الإخوان المسلمون في سورية

الإسلام منهج الحياة (3).. الأصل الثاني، أو وسيلة تحقيق الهدف: الجهاد في سبيل الله

الإسلام منهج الحياة (3)..

الأصل الثاني، أو وسيلة تحقيق الهدف: الجهاد في سبيل الله

أولاً: نتائج الحلقتين السابقتين

لقد انتهينا في الحلقتين السابقتين (1و2) إلى النتائج المهمة الآتية:
1- يتحوّل الناس في ظل تشريع بعضهم لبعضٍ إلى: أربابٍ يُشرِّعون أو يضعون مناهج الحياة، وعبيدٍ يُطيعون: ((وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّه)) (آل عمران: من الآية 64).
2- إنّ الخطأ يؤدي -عند التنفيذ- إلى الظلم، والمعصوم عن الخطأ وحده، هو الذي يليق به أن يُنظّمَ حياة الناس، ويضعَ لهم مَنهج حياتهم ودستورهم.
3- إنّ المظالم الواقعة الآن في الإنسانية، نابعة من الأساس الذي تقوم عليه المناهج والأنظمة التي يُحكَم بها الناس، وهو: (بشرية هذه المناهج) التي وضعها البشر الذين يخطئون، فيَظلمون.
4- إنّ القرآن الكريم يقرّر، أنّ الذين يُنظمّون حياةَ الناس بمناهجهم الوضعية، يتحوّلون إلى أربابٍ مُزَيَّفين: ((اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ)) (التوبة:31).
5- إنّ الذي يُطيع واضع التشريع في معصية الله، يرفعه إلى رتبة ربّ العالمين: ((إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)) (الشعراء: 98).. وبذلك يُشرِك بالله عزّ وجلّ: ((.. وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)) (الأنعام: من الآية 121).
6- إنّ هدف الإسلام في الأرض هو: (لا إله إلا الله)، وهو الأصل الأول في الإسلام، الذي يـُحرّر الإنسانَ من العبودية لغير الله سبحانه وتعالى.. فلا واضع لمنهج الحياة إلا الله عزّ وجلّ، ولا طاعة إلا له، ولا تنفيذ إلا لشرعه القويم، ولا خضوع إلا إليه عزّ وجلّ، من غير كل القوى وجبابرة الأرض.
* * *

ثانياً: ما السبيل إلى تحقيق هدف الإسلام في الأرض؟

نتساءل:
1- كيف يتغلّب المسلم على واقعه، فيسير لتحقيق هدفه، وهو: تحقيق العبودية لله عزّ وجلّ وحده، من غير شِرْكٍ أو اتّباعٍ لغير مَنهجه القويم؟!..
2- وما الوسيلة إلى تحقيق هدف الإسلام في الأرض: (لا إله إلا الله)، أي: لنبذ كل الأرباب المزيَّفين والطواغيت، ورفض مخطّطاتهم ومشروعاتهم الخبيثة، وتَبنّي منهج الله عزّ وجلّ وحده.. ثم لتحرير النفس والمجتمع والإنسانية، من الظلم الناجم عن المناهج الوضعية الخاطئة الظالمة؟!..
– الجواب أو الحلّ هو: ما ورد في الآية الكريمة العظيمة:
((فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً)) (الفرقان:52).
أي: جاهدهم بالقرآن العظيم (بِهِ)، أي بمنهج الله عزّ وجلّ وحده، وبدستوره وشرعه وحده.
* * *

ثالثاً: المفاهيم التي تعرضها الآية الكريمة

1- تحريم الانصياع للأرباب المزيّفين، الذين يُنظمّون حياة الناس بمناهج وضعيةٍ من غير منهج الله عزّ وجلّ، بما يناقِضه، ورفض طاعتهم في ذلك بالوسائل الشرعية المناسبة، لأنهم خاطئون ظالمون لا يعملون لتحقيق العبودية لله عزّ وجلّ، في شؤون الحياة كلها، أو في بعضها.
2- جهاد الطواغيت الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، ومقارعتهم بما قرّره القرآن العظيم، الذي هو منهج المسلم الذي ارتضاه الله له وأمره بتنفيذه.. مع ملاحظة أنّ هذه الآية الكريمة (مكّية) أي أنها تدعو إلى الجهاد الكبير به ((.. وَجَاهِدْهُمْ بِهِ..)) أي: بالقرآن العظيم، أي: بمنهجه وحده!.. وعندما نزلت هذه الآية في مكة المكرّمة، لم يكن الأمر بالقتال قد نزل، فالأمر بالقتال حصل -كما هو معروف- في بداية العهد المدنيّ!.. وهكذا فإنّ:
– الأمر بالجهاد نزل في بداية الدعوة في المرحلة المكّية.
– ثم تكاملت معاني الجهاد، إلى أن نزل الأمر بالقتال في بداية المرحلة المدنية: ((أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ..)) (الحج: 39 ومن الآية:40) .. لذلك فقد حدّد الإسلام أنواعاً للجهاد، صنّفها العلماء تصنيفاتٍ عدة.
* * *

رابعاً: أنواع الجهاد في سبيل الله

لقد فرض الله عزّ وجلّ الجهادَ على المسلمين -كما أسلفنا- منذ بداية الدعوة، وذلك لتحقيق هدف الإسلام في الأرض، ولتعميمه في أركانها، حتى يكونَ مَنهج الله عزّ وجلّ هو الوحيد الذي يحتكم إليه الناس في كل زمانٍ ومكان، وحتى تُنبَذَ المناهج البشرية القاصرة الطاغية الظالمة، التي وضعها الأرباب المزيّفون، الذين يستعبدون بها الناس، ويَسْتَرِقّونَهم بِنُظُمِها!.. وقد صنّف الإمام (ابن القيّم) -رحمه الله- الجهادَ إلى أربعة أقسامٍ رئيسة:
1- جهاد النفس:
– على تعلّم الهدى ودِين الحق.
– وللعمل بالهدى ودِين الحق.
– وللدعوة إلى الهدى ودِين الحق.
– وللصبر على مشاقّ الدعوة وأذى الأعداء.
2- جهاد الشيطان:
– للاستقامة على منهج الله عزّ وجلّ.
– ولرفض ترك مَنهج الله إلى غيره من المناهج الظالمة الباغية.
3- جهاد الظلمة والمنحرفين وأصحاب البدع السيّئة والمنكرات.
4- جهاد الكفار والمشركين والمنافقين: لهدايتهم، ولتعميم الإسلام في الأرض.. وذلك بالمال والنفس واليد واللسان والقلب.
– والجهاد بكل أنواعه (فرض عَينٍ) على كل مسلمٍ، حتى يتحقّق هدف الإسلام في الأرض، وهو تحكيم منهج الله عزّ وجلّ فيها، لأن تحقيق الهدف (وهو الحكم بما أنزل الله) فرضٌ على المسلم، فوسيلته (الجهاد في سبيل الله) فرضٌ أيضاً حتى يتحقق.
– ومَن يجاهد في سبيل الله عزّ وجلّ لتكون كلمة الله هي العليا، ولتحرير شعبه وأمّته من سيطرة القوى الشريرة الداخلية والخارجية، ولبناء الدولة المسلمة والأمة المسلمة.. فإنه ينجو من الشرك، سواء أقامت الدولة التي تحكم بما أنزل الله في حياته.. أم لم تقم.
– والمسلم الذي يرضى بأن تُحكَمَ جوانب الحياة بمنهجٍ غير منهج الله عزّ وجلّ، أو يرضى بسيطرة أية قوّةٍ باغيةٍ على مفاصل الحياة في بلده بأي شكلٍ من الأشكال، ولا يسعى لتغيير هذا الواقع بالجهاد بأنواعه المناسبة، وبمقتضى الحديث الشريف: (مَن رأى منكم مُنكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه.. وذلك أضعف الإيمان) (مسلم).. وحسب الإمكانية القصوى والظروف المتاحة.. فهو قد رضي لنفسه أن يقع في خطر الشرك، لأنه قعد ورضي بواقع الظلم والحكم بغير ما أنزل الله، ورضي بالظلم منهجاً تفرضه القوى الطاغية الباغية الداخلية والخارجية المختلفة، على شعبه وأمّته وبلده!..
لماذا؟!..
1- لأنّ التفريط بالجهاد.. سيؤدي إلى التفريط بأصل الإيمان الأول (لا إله إلا الله)، والتفريط بأصل الإيمان.. سيؤدي إلى التفريط ببعض الإسلام، والتفريط ببعض الإسلام.. سيؤدي إلى التفريط بالإسلام كله، وبالتالي سيؤدي إلى الخروج الكامل عن الإسلام.. أعاذنا الله من ذلك وأجارنا، وجعلنا من الدعاة المجاهدين المخلصين في سبيله.
2- ولأنّ مجاهدة المخططات الأجنبية، ومقاومتها، ومقاومة احتلالها، مهما كان شكله أو صورته أو أسلوبه، ومقاومة كل القوى التي قدمت على ظهور دباباتها أو تتواطأ معها.. والوقوف بوجه عملائها من أنظمة الحكم أو الأحزاب أو التشكيلات أو المؤسسات أو الهيئات أو الأشخاص.. والعمل على إفشالها وطردها وإسقاطها.. هو فرض عَينٍ على كل مسلمٍ حتى يتحقق هدف تحرير الأوطان والبلدان والإنسان بشكلٍ كامل، وتتحقق بالتالي معاني العبودية لله عزّ وجلّ وحده.. وحده.. في الوطن والأرض.
* * *

خامساً: ماذا يعني ترك الجهاد؟

لنناقش ذلك بالمنطق الذي بدأنا به:
1- إنّ ترك جهاد النفس: سيؤدي إلى خروجها عن الهدى، فتنحرف وتصبح عوناً للطاغوت الذي لا يحكم بما أنزل الله.
2- وترك جهاد الشيطان: سيؤدي إلى الانحراف عن منهج الله، والتنقّل بين المناهج الوضعية الظالمة المختلفة، والضياع في متاهاتها.
3- وترك جهاد الظلمة والمنحرفين: سيؤدي إلى سيطرتهم على مقاليد الأمور، وإدارة شؤون الأمةَ كلها، وفق أهوائهم وانحرافاتهم وضلالهم ومناهجهم الظالمة الطاغية الباغية.
4- وترك جهاد الكافرين والمنافقين وأصحاب العقائد الهدّامة المشبوهة: سيؤدي إلى ضعفٍ عامٍ للمسلمين، وإلى سيطرة أعدائهم عليهم وعلى أرضهم وبلادهم وأوطانهم، ثم على عقولهم وأخلاقهم ومواردهم وثرواتهم.. ما يؤدي بالنتيجة إلى دمارٍ شاملٍ للأمة، وإلى هلاكها، حين يقبل أبناؤها بوقوعها رهينةً بأيدي العدوّ الكافر أو المشرك الضال الظالم المعتدي!..
إذن: ترك الجهاد بأنواعه، سيؤدي إلى حصيلةٍ كارثية، نـُجملها في نتيجتين مُدَمِّرتين للفرد المسلم وللأمة المسلمة، حدّدتهما الآية الكريمة الآتية:
((إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)).. (التوبة:39).
– أي: إِلاّ تَنْفِرُوا (إن لم تجاهدوا):
1- يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً (وهو الشقاء الدنيوي المروِّع، فضلاً عن عذاب يوم القيامة)!..
2- وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ (وهو الهلاك العام الشامل، والزوال التام، والذلّ العام، والعبودية للظالمين الطغاة والأعداء)!..
– وقد أجمل رسول الله صلى الله عليه وسلم نتائجَ ترك الجهاد، بالحديثين الشريفين الآتيين:
1- [إذا تَبايَعْتُم بالعِينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد.. سلّط الله عليكم ذُلّاً (أي عبوديةً) لا ينـزعه عنكم إلا العودة إلى دِينكم (أي العودة إلى منهج الله عزّ وجلّ وشرعه)]. (رواه أبو داوود وصحّحه الحاكم).
2- [يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكَلَة إلى قصعتها (لأنّ الأمة متخاذلة متهالكة ميّتة)، فقال قائل: ومن قلّةٍ نحن يومئذٍ؟!.. قال: بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل (أي كثيرون ولكن بلا شوكةٍ ولا وزنٍ ولا قوّة)، ولَيَنْزَعَنَّ اللهُ من صدورِ عدوّكم المهابةَ منكم (لعدم وجود قوّةٍ حقيقيةٍ لكم)، ولَيَقْذِفَنَّ في قلوبكم الوَهْن، فقال قائل: وما الوهْن يا رسول الله؟!.. قال: حُبُّ الدنيا وكراهيةُ الموت (لاستفحال الفساد وترك الجهاد بأنواعه، فتصبح الحياة الدنيا هي الهدف)!..] (أخرجه أبو داود).
وبذلك تصبح الأمة -بترك فريضة الجهاد بأنواعه المذكورة- هالكةً، بلا شوكةٍ ولا قِيمةٍ ولا وزنٍ حقيقيّ، تأكلها الأمم الأخرى، وتستهين بها، وتُذِلّها، وتُهينها، وتفعل بها الأفاعيل!.. ولسنا بحاجةٍ لسرد عشرات الأمثلة الماثلة أمامنا بوضوح، مما نعيشه واقعاً ملموساً محسوساً، ومما بدأ في الأندلس ولم ينتهِ في فلسطين وأفغانستان والعراق وسورية.. وغيرها!..
يتبع إن شاء الله
* * *

د. محمد بسام يوسف