محمد زاهد جول
يبدو أن الأحداث الساخنة على منبج وشرق الفرات على وشك الوقوع، فالتصريحات التركية الساخنة متلاحقة بأن صبر أنقرة قد نفد، وأن الخطط العسكرية والتجهيزات الميدانية أصبحت جاهزة لانطلاق عملية عسكرية جديدة.
كانت البداية بتصريحات الرئيس التركي أردوغان يوم الثلاثاء 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي قائلاً: «إن بلاده أكملت خططها واستعداداتها لتدمير الإرهابيين في شرق نهر الفرات في سوريا، وأن أنقرة ستطلق قريباً عمليات أوسع نطاقاً وأكثر فعالية في تلك المنطقة»، وقد باشرت القوات التركية منذ أيام بتوجيه ضربات ضدّ الإرهابيين في شرق الفرات، فهذا مؤشر على الاستعداد والتهيئة لإطلاق عمليات عسكرية أوسع قريباً.
تصريحات أردوغان جاءت معللة:» بأن تركيا لن تسمح إطلاقاً للراغبين بإغراق سوريا في الدم والنار مجدداً، بتنفيذ مخططاتهم عبر تحريض النظام من جهة، وإطلاق يد «داعش» من جهة أخرى»، وقائلاً: «نعلم بوجود مساع لإطلاق يد «داعش» مجدداً عبر عناصرها، الذين تلقوا التدريب من قبل أوساط معروفة وانتشروا في المنطقة». وهذا يعني أن تركيا لن تسمح بفتح معركة تزهق الأرواح وتسيل الدماء من جديد في سوريا، والجهة الرئيسية التي تخطط لإشعال المعركة هي قوات «قسد» التي تمثل ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي، وعناصر حزب العمال الكردستاني، وتحرك هذه القوات يعني موافقة أو طلب أمريكا منها أن تتحرك، لإعاقة الخطط التركية لمنبج وشرق الفرات، وبالأخص أن الإصرار التركي لا تملك أمريكا مواجهته علانية، كما حصل في درع الفرات وغصن الزيتون، لأن أمريكا تحرص على الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع تركيا أولاً، ولأن العناصر الأخرى التي تدعمها أمريكا من تلك المنظمات الإرهابية لا تملك من المصالح مع أمريكا بقدر ما تملكه تركيا مع أمريكا.
إن المعركة التي تحضر لها «قسد» الآن في المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا سوف تظهر فيها «داعش» من جديد، وقد تظهر فيها عناصر أو قوات تابعة للحشد الشعبي العراقي، وبدعم من إيران أيضاً، لأن إيران تعمل لزعزعة الاستقرار الذي فرضه التحالف التركي الروسي في سوتشي حول إدلب وغيرها، وأيده بيان القمة الرباعية في بيان القمة من قبل روسيا وتركيا وفرنسا وألمانيا الأسبوع الماضي، فالاستقرار العسكري يفرض على الدول المتابعة للأزمة السورية البحث والضغط على إخراج حل سياسي، وبالأخص من خلال تشكيل هيئة صياغة الدستور السوري المنشود، بضغط دولي وأممي كبير لن يستطيع نظام الأسد ولا حليفه الإيراني منعه، وبالأخص أن روسيا مع صياغة هذا الدستور الجديد، الذي يقلل من صلاحيات رئيس الجمهورية، وينشئ برلماناً وحكومة فاعلين ومتفاهمين مع القوى الدولية، وليست منصاعة لرئيس الجمهورية، سواء كان بشار الأسد مرحلياً أو غيره، وهو ما سوف يؤدي في النهاية إلى إخراج عائلة الأسد من حكم سوريا.
ما يلفت النظر أن أمريكا علّقت على الضربات التركية على شرق الفرات، قبل يومين، على لسان وزارة الخارجية الأمريكية قائلة: «إن أمريكا ملتزمة بأمن تركيا، وأن تركيا حليف لأمريكا في حربها على داعش»، وهذا يعني أن أمريكا تريد إرضاء تركيا بحكم وزن تركيا في المنطقة، وتحالفها معها استراتيجياً، وفي الوقت نفسه تعمل أمريكا على إرضاء قوات «قسد» التي أمسكت بالأرض لصالح أمريكا، والأرجح أن يكون التحرك التركي المقبل في منبج وشرق الفرات لا يختلف كثيراً عن العمليات العسكرية السابقة في درع الفرات وغصن الزيتون، ففي تلك العمليات تم إخراج التنظيمات الارهابية منها، على الرغم مما حفرته من خنادق، وما أقامته من متاريس، وسبب النجاح التركي لا يتوقف على فارق القوة العسكرية، ولا تخلي أمريكا عن تلك التنظيمات في تلك المناطق فقط، وإنما بسبب التأييد الشعبي من أبناء الشعب السوري المالك الأصلي لتلك المناطق وتأييده للجيش التركي، بل إن قوات الفصائل السورية المسلحة قادرة وحدها على إخراج «قسد» من هذه المناطق بدون المعونة العسكرية من تركيا إذا توقفت أمريكا عن دعم «قسد».
من المرجح أن تبدأ هذه العمليات في موعد قريب وقد يكون قبل يوم الانتخابات النصفية الأمريكية في هذا الشهر، وما يؤشر إلى ذلك تصريح وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أمام البرلمان التركي في يوم الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي قائلاً: «رغم الوعود الأمريكية المقدمة لتركيا بإخراج تنظيم «ي ب ك / بي كا كا» من منبج السورية، إلا أن التنظيم يحفر الخنادق في المنطقة كما فعل سابقاً في عفرين»، وأضاف أنه «على التنظيم الإرهابي أن يعلم جيداً أنه هو من سيُدفن في الحفر التي حفرها عندما يأتي المكان والزمان المناسبان»، وقد كشف وزير الدفاع التركي أن: التهديدات الإرهابية المقبلة من العراق نحو بلاده لا تزال مستمرة، بسبب عدم اتخاذ الحكومة العراقية وحكومة إقليم شمال العراق خطوات فعالة ضد منظمة «بي كا كا»، وهذا يفرض على تركيا أن تكون متنبهة إلى المشاريع الإيرانية في سوريا والعراق، فإيران استثنيت من مؤتمر سوتشي التركي الروسي حول إدلب 17 سبتمبر/أيلول الماضي، واستثنيت من القمة الرباعية في تركيا الأسبوع الماضي بين تركيا وروسيا وألمانيا وفرنسا، لأن الدول الأربع لا تراهن على مواقف إيران في سوريا إطلاقاً، لأن إيران تعاني من عقلية طائفية أولاً، ولا تستطيع بعد تدخلها لأكثر من خمس سنوات، بكافة قدراتها العسكرية أن تخرج مهزومة عسكرياً وسياسياً أيضاً.
لا شك في أن العمليات العسكرية التركية المقبلة في منبج وشرق الفرات، ستكون محرجة للبنتاغون أكثر من إحراجها لإدارة ترامب السياسية، لأن البنتاغون راهن كثيراً على تقسيم سوريا، وتأسيس موضع قدم دائم في سوريا، ولكن هذه الرؤية لوزارة الدفاع الأمريكية تواجه رفضاً من روسيا الاتحادية أولاً، وقد جاء بيان قمة الدول الأربع الأخيرة من روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا، مطالبا بوحدة الأراضي السورية، ولكن أخطر ما يواجه الرؤية الأمريكية في سوريا هو خطؤها بالمراهنة على عناصر أجنبية لحماية قواعدها ومصالحها على الأرض السورية، وهي الأحزاب التابعة لحزب العمال الكردستاني، فهذه ليست صاحبة الأرض أصلاً، وإقامة كيان سياسي لها في سوريا يهدد الأمن القومي التركي، وهو ما لن تسمح به تركيا إطلاقاً، ولا ترغب الحكومة الأمريكية بالتفريط بمصالحها مع تركيا لأهداف غير ممكنة التحقق ولا النجاح، وهذا يؤكد خطأ الرؤية الأمريكية في المراهنة على إقامة كيان كردي في سوريا أو العراق، لأن دول المنطقة وشعوبها لا تسمح بذلك.
كاتب تركي
القدس العربي