الإخوان المسلمون في سورية

الواثقون بأنفسهم

في شؤون الحياة يتعرّض الإنسان لمصاعب وتحديات تكون أحياناً أشد مما يمكنه التغلّب عليها، أو هكذا يبدو له، فمن الناس من يتراجع وينسحب، وقد يتسرّب اليأس إلى قلبه، ومنهم من يعزم على اقتحام الصعاب وقلبه مشحون بالأمل، وإذا أخفق في محاولة فهو واثق من أنه سينجح في محاولة ثانية أو ثالثة.
وفي هذه الأمور قد يلتبس الأمر بين الثقة بالنفس وبين الغرور، أو بينها وبين العناد، كما قد يلتبس مفهوم الثقة بالنفس وبين احتقار الآخرين الذين لا يحققون نجاحات كالتي يحققها هو.
وهنا يحسن تمحيص الأمور حتى نميز الخبيث من الطيب، فلا نقع في يأس وقنوط، ولا يأخذنا الغرور ولا العناد…
1- ماذا نقصد بـ: “الثقة بالنفس”؟ إنها شعور الإنسان بأنه صاحب قدرات وصفات إيجابية وكفاءات في بعض شؤون الحياة، أو في كثير منها، كالتفوق في بعض العلوم أو الآداب، أو الفنون، أو الرياضات البدنية، أو في كسب الصداقات وإقناع الآخرين… وبالتالي قدرته على الاعتماد على نفسه، وتحقيق أهدافه واغتنام الفرص السانحة.
2- كثير من الصفات النفسية والعقلية، فضلاً عن الصفات البدنية، تكون له نواة من الموروث أو من المكتسب في سنوات الطفولة الأولى. وإذا لم يكن للفرد إرادة في تكوين هذا الجزء، فإن إرادته يجب أن تتوجه نحو التنمية الصحيحة له. ومن هذه الصفات: الثقة بالنفس.
3- هناك مفهومٌ في علم النفس يسمّى “تقبُّل الذات”، وهو لا يعني الرضا عن الذات بكل ما فيها، إنما يعني أن يتعرف الفرد إلى جوانب شخصيته، بدءاً من الصفات البدنية، من وسامة وبنية قوية أو ضعيفة، وصحة ومرض… ثم الصفات العقلية من قوة ذاكرة وقدرة على الاستنباط وعمق التفكير، ثم الصفات النفسية كالانبساط وحب المشاركة والميل نحو الشدة أو اللين…
فهذه الصفات، البدنية والعقلية والنفسية هي رأس مال الإنسان، فما كان منها إيجابياً فيعمل على تنميته وتوجيهه الوجهة القويمة، وما كان سلبياً فيعمل على تشذيبه والتخفف منه، بقدر الإمكان.
وتقبّل الذات هو المفتاح الصحيح للثقة بالنفس.
4- إذا استثنينا فئة ضئيلة الحجم من المجتمع، وهي فئة العباقرة الذين منحهم الله قدرات نادرة، وفئة ضئيلة أخرى مقابلة، وهي فئة المتخلفين عقلياً أو المعاقين نفسياً، فإن أي فرد في المجتمع يمكن أن يقال عنه: إنه لا يمكن أن يكون ناجحاً في كل المجالات، كما لا يمكنه أن يكون عاجزاً عن النجاح في أي مجال. والإنسان الواثق من نفسه، أو الذي يريد بناء الثقة في نفسه إنما يبحث عن المجالات التي تناسب شخصيته، والنبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: “اعملوا، فكلٌّ ميسّر لما خُلق له”. رواه البخاري ومسلم والترمذي. وهذا يقتضي منه الجد والدأب والصبر والقراءة والتعلّم والاستفادة من تجارب الآخرين… ولا يضرُّه أن يتعثّر في بعض الخطوات، أو أن يُخفق في بعض التجارب. وقد قال الشاعر:
وقلَّ مَن جَدَّ في أمرٍ يؤمّله واستصحبَ الصبرَ إلا فازَ بالظّفر
وهنا يستفيد مما يسمى بـ “التغذية الراجعة”، وذلك بأن يتعلم من تجربته، ويستفيد من خطئه، ليعيد الكرّة وهو أنضج مما كان عليه في المرة الأولى، وربما احتاج إلى تجربة ثالثة، وربما وصل أحياناً إلى نتيجة أن هذا الأمر غير مناسب له فينتقل إلى عمل آخر، ولا يستمر في عمل غير ذي جدوى.
وليذكر في هذا قول دريد بن الصمّة:
إذا لم تستطع شيئاً فدعْهُ وجاوزْهُ إلى ما تستطيعُ
5- أن يتذكر في خطواته كلها، وفي مواقفه كلها أن الأمور بيد الله تعالى، وأن المؤمن لا ييئس من روح الله، لذلك يمضي، حيث يمضي، مستعيناً باللّه، طالباً العون منه. والنبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: “واستعن باللّه ولا تعجز”. رواه مسلم.
6- ومما يساعد على تقوية الثقة بالنفس:
– العناية بالصحة البدنية والنفسية وطرد الهموم، والرضا بالقضاء، وقلّة التذمّر، ومواجهة الظروف بإيجابية.
– اتباع الدورات التدريبية التي ترفع مستوى القدرات.
– المشاركة الاجتماعية للإفادة من تجارب الآخرين وخبراتهم ومعارفهم…
– العناية بالمظهر الخارجي والأناقة وحسن الهندام، من غير مبالغة في ذلك.
– وضع أهداف جزئية تُعين على تحقيق الأهداف الكبرى، فكلما تحقق أحد هذه الأهداف زاد ثقةً بنفسه.
– التحدث مع النفس بإيجابية.
– لدى تحدّثه مع الآخرين عليه أن يُعنى بالتواصل بالعيون، فهذا يجعله مقبولاً لدى الآخرين، كما يجعله يفهم مراد الآخرين… ويجعله أكثر نجاحاً في التعامل معهم.
7- أخيراً، فإن ثقة العاقل بنفسه لا يجوز أن تجعله مغروراً بنفسه، محقّراً لغيره، فاللّه تعالى قد قسم بين عباده الأرزاق كما قسم القدرات البدنية والعقلية والنفسية، فهناك من هم مثله في بعض الصفات، ومن هم أدنى منه، ومن هم أعلى منه. فليحمد الله على ما وهبه، وليتواضع لله تواضعاً حقيقياً، يشكر فيه نعمة الله، ولا يحقّر غيره من عباد الله.

محمد عادل فارس