م يقول المراقب العام للجماعة: (إن الحركة ما زالت على موقفها في الوقوف مع سورية ضد أي خطرٍ خارجيٍ، وهو ما ذكرته في بياناتٍ عدّة: عندما تشكّل التحالف الإسرائيلي التركي، وما تبعه من تهديداتٍ تركيةٍ لدمشق، والتفجيرات التي وقعت في دمشق عام 1997 م. وإنه على الرغم من تحفّظ الحركة الإسلامية على محادثات السلام مع (إسرائيل)، إلا أنها دعّمت موقف المفاوض السوري، الذي يصرّ على استعادة كامل الأراضي المحتلة.
ز- متابعة التطوّرات باستمرار، لا سيما العدوان الصهيوني على موقع الجيش السوري في لبنان، وتذكير الجماعة، بأخذ تهديدات العدو السابقة مأخذ الجدّ، وضرورة الاستعداد، وعدم التعلّل بعدم الاستجرار إلى معركةٍ لم نختر زمانها ومكانها طوال ثلاثة عقود، وذلك في بيان للجماعة تستنكر فيه العدوان على جيشنا العربي السوري في لبنان جاء فيه: (إن جماعتنا لتدعو ، إلى مواجهة الحالة الصهيونية بالخطوات التالية:
أولاً: إسقاط خيار السلام الاستراتيجي.
ثانياً: فتح جبهة الجولان.
ثالثاً: تجنيد الأكفاء المخلصين من رجال السياسة والخبرة العسكرية.
رابعاً: فتح السبل أمام المشاركة الوطنية الفعالة، وإطلاق طاقات الفرد والمجتمع، وتجنيدها في المعركة الأساسية ضد هذا العدو الشرس.
خامساً: تشكيل قيادة إقليمية موحّدة لمواجهة الحالة الشارونية.. وتختتم الجماعة بيانها الأخير المؤرخ في 2001/4/16 بهذا النداء:
إننا نلمح في الأفق نذر مأساةٍ جديدة، ونكسةٍ قادمة تقودنا إليها حالة التشرذم واللامبالاة والخنوع والضياع…. وإنها كلمة الرائد الذي لا يكذب أهله، وصيحةٌ نرجو ألاّ تضيعَ في واد، ودعوةٌ مخلصةٌ إلى رصّ الصفّ، وتوحيد الكلمة، والاجتماع على خيار العزّة والكرامة والتحرير، خيار المقاومة والجهاد.

محرر الموقع