الإخوان المسلمون في سورية

بيان مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين في سورية

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

على وقع مستجدّات كبرى تمر بالأمة الإسلامية عامة، ومنطقتنا العربية خاصة، وسورية منها في القلب؛ وفي ظل أحداث عاصفة تكاد تطيح بكل الثوابت والأركان التي تقوم عليها المجتمعات السوية، والتي تنذر بخطر داهم، يوشك أن يصيب البعيد قبل القريب، من دون أن تجد حائط صدّ من قِيَم عامة، أو قانون دولي، أو منظومة رادعة، تقف بوجه المجرمين الذين يتقلبون في الأرض ويعيثون فيها قتلا ودمارا، أمام أعين حماة العدالة اليوم.

 

في ظل هذه الظروف، عُقدت الدّورة العاديّة السادسة لمجلس الشورى؛ ونجن ومن صميم القيم والثوابت التي تنطلق منها جماعتنا؛ نتقدم بهذه الرؤية التي نعبر من خلالها عن الوضع الراهن في بلدنا المنكوب سورية، آملين بغد أفضل لأجيال أُغرقت بالدم المسفوح ظلما على مدار سبع سنين:

 

أولا: إننا إذ نعلن تمسكنا بالحلّ السياسيّ في سورية، على أساس المرجعيات الدولية والهيئات الوطنية (الإئتلاف الوطني، والهيئة العليا للمفاوضات)؛ فإنّنا نتمسّك بثوابت الثورة السورية ووحدة المجتمع السوري والدولة المدنية لسورية المستقبل، ونتبناه حلّاً عادلاً، لا يقبل بالمجرم بشار الأسد ولا بإعادة تأهيله في أية مرحلة، ويضعُه مع كلّ من تلطّخت أيديهم بدماء الشعب السوري في ساحة العدالة، وتعيد للمظلومين حقوقهم المسلوبة.

 

ثانيا: لقد كان دور جماعتنا ومنذ ساعات الثورة الأولى، واضحا وجليا من غير لبس ولا تردد؛ مع حق الشعب في ثورته الوطنية، التي تبتغي الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، داعما ومشاركا على قدر الوسع والطاقة، ودافعا نحو التوافق وتجميع القوى وتوحيد الصفوف، ضمن المشروع الوطني الذي يظلّل الجميع.

 

ثالثا: وأمام ما يلوح في الأفق من سحب التقسيم والتغيير الديموغرافي، فإن جماعتنا تؤكد تمسّكَها بهوية هذا الشعب، ووحدة أرضه، ورفض أيّ منطلق يسير به بعيدا عن جادة الكلمة الواحدة، صفا كأنه بنيان مرصوص، لا يبغي فيه فريق على فريق ولا مواطن على مواطن، والكلّ أمام القانون سواء.

 

رابعا: لقد أدّت جماعتنا خلال المرحلة السابقة، ما عليها في أطر وطنية مفتوحة، من غير محاولة للهيمنة أو النفوذ أو التحكم، كما يزعم أصحاب الدعاية السوداء.

 

خامسا: يمثل الوجود الروسي والإيراني (بما يضم من ميليشيات حزب الله وأذرعه الأخرى) احتلالا عسكريا مباشرا لوطننا، وفي تقويمنا للمشهد السوري نطالب هذه القوى بالجلاء المباشر، ولا نرى في أيّ حلّ يتقدم به هؤلاء المحتلّون حلا سياسيا، بل هو حل عسكري يسعون إلى فرضه بالقوة والإكراه.

 

وإنه بحسب منطق الأشياء وما تقرره الشرائع والقوانين الدولية، فإن المقاومة الوطنية هي اللازم الطبيعي والموضوعي لكل احتلال، وهو الذي تتعهّد جماعتنا بالعمل عليه وتدعيمه على الصعيد الوطني .

 

سادسا: إن الاحتلالين الروسي والإيراني لا يمكن أن يكونا ضامنين لأيّ حلّ سياسيّ في سورية. إن القصف الروسي والأسدي الذي نعايشه في مناطق (خفض التصعيد) والذي يودي في كل يوم بحياة العشرات، يشكل انقلابا مباشرا على مخرجات أستانة، ويكذّب ما يدعيه هؤلاء من أنهم ساعون للحل السياسي أو ضامنون له.

 

سابعاً: لقد انكشفت للعالم أجمع اللعبة الذرائعية في استنبات المنظمات الإرهابية، وتغذيتها وتمكينها على أرضنا، ثم تحويلها إلى ذريعة لضرب القوى والتجمعات الشعبية الوطنية، على خلفية هوياتية أصبحت غير مجهولة.

 

إنّ انكشاف حالة التنظيمات الإرهابية الذرائعية، في أكثر من واقعة، وليس آخرها ما جرى في جرود عرسال، وكيف تحركت هذه القوى تحت سمع الجميع وبصره، يؤكد حقيقة ما نقول.

 

إنّ الجسم الإسلامي الحالي، وفي مقدّمته العاملون للإسلام وجماعة الإخوان المسلمين، هم المتضرّر الأول من هذه السياقات الذرائعية لتحركات هؤلاء الإرهابيين.

 

فهم بمشروعهم العدميّ، قد أضرّوا أولا بالمشروع الإسلامي الحضاري المعتدل، وهم ثانياً أعطَوا الذرائعَ للمستبدّين المحليين والعالميين، ليشنوا الحرب على الإسلام والمسلمين.

 

إنّ الحرب على الإرهاب هي حربٌ علمية فكرية ثقافية، وإن علماء المسلمين هم الأقدر عليها، وهي في الوقت نفسه حرب ذات أبعاد أمنيّة، كان بمقدور كثير من الفصائل الثورية في سورية أن تقوم بأعبائها.

 

ثامنا: إنّ الحرب الدولية التي تُشن على وطننا والتي يشترك فيها الروسي والأمريكي معا، هي في الوقت نفسه حرب على هويتنا ومنطقتنا وشعوبنا. المعركة واحدة، وهي تستهدف السوري والعربي والتركي على السواء.

 

ولذا فنحن إذ نقدّر دعم الأشقاء لنا ومحاولتهم تقديم العون لقضيتنا؛ فإنّنا نأمل أن تكون هذه المواقف أكثر وضوحا وصلابة.

 

إنّ الدور التركي في سورية يخضع لعوامل متعددة، فتركيا مهددة – بسبب المؤامرة الدولية المفتوحة – في أمنها القومي، وفي الوقت نفسه بلد جار لسورية، لا غرو أن تتحمل مسؤولياتها الجيوسياسية فيما يجري حولها، ومن هنا نعلن تأييدنا للموقف التركي في الدفاع عن وحدة الشعب والأرض السورية ضد مشاريع التقسيم المتغوّلة، ونشكر للأشقاء الأتراك ولكلّ الأشقّاء والأصدقاء الذين يتحملون مع شعبنا عبأه الإنساني .

 

تاسعا: إنّ جماعتنا ترفض التوظيف السياسي لقضايا اللاجئين، وتقدّر معاناتهم، والأسباب الملجئة للجوئهم، وتطالب المجتمع الدولي بالوفاء بالاستحقاقات الإنسانية لهم، وتوفير عودة جماعية وآمنة ومضمونة لهم، بعد زوال الأسباب التي أدت إلى اللجوء.

 

عاشرا: كنّا ومازلنا نرى في الأشقّاء الكرد، مكوّناً وطنياً سوريا، ونقدّر ما تعرض له هذا المكوّن من مظلومية، وندعو الإخوة الكرد إلى اللقاء تحت مظلة الدولة المدنية الواحدة، دولة العدل والمساواة، وفي الوقت نفسه نرفض كل مشروعات التقسيم على أيّ خلفية كانت.

 

أخيراً.. وعلى الرغم من قتامة الأفق الدولي؛ فإننا نلمحُ فجراً جميلاً قادما، ينبثق من بين البيوت المهدّمة في إدلب والغوطة ودير الزور وحلب ودرعا والرقة وحمص.. من عيون أطفال سورية الُمحْمَرّة دماً وغضبا، من ثبات المجاهدين والمرابطين القابضين على الزناد، من شموخ وثبات المعتقلين والمعتقلات، من قبور المسك المتناثرة على أرض سورية المباركة، فجراً يزيل كلّ ظلام الطغاة والمستبدّين، فإرادة الشعوب لا تهزمُها أيّة آلة عسكرية مهما عظمت، وسوف تبقى جماعتنا (جماعة الإخوان المسلمين في سورية) جماعة إسلامية وطنية، تعمل لأجل مصلحة سورية والشعب السوري وتحقيق أهداف ثورته مع جميع المخلصين والوطنيين .

 

(( كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي، إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ )) (المجادلة 21)

والله أكبر ولله الحمد

 

17 محرم 1439 الموافق 7 تشرين الأول 2017

مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين في سورية

إخوان سورية