الإخوان المسلمون في سورية

تركيا… هي الركن الأعزّ.. وحفظُ هيبتها وفضلِها واجبٌ على الجميع

 

عبدالله عيسى السلامة

 

(من ثمار المحنة: التلاوم، والاتهام، والتبصّر، والتسامي، والحزم، والتوكّل!).

 

التلاوُم، في المحن، بدلًا من العمل النافع: أهو مِن أطايب الكلام، أم مِن نفاياته!؟

 

ساحة العمل، في سورية، ملأى بالفرص: الكبيرة والصغيرة… للعمل الطيّب الجادّ، من قول وفعل… كما هي ملأى بالتحدّيات: الكبيرة والصغيرة… التي تشغل العقلاء، عن لوم الآخرين، وتوزيع التهم والتبعات، عليهم، في ظروف، تحتاج فيها سورية، إلى كل دقيقة، من وقت كل عاقل، حرّ كريم!

 

ومواقف الناس، في هذا وذاك، مختلفة، باختلاف الطبائع والعقول، والقدرات المتنوّعة!

 

بعضهم: لا همّ له، ولا عمل… إلاّ اللوم، وإلقاء التبعات، وتوزيع المسؤوليات، على هذا الفريق، أو ذاك! وإذا طلبتّ منه، عملًا نافعًا، مهما كان صغيرًا… أجابك، مستنكرًا: “كيف أعمل!؟ وماذا أعمل… وكل مَن في الساحة: فاسدون، مفسدون، منحرفون ، مفرّطون..!”.

 

وإذاطلبت منه صمتًا، يكفّ به، أذاه عن الخلق، امتثالًا للحديث النبوي: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا، أو ليصمت)! أجابك، بصلف: “وكيف أصمت، على أمر، أراه خطأ، والساكتُ عن الحقّ، شيطان أخرس”!؟ إذ، يرى توزيعَ التهم والشتائم، على الناس، كيفما اتفق، نوعًا من الصواب والحقّ… فيظلّ يهذي، في كل مجلس! ولا نتحدّث، هنا، عن شبّيحة آل أسد، ومرتزقتهم… ولا عن ربائب الملالي، اللائي في حجورهم، مثل: داعش، وأخواتِها، وضَرائرِها…! بل الحديث هو، عن فريق، من أبناء الشعب السوري، المضطهدين، الذين صُبّ عليهم العذاب، بأبشع أنواعه… من قبل الحلف: الأسدي، الروسي، الصفوي الرافضي…! ومِن صور الهذيان:

 

المقاتلون: “دمّروا البلاد، وأفشلوا الثورة؛ بتفرّقهم، وحرص كل منهم على الزعامة”! وربّما كان محقًّا، من زاوية الرؤية، هذه، لكنه غفل، أو تغافل، عن التضحيات الجسام، التي قدّمها كثير من المقاتلين، والبطولات الأسطورية، التي أبدَوها، في مناجزة عدوّهم! فتركَ ما فعلوه، بحسب طاقتهم… وحمّلهم المسؤولية، عمّا لا يطيقون، وهو التمسّك بالحكمة: الدينية، والسياسية، والإنسانية… لتوحيد الصفوف في القتال، وتنازل كل منهم، عمّا يراه حقًّا له، من: زعامة، وجنود، وأرض، وسلاح… ممّا كسبه، بجهده وجهاده، في مناجزة العدوّ! ومعلوم، أن هذا النوع من الحكمة، يحتاج إلى قادة كبار، حقيقيين، أفذاذ! ولا يَتوقّع عاقل، أن يملكه شباب مندفعون، متحمّسون للقتال، يفرحون بإنجازاتهم الصغيرة، ويعجزون عن حسابات الحرب الطويلة، المتكاملة… التي يجري فيها التنسيق، بين القوى، وساحات القتال… والتنسيق بين السياسي، والعسكري، والأمني، والإعلامي…! فأين القادة الكبار الذين يحملون مسؤولية هذا!؟ ولا يعني كلامنا، هذا، بالطبع، إعفاء قادة الفصائل، من مسؤولياتهم، فيما يتعلّق بتوحيد الصفوف، أو تنسيق الجهود… بل، كل منهم، يحمل من المسؤولية، على قدر وعيه: الديني، والسياسي، والاجتماعي، والعسكري، والأمني! (ولا بدّ من التذكير، بأن بعض قادة الفصائل، تنازلوا، بالفعل، عمّا يرونه حقًا لهم، كسبوه في معاركهم… وذلك، حرصًا منهم، على توحيد الصفوف، في حربهم، ضدّ عدوّهم المشترك! وهذا ممّا يُحمد لهم، عند شعبهم، ونرجو أن يجعله الله، ذخرًا لهم ، يرونه في صحائف أعمالهم، يوم القيامة).

 

تركيا: “قصّرت، في دعم الشعب السوري وثورته”! غافلًا، أو متغافلًا، عمّا قدّمته تركيا، لشعب سورية، من دعم: سياسي، وإنساني، وإغاثي، وعلمي، وطبّي… ممّا عجزت عنه، قارّات العالم كلها، وفي مقدّمتها: قارّتا أوروبّا وأمريكا، المتشدّقتان بالحرية، وحقوق الإنسان! وهما المتآمرتان، على شعب سورية: بالفعل، أو بالقول، أو بمباركة الجريمة، أو بالصمت المريب، عمّا يفعله المجرمون! ولقد تذمّرت أكثر هذه الدول، المتحضرة المتآمرة… من بضعة آلاف، من اللاجئين السوريين، ممّن فرّوا، إلى أراضيها، لاجئين، من ظلم عميلها المجرم، وعصاباته… وباتت تتنادى، فيما بينها، لحمل أعباء اللاجئين! وكل ما قدّمته تركيا، إنّما جاء، ضمن النسق: الداخلي، والإقليمي، والدولي… المتشابك، الذي يعمل فيه، صنّاع القرار التركي… وفي خضمّ المؤامرات، الداخلية والخارجية، التي تحوكها قوى الشرّ- المتحالفة: دوليًا، وإقليميًا، وداخليًا – ضدّ تركيا، وقيادتها، وشعبها!

 

ولو استطاعت قيادة تركيا، أن تقدّم، لشعب سورية الثائر، صواريخ مضادّة للطيران، لَما تلكّأت، لحظة… بل لو استطاعت، تقديم طائرات، لما تردّدت! فهي ترصد عيون الروس والفرس، والأمريكان والصهاينة والأوروبيين… المتربّصة بها، لحظة بلحظة! فالنسق الدولي والإقليمي والمحلي، الذي يعمل فيه أردوغان، يمنعه، من أن يقفز في الفراغ، والأخطارُ محيطة به، من كل جانب! وقد حاولت قوى الشرّ، مرّات عدّة، أن تستدرجه، ليقفز في الفراغ، قفزة تقضي عليه، وعلى طموحاته العظيمة، التي يريد تحقيقها لبلاده! لكنه كان أوعى من ذلك، بكثير! ولو كان ممّن يقفزون في الفراغ، لسقط في سنوات حكمه الأولى! فهو، في قراراته، ومواقفه… كأنه يتمثّل ببيت زهير بن أبي سلمى:

 

ومَن لا يقدّمْ رجلَه، مطمئنّة فيثبتَها، في مستوى الأرض، يَزلقِ

 

ومن لا يعرف -من الصغار- كيف يحسب القادة العظام، قرارات دولهم… يستهويه الصراخ: أين أنت، يا أردوغان!؟ هل بعت بلادنا، يا أردوغان!؟ هل أبرمتَ صفقة، على حساب دمائنا، يا أردوغان!؟ من هذا الكلام، المؤذي لشعب سورية، الذي احتضنه أردوغان… قبل أن يكون مؤذيًا لأردوغان!

 

وسبحان القائل: (هلْ جزاءُ الإحسان إلاّ الإحسان).

 

وقال الشاعر:

إذا أنتَ أكرمتَ الكريم، مَلكتَه        وإن أنتَ أكرمتَ اللئيمَ، تمرّدا

 

والأطرف، أن بعض السوريين، يطالبون القيادة التركية، بأن تقدّم لهم، ما تعجز عن تقديمه، حتى لدولتها، في ظروفها الصعبة الراهنة! فينطبق عليهم، قول المتنبّي:

 

أريدُ، مِن زمَنيْ، ذا، أن يُبلّغني ما ليس يَبلغُه، مِن نفْسهِ، الزمنُ

 

فإن لم تقدّم لهم، هذا، سلَقوها بألسنة حداد، شحَذَها الجهلُ، أو سوء الخُلق… أو شحذتْها مَباردُ المتآمرين، على تركيا وقيادتها وشعبها… لتصبّ تلك الشتائم، في خانة المتآمرين، في كل الأحوال، حتى في حال حسن النيّة، من مُطلقيها، والمروّجين لها! غافلين، أو متغافلين، عن أن تركيا، هي الركن الأقوى: لهم، ولشعبهم، ولأمّة الإسلام، كلها! وهي شريك، الآن، كامل الشراكة، لشعب سورية، في مجابهة الأخطار، وفي المصير! وينطبق، على هؤلاء الشتامين، قوله تعالى: (يُخربون بيوتَهم بأيديهمْ وأيدي المؤمنين)! وواضح أن الصورة انقلبت، هنا، وأن المؤمنين، في هذه الحال، وفي سياق هذا الصراع الغريب، هم: آل أسد وعصاباتهم، وملالي طهران ومرتزقتهم، وبوتين، وقوّاته المجرمة، التي تحتلّ سورية! فهل ماتت العقولُ والضمائرُ، معًا!؟

 

دولةُ فارس، العدوّ الأخبث، لتركيا، من أيام إسماعيل الصفوي، والتي تآمرت، مع أبالسة الشرّ، جميعًا، ضدّها، منذ تلك الأيام… تشدّ أزرها، اليوم، بدولة الروس (المَسقوف!) وبالقوى الصليبية والصهيونية، ومرتزقة الرافضة، من أنحاء العالم! فبمن يشدّ أردