حمزة الإدلبي
لعل من يشاهد هذا العنوان يستغرب ماهيته، حيث كيف للعقل تصديق وجود انتصارات للعرب وسط كل هذا التطور الغربي في جميع مجالات الحياة، وكيف للعرب أن ينتصرون وهم من يدعوهم الغرب بالعالم الثالث أو المتخلف.
عزيزي القارئ، لقد سجّل العرب في موسوعة جينيس الشهيرة الكثير من الانتصارات والأرقام القياسية التي تفوقت على العالم الغربي، وبالرغم من أن بضع هذه الأرقام القياسية كانت دونما منافسة من الغرب، من مثل أكبر “سدر كبسة” أو أكبر مفتاح بالعالم أو أكبر مجسم “شوكلاتة” أو أكبر “كيس شاي” أو حتى أكبر “صحن فتوش”، فهذه الانتصارات العربية لم يكن للغرب نصيب من منافستها.
أما في الأمور التي وإن لم تكن بقصد المنافسة وإنما نجح العرب فيها بإصراره وعزيمته، فتتجسد بالأمور التي تقوم عليها الحكومات في العالم كافة بينما أظهرت الحكومات العربية فيها تفوقاً على الجميع، وفي هذا تنجح الحكومات العربية بأكبر عدد من وسائل التعذيب في السجون مع تسمية عدد لا بأس به من هذه الأساليب، من مثل ذلك “الدولاب” و”بساط الريح” و”الغرفة والمفتاح” و”الشبح” و”الغسالة” وأخيراً الحرق وغيرها من التسميات التي ما أنزل الله بها من سلطان.
حتى الجرائم التي رأيناها في الحروب قد رأينا ما يجابهها مع اختلاف الدواعي، فأشكال القتل التي كنا قد سمعنا بها في الحروب بين الدول لا تضاهي ما قام به النظام الأسدي في سورية من التفنن في القتل والتعذيب واستخدام كل وسائل الحرب ضد شعبه.
وعند الحديث عن اليوم العالمي للمفقودين فلا بد للحكومات الاستبدادية العربية أن تحتل المراكز الأولى في أكبر عدد للمفقودين في بلادهم، أيضاً مع اختلاف الدواعي، حيث نجد أن أعداد المفقودين في الغرب تزداد في زمن الحروب بينما نجحت الحكومات العربية وفي أيام ازدهارها بتسجيل أعداد كبيرة من المفقودين.
وعلى سبيل المثال نأخذ حكم آل الأسد في سورية، فمنذ عهد الأسد الأب وحتى الابن الحالي بشار، فمعروف عند العرب أن من يدخل إلى السجون السورية يعتبر مفقود ومن يخرج منه يعتبرونه مولود، وكم من معتقلين اختفوا على يد حكم الأسد ولم يُسمع خبرٌ عنهم منذ اعتقالهم قبل ثلاثين عاماً!.
مسألة المفقودين السوريين ليست بالأمر الحديث أو أنها ظهرت مع الثورة السورية، بل هي موجودة في حكم الأسد منذ استيلائه على السلطة عام 1970، ومعروف عند الجميع، وهذا ما يذكّرنا بصمت المجتمع الدولي على مدار عقود، علماً أن المضطهدين من قبل النظام الأسدي متنوعي المذاهب والطوائف والأديان ولا يقتصرون على المسلمين السنة فقط كما جرى خلال الثورة السورية مؤخراً.
وفي اليوم العالمي للمفقودين أكدت وسائل إعلام عالمية بأن المنظمات المدنية تبحث عن نحو 100 ألف مفقود في العالم، موضحين بأنه العدد الأكبر الذي تم تسجيله منذ أكثر من عشرة أعوام، مع العلم بأن هذا العدد يضم الحالات المسجلة فقط، مما يعني إمكانية مضاعفة هذا العدد بدمجها مع غير المسجلين.
لقد انتصر الأسد لوحده على الغرب كافة بقدر وحشيته المستخدمة ضد الشعب السوري، وانتصرت سجونه على سجون العالم بأشكال التعذيب وكثرة الإعدامات، وهذا ما توارثه عن أبيه الطاغية الأسبق والذي نكّل بالشعب السوري على مدار عقود.
المخزي بالأمر أن جميع منظمات حقوق الإنسان تعي تماماً الجرائم التي ارتكبها آل الأسد منذ بداية عهدهم، ولم تحاول إيقافهم، وقد شاهدت على مدار سبع سنوات ما يفعله الأسد بالشعب السوري واستخدامه السلاح الكيماوي والبراميل المتفجرة وكل ما هو شنيع لقتل الشعب السوري.
لابد لموسوعة جينيس من إعادة جدولة أعمالها لتظهر للعالم انتصارات الهولوكست الأسدي الذي كان أطول زمناً من أي هولوكست آخر شهده العالم. وإنه يحق لهذا النظام أن ينافس في موسوعة غينيس على مكانة المجرم الأول الذي يفلت دائماً من العقوبة.. أما والده المآفون فقد ارتكب عشرات المجازر قبل ذلك وفي السجون قتل عشرون ألف إنسان أعزل، كانوا يشكلون بنكاً من الأهداف لإشباع النهمة السادية. ويعترف مصطفى طلاس في كتابه “أيام هزت دمشق” أنه ظل يوقع على مدى عشر سنوات قائمة إعدام مائة إنسان أسبوعياً.. ذا هو الهولكست الأسدي المستمر منذ حولي نصف قرن من الزمان دون رادع.