الإخوان المسلمون في سورية

المواجهة الأمريكية الإيرانية في وارسو

محمد زاهد جول

 

شهد يوم 14 فبراير /شباط الجاري مؤتمرين دوليين كبيرين، الأول منهما مؤتمر وارسو بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية وستين دولة حليفة لها، اجتمعوا في العاصمة البولندية وارسو، بدعوى تقديم وعد أفضل للعالم، ومواجهة التحديات الكبرى، التي على رأسها، بحسب زعم نائب الرئيس الأمريكي مايكل بنس، في كلمته أمام المؤتمر «مواجهة الإرهاب الإسلامي الراديكالي» الذي تمثله إيران و»داعش»، وفي تقدير مايكل بنس أن هذا الإرهاب تم إضعافه كثيراً في عهد الرئيس ترامب، في العامين الماضيين مع حلفائه من الأمم الأخرى، وقال بنس إن مؤتمر وارسو يمهد ويشيد عصراً جديداً.

 

والمؤتمر الآخر هو مؤتمر القمة الثلاثية بين روسيا وإيران وتركيا في مدينة سوتشي الروسية، والهدف الأكبر له مستقبل سوريا، وكيف يمكن لهذه الدول الثلاث الضامنة لبعض الاتفاقيات السابقة بخفض التصعيد، أن تواصل جهودها لإنهاء الصراع في سوريا، والقضة الأهم بالنسبة لتركيا وروسيا هي اتفاقية إدلب التي وقعت بينهما في سبتمبر/أيلول 2018، وتأمين شمال سوريا، بعد قرار الانسحاب الأمريكي منها.

 

وقد صدر عن الرئيس الروسي بوتين تأكيد عن رضاه عن مستوى التعاون بين روسيا وتركيا حتى الآن، ولكن المستقبل هو رهن ما سوف ينتج عنه من اتفاقيات أمنية وعسكرية بين تركيا وأمريكا أيضاً، وفي النهاية فإن كل المؤتمرات تبحث الوصول إلى تشكيل هيئة صياغة دستور لسوريا الجديدة.

 

في كلمة نائب الرئيس الأمريكي في مؤتمر وارسو، وصف النظام الإيراني بالنظام الذي ينهب أموال شعبه، وندد بتدخلات نظام الملالي في شؤون دول المنطقة، وقال إن النظام الإيراني يسعى إلى إقامة امبراطورية فارسية في العراق وسوريا ولبنان، وقال في سوريا القوات الإيرانية دعمت قوات الأسد، عندما أوشك على السقوط، وإن إيران دعمت بناء 100 ألف صاروخ لحزب الله في لبنان، وفي العراق تقوم المليشيات المدعومة من إيران بالاعتداء على القوات الأمريكية، وبعد تشتيت خلافة «داعش» لا يزال أكثر من مليون مواطن عراقي مبعدين عن بيوتهم بسبب التدخل الإيراني. وفي اليمن أكثر من مليون شخص يواجه مرض الكوليرا والمجاعة وغيرها.

 

هذه المعلومات يكررها المسؤولون الأمريكيون وتعلمها شعوب المنطقة كلها، فما الفائدة من تكرارها في المؤتمرات الدولية، بدون عمل أمريكي حقيقي لإخراج إيران من المنطقة، فالمطلوب هو الخطوات الحقيقية لمواجهة العدوان الإيراني على دول المنطقة وشعوبها، كما أن بنس وبومبيو لم يتحدثا عن مسؤولية الإدارات الأمريكية السابقة التي تعاونت مع إيران لاحتلال العراق، ومنحتها حق التدخل في سوريا واليمن مقابل توقيعها على الاتفاق النووي السابق في يوليو/تموز 2015.

 

أمريكا بهذه الأساليب تمارس الدور نفسه الذي تقوم به حكومة الملالي بادعاء الصراع مع أمريكا، ولكنها لا تفعل شيئاً ضدها، ولا ضد الدولة “الإسرائيلية”، بل إن أقصى ما قام به الجيش الإيراني بعد مقتل ثمانية من الضباط الإيرانيين، إثر قصف “إسرائيلي” لمواقعهم في سوريا، هو أنهم أطلقوا بضعة صواريخ على هضبة الجولان، بدون أن يكون لها أثر، مدعين بذلك بطولة الرد على “الإسرائيليين”، فلم يجرؤوا على توجيه ضربة مباشرة لهم، فما فائدة الحرب الكلامية بينهما؟

 

قمة سوتشي هي القمة الثلاثية الرابعة حول سوريا، بين الرئيس التركي أردوغان ونظيريه الروسي فلاديمير بوتين، والإيراني حسن روحاني، ولا بد أن هذه القمة ستناقش قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا، لأن الانسحاب الأمريكي، إن تم سيترك سوريا لهؤلاء الرؤساء لتقرير مستقبلها، والتصريحات الأمريكية حول الانسحاب متناقضة، فقد وعد جنرالات البنتاغون قبل يومين بأن يكون الانسحاب خلال ثلاثة أسابيع، بينما صدر عن الكونغرس الأمريكي قبل أسبوع تأكيد على أن الانسحاب لن يتم قبل اتخاذ تدابير تحفظ الاستقرار فيها، وتأمين مستقبل حلفائها من القوات التي قاتلت تنظيم «داعش»، والمقصود تأمين «قوات سوريا الديمقراطية»، وهو ما يدفع تركيا للمراهنة على التفاهم مع روسيا، أكثر من المراهنة على التفاهمات الآنية مع أمريكا، رغم أنها لا تستطيع الاستغناء عن التحالف الاستراتيجي مع أمريكا والغرب.

