د. أحمد موفق زيدان
كشف الشتاء الحالي حجم البون الشاسع والفرق الكبير بين سوريا المحررة وسوريا المحتلة، وقد وصل الوضع إلى أن يناشد فنانون وصحافيون كبار رأس العصابة الأسدية بشار الأسد، بالتدخل من أجل إنقاذ الجوعى والمتجمدين من البرد، وكأن رأس العصابة لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم، وتدخلت بعض الصحف والمواقع الموالية للعصابة، للكتابة عن حجم المعاناة الرهيبة والحقيقية، التي يعانيها المواطنون تحت شقاء العصابة الطائفية المدعومة والمسنودة من الاحتلال المزدوج، وبلغ الأمر خطورته بإعلان حلب المدينة عن وفاة طفلين خلال أسابيع، بسبب غياب الغاز والمازوت عنها، وشهدت المدينة نفسها وغيرها طوابير من الرجال والنساء والأطفال، وهم يحملون جرار الغاز بانتظار جرة غاز يتيمة وحيدة، ومثل هذا المشهد تكرر في دمشق وغيرها من المدن المحتلة.
الغلاء الذي شهدته المناطق المحتلة غير مسبوق، إن كان على صعيد المواد الغذائية أو على مستوى المحروقات، بالإضافة إلى غلاء الإقامة بالفنادق، حيث وصلت إقامة يوم واحد بفندق أربع نجوم تقريباً في اللاذقية إلى أكثر من 200 دولار أميركي، وكتب بعض المواطنين المقيمين في دمشق المحتلة، يوجّه كلامه إلى كل من خرج من سوريا: «لا تندموا على الخروج في ظل الحياة الصعبة التي نعيشها في الداخل، بينما أنتم تعيشون حياة أفضل منّا»، ولعل الحياة الأفضل والمميزة -التي يعيشها من هو خارج مناطق العصابة الأسدية- هي الكرامة التي يتمتع بها كل مواطن خارج مناطق سيطرة العصابة الأسدية.
في مقابل ذلك، يلمس الكل الحياة السهلة التي يعيشها المواطن السوري في مدن المناطق المحررة، بعيداً عن الحديث عن المخيمات ومآسيها للأسف، أما إن تكلمنا عن المناطق المحررة من قرى وريف إدلب، وكذلك أرياف حلب وحماة واللاذقية الخاضعة للثوار، فإن المستلزمات الأساسية متوفرة وبأسعار لا تقارن مع أسعار مثيلاتها في المناطق المحتلة، فمثلاً جرة الغاز في المناطق المحررة لا تتعدى الخمسة آلاف ليرة سورية، بينما الجرة نفسها -إن وجدت- لا يمكن أن تكون أقل من عشرة آلاف ليرة، وقس على ذلك مواد المازوت والخبز والمواد الأخرى.
بكل تأكيد، فإن أهلنا في مخيمات التشرد يعانون بسبب الأمطار والثلوج، ولكن هذه المعاناة مؤقتة على الأقل، ولكن مدناً عريقة كحلب وحمص وحماة واللاذقية ودمشق، تحولت إلى أشباح في ظل حكم العصابة الحاكمة، بينما مدن وقرى الثورة تعيش حياة معيشية تتوافر فيها كثير من المستلزمات الحياتية وبأسعار منافسة، مقارنة بما تعيشه المناطق المحتلة تحت سيطرة العصابة وسدنتها المحتلين، بل وربما تحسد هذه المدن مدينة إدلب وغيرها من قرى الأرياف التي تخضع للثورة.
أقارن اليوم بين ما يحصل في سوريا، وبين ما حصل في كابُل أواخر أيام الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، فأرى القاسم المشترك هو المعاناة بين هذه المدن، وكأن المدن الخاضعة لسيطرة العصابة لا بد أن تعاني ما عانته مثيلاتها من قبل ولو بعد حين، أدرك تماماً كثرة الأحرار المقيمين في هذه المدن العريقة، ولكن ظهرت العصابة الطائفية بهذه الحالة أمام العالم كله، أنها غير قادرة على تأمين سبل الحياة الكريمة لمواطنيها، ونحن نرى ونسمع عن انتشار المخدرات والحشيش في المناطق المحتلة، بالإضافة إلى انتشارها حتى في المدارس، وفوق هذا ما يُنشر بين اليوم والآخر عن حوادث اغتيالات وقتل وجريمة منظمة تستهدف المواطنين، مما يكشف حجم التردي الأمني والأخلاقي والاقتصادي والمعيشي للعصابة وسدنتها، وبعد هذا كله يدعو الاحتلال والعالم المهاجرين والمشردين السوريين للعودة إلى حكم العصابة، فإن كانت عاجزة عن توفير سبل العيش لمن هو تحت جبروتها وطغيانها، فهل هي قادرة على تأمينها لمن هو خارج الحدود أو مشرد داخلها في حال عودته؟!
العرب القطرية