زهير سالم
قُتل الخراصون، فما نكتبه هنا ليس تخرصاً ولا ظناً ولا وهماً ولا تتبعاً لأخبار مخبرين ولا لتقارير صحفيين، بل هو اعتبار عملي لثمرات السياسات الترامبية في فضاء العلاقات الدولية ونتائجها وآثارها وانعكاساتها.
ولن نتحدث هنا عن “سوريتنا الجميلة” التي تركها ترامب إلى بوتين لقمة سائغة بإنسانها وعمرانها وحضارتها وقيمتها الاستراتيجية. والتي سمح له بحماقته وتغاضيه أن يحولها كلها إلى قاعدة روسية عسكرية متقدمة كما إلى قاعدة جيوسياسية، ومركز من مراكز القيادة والسيطرة والتأثير في المنطقة والعالم؛ لن نتحدث عن سوريتنا الجميلة لكثرة ما آذتنا أحاديث المتفيقهين، بأن الشرق الأوسط، ومنه سوريتنا، فقد أولويته أو بريقه بالنسبة لأمريكا وأوباما وترامب، وأن السياسة الأمريكية في هذا الزمان منصرفة للاهتمام بالماردين، المارد الذي يتململ، والمارد رغم أنفه، اليابان والصين..
ولنعد إلى أدلة الدعوى بأن العميل السري السابق بوتين استطاع أن يوظف السمسار الكبير ترامب في مشروعه عبر صفقة شارك فيها الأول في إيصال الثاني إلى بيضوي البيت الأبيض مقابل خدمات متفق عليها، ما يزال المحققون الأمريكيون تائهين في تتبع ملتوياتها..
يحكون عن عالم ترويض الفيلة، أن المروضين يتبادلون على عملية الترويض المروض ذي اللباس الأبيض والآخر ذي اللباس الأحمر. في القسمة الحالية بين بوتين وترامب اختار الأخير لنفسه الثوب الأحمر ليروض العالم أجمع لمصلحة بوتين الدكتور جيكل الوقور الحكيم..
ومن أحب فليتتبع سياسات ترامب مع السوريين والعراقيين والفلسطينيين ومع دول الخليج العربي ثم مع الأتراك ومع دول الناتو والاتحاد الأوربي، ثم مع الصين واليابان ثم مع المؤسسات والمنظمات الدولية السياسية والحقوقية ..ليدرك كيف أن هذا السمسار النابذ يدفع كل دول العالم إلى حضن بوتين دفعاً..
ترامب كرس بسياساته سيطرة بوتين على سورية..
ترامب بحماقته وأد دور الولايات المتحدة في ملف القضية الفلسطينية، وأسقط عنها دور الوسيط.
ترامب ما زال يحرج دول الخليج العربي بخطابه المستفز المستعلن ويدفعها دفعاً للبحث عن مظلات آمنة روسية وصينية.
ترامب مكن بوتين من اختراق جدار الناتو والقفز من فوق رأس الأتراك إلى المياه الدافئة، وكرس سياسات سلفه باستبدال الحليف الدولة بالحليف العصابة .. ولأول مرة في تاريخ الجمهورية التركية تدخل علاقة تركية مع الناتو ومع الولايات المتحدة بشكل خاص في هذا النفق الخطير…
ومن أعاد تقويم خطاب ترامب لحلفائه من دول الناتو يدرك أن سمسار البازار لا يفرق كثيراً بين الزبون التجاري في سوق العرض والطلب وبين الحليف الاستراتيجي على منصات قيادة العالم.. وهذه دول الاتحاد الأوربي اليوم مجتمعة ومتفرقة تسعى لإيجاد بدائل لها غير مركنها التاريخي التقليدي منذ الحرب العالمية الثانية..
ترامب يصعد حربه الاقتصادية مع الصين وعليها.. وتبادله هي الأخرى تصعيداً بتصعيد
ترامب يغضب اليابانيين ويستفزهم..
ترامب الذي عجز عن إدارة عمليات تنمية حقيقية في الولايات المتحدة يحاول أن يستر عجزه بابتزاز دول العالم من جهة، وبتقليص التزامات الولايات المتحدة السياسية والإنسانية والحقوقية من جهة أخرى، يتجاهل التزامات الولايات المتحدة بل ويرفضها ويضعفها فالعشرة دولارات بالنسبة إليه يجب أن تبقى أمريكية وفي الجيب الأمريكي. حتى التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة أخضعه ترامب لعملية ابتزاز معلنة مكشوفة.. بطريقة تتجاهل مكانة الدولة الكبرى وحقيقة المطلوب منها.
في الحركة المتناوبة بين السمسار وبين العميل السري، الأول ينبذ والثاني يجذب وهكذا نجد اليوم توجها مفتوحاً لجميع دول العالم ابتداء من الصين واليابان ودول الاتحاد الأوربي بمن فيها المملكة المتحدة وانتهاء بدول الخمس مائة مليار لإعادة التوازن لاستقرارها الأمني…
وهذا يعني أن تستعيد روسية مكانة قطب “ملجأ” يلجأ إليه كل المتضررين من سياسة السمسار الأحمق، فهل كان رجل الاستخبارات الروسي ينتظر من الرجل الذي أوصله إلى البيت الأبيض أكثر مما قدمه له ترامب على طبقه الذهبي..؟!