 

إن الحرب التي تخوضها أمريكا مع إيران هي حرب اقتصادية وسياسية، والهدف منها أن تكون العقود التجارية بعد رفع العقوبات مع الشركات الأمريكية، وليس مع الشركات الأوروبية أو غيرها، ولذلك رفضت الدول الأوروبية الكبرى متابعة أمريكا في عقوباتها على إيران، وتحايلت عليها باتفاقيات تجارية ومالية تنتقدها أمريكا بشدة، لأنها تعرقل خططها، التي تهدف بها خدمة قضاياها واقتصادها ونفوذها في الشرق الأوسط، فالعقوبات الاقتصادية لن تقضي على حكومة الملالي باعتراف المسؤولين الأمريكيين، وبالتأكيد فقد أثرت العقوبات الاقتصادية كثيراً على الشعب الإيراني وأجاعته، والحرب السياسية الأمريكية ضد ايران تتمثل في عزل إيران عن العالم، وهذا لن يسقط حكومة الملالي، بل سيدخل إيران في استنزاف داخلي فقط، لأنه سيدفعها لاتباع سياسة الاتحاد السوفييتي السابق، في استنزاف أموال الشعب في بناء ترسانة عسكرية لا قيمة لها في الحرب الحديثة، فما أهلك الاتحاد السوفييتي هو استنزاف الاقتصاد على السلاح، بدل بناء البلاد وإطعام الشعب، فثار الشعب السوفييتي وأسقط الحكم الشيوعي ودمر أسلحته بيديه. إن النفوذ الذي تدعيه إيران في المنطقة هو على حساب الدول العربية، وليس على حساب أمريكا ولا “إسرائيل”، فقول روحاني في الذكرى الأربعين: «شهد العالم أن إيران عندما قررت مساعدة شعوب سوريا والعراق ولبنان وفلسطين واليمن حققت النصر، وأن الأعداء يعترفون الآن بهزيمتهم»، هو مجرد خداع وكذب وتزوير للحقائق، فشعوب هذه الدول لم تجد من إيران المساعدة ولا التأييد، وإنما القتل والتدمير ومشاريع التغيير الديمغرافي الطائفي والفارسي، ظناً منهم أن احتلالهم لهذه البلدان وطرد سكانها منها سيؤدي إلى تحويل هذه البلاد إلى التابعية الإيرانية الطائفية، وهذا جهل بحقائق التاريخ وماضي الاستعمار القريب في هذه البلاد.

 

لقد بلغ القادة الإيرانيون مبلغاً عالياً من التبجح والغلو في التعبير عن احتلالهم للأراضي العربية، فأحد قادة الحرس الثوري الإيراني يقول في الذكرى الأربعين: «إن طهران لن تسحب قواتها من المنطقة»، وكأنه يرفض بذلك دعوات أمريكية لكبح النفوذ الإقليمي الإيراني، فهذا خداع وكذب وافتراء مماثل لسابقه، فسحب إيران لهذه القوات من البلاد العربية ليس مطلباً أمريكياً فقط، حتى يتبجح به قادة الحرس الثوري، بل هو مطلب للشعب العربي قبل غيره، وينبغي أن يكون مطلباً للشعب الإيراني أيضاً، والشعب العربي والمسلم مقتنع بالكامل بأن الجمهورية الإيرانية مجرد أداة بيد أعداء الأمة لتدميرها بأيدي الإيرانيين، فمن التبجح أن يدعي جنرالات إيران أنهم في مواجهة مع أمريكا أولاً، ومن الكذب والافتراء والتضليل أن يقولوا إن وجودهم في البلاد العربية هو لمواجهة أمريكا، بل هم شركاء في تدمير مستقبل هذه المنطقة، وتدمير قدراتها الاقتصادية والبشرية في حروب عبثية. إيران وفي ظل صراعها مع أمريكا مطالبة بأن لا تقيم حروبها مع أمريكا على الأراضي العربية، فتقارير استخباراتية تقول إن إيران تنشر قواتها في العراق مرة أخرى، كما تنشرها في سوريا ولبنان واليمن، وهذا يكشف أنها تخشى أن توجه لها ضربة أمريكية و”إسرائيلية” في ظل حكومة ترامب خلال السنة الحالية، وبذلك فهي تنشر قوات جيشها وحرسها الثوري خارج حدودها حتى تواجه حربها المصيرية مع شعبها الإيراني في مساحة جغرافية واسعة، ولكنها قبل تلك الحرب سوف تخضع للمطالب الأمريكية مهما كانت صعبة، طالما هي لم تستهدفها وهي في السلطة السياسية، ولم تعمل على إسقاطها من الحكم، ولذلك تصدر التصريحات الأمريكية بين الفينة والأخرى، بأن أمريكا لا تعمل لإسقاط الملالي من السلطة، لأن أمريكا تريد الاستفادة من وجودهم في السلطة بإرادتهم أو رغماً عنهم.

 

كاتب تركي

 

القدس العربي

إخوان سورية

أضف تعليقاً