إسماعيل ياشا
نشرت معظم وسائل الإعلام تصريحات منسوبة إلى وزير الخارجية التركي، مولود تشاوش أوغلو، توحي للوهلة الأولى بأن تركيا مستعدة للتعامل مع بشار الأسد، إلا أن من يقرأ تلك التصريحات كاملة ويتأمل فيها يرى أن الوزير التركي لم يقصد ما كُتب في العناوين، بل كان قصده أن الشعب السوري هو الذي سيقرر عبر صناديق الاقتراع من سيحكم سوريا، وأن تركيا ستحترم إرادة الشعب السوري.
تصريحات تشاوش أوغلو المثيرة جاءت خلال مشاركته في منتدى الدوحة، حيث رد على سؤال: “هل يستسيغ وجود دور للأسد في مستقبل سوريا؟”؛ قائلاً إن الأولوية الآن في هذه الفترة هي لصياغة دستور للبلاد. وشدد على ضرورة إجراء انتخابات ديمقراطية وشفافة في سوريا، تحت مظلة الأمم المتحدة، مضيفاً أنه في حال جرت انتخابات ديمقراطية ونزيهة في سوريا وفاز بها بشار الأسد، فإنه قد يكون على الجميع النظر في العمل معه.
هذه التصريحات قابلة لإساءة الفهم، ويبدو أن تشاوش أوغلو قالها وهو يؤمن تماماً بأن الشعب السوري لن ينتخب بشار الأسد في أي انتخابات ديمقراطية وشفافة، إلا أن هناك جهوداً حثيثة تبذلها أطراف دولية وإقليمية لإعادة تأهيل بشار الأسد ونظامه، كما أشار إليها رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، الاثنين، في كلمته بمدينة قونيا، حيث ذكر أن “الشخص الممسك بمقاليد السلطة في سوريا يسعى للحفاظ على موقعه، وأن البعض يعينه على ذلك، رغم مقتل مليون مسلم في هذا البلد”.
السؤال الذي يجب طرحه قبل الحديث عن الاحترام لإرادة الشعب السوري هو: “هل يمكن إجراء انتخابات ديمقراطية ونزيهة في ظل الظروف الراهنة، ولو تحت مظلة الأمم المتحدة؟”. ومن المؤكد أن الكثير من المتابعين لشؤون المنطقة سيردون على هذا السؤال بالنفي، كما أن هناك مخاوف لدى المؤيدين لثورة الشعب السوري من احتمال تنصيب الأسد كرئيس منتخب شعبياً؛ عبر مسرحية يتم تقديمها للعالم على أنها انتخابات ديمقراطية تعكس إرادة الشعب السوري.
هذه المخاوف تعززها تجارب أخرى شهدتها المنطقة، كالانتخابات المصرية التي حصل فيها عبد الفتاح السيسي على أكثر من 97 في المئة من أصوات الناخبين، وكانت مسرحية بمعنى الكلمة، حتى وإن سميت “انتخابات”. وعلى الرغم من كونها تفتقر لأدنى معايير الديمقراطية والنزاهة، اعتبرتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية انتخابات تعكس إرادة الشعب المصري، بل وفرشت السجاد الأحمر تحت قدمي قائد الانقلاب العسكري واستقبلته كرئيس منتخب.
تجربة الشعب السوري مع الأمم المتحدة هي الأخرى لا تدفع إلى التفاؤل؛ لأن الأمم المتحدة منذ انطلاق الثورة السورية إما متفرجة على ذبح مئات الآلاف من المدنيين العزل، وإما متواطئة مع النظام السوري ومنحازة له. وبالتالي، لا يمكن القول بأن إجراء الانتخابات حالياً في سوريا تحت مظلة الأمم المتحدة يضمن أن تكون ديمقراطية وشفافة. ولا يستبعد أن يتم عرض مسرحية بغطاء دولي لفرض بشار الأسد مرة أخرى على الشعب السوري؛ بحجة أن تلك المسرحية تعكس الإرادة الشعبية.
هناك تحركات إقليمية مريبة تؤكد أن مخاوف أنصار الثورة السورية في محلها. وآخر تلك التحركات زيارة الرئيس السوداني عمر البشير للعاصمة السورية. ويتوقع أن تعقب هذه الزيارة خطوات عربية أخرى باتجاه المصالحة مع النظام السوري؛ تهدف إلى إعادة ترتيب الأوراق والأولويات في المنطقة، بالتزامن مع إعلان المبعوث الأمريكي إلى سوريا، جيمس جيفري، أن بلاده لا تسعى إلى التخلص من بشار الأسد.
وزير الخارجية التركي في تعقيبه على الجدل الدائر حول تصريحاته التي أدلى بها في الدوحة؛ أكد أن تلك التصريحات لا تتضمن ما يشير إلى أن أنقرة ستعمل مع بشار الأسد أو أنها تصوّب ما يفعله، وقال: “لم نقل في أي وقت أننا نصوّب ما فعله الأسد، ولن نقول”، ما يعني أن أنقرة ما زالت متمسكة بضرورة رحيل الأسد عن السلطة.
الانتخابات الديمقراطية لها معايير لا تسمح لأي مرشح لا تتوفر فيه شروط الترشح أن يخوض السباق. ومن المؤكد أن بشار الأسد فقد الأهلية للترشح منذ زمن بعيد، وليس له مكان في مستقبل البلاد، بل المكان الوحيد الذي ينتظره هو كرسي في محكمة العدل الدولية في لاهاي؛ ليحاكم على الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ارتكبها منذ ثماني سنوات. وبالتالي، لا داعي للحديث عن افتراض فوزه في انتخابات ديمقراطية يتم إجراؤها بعد صياغة الدستور.
“عربي21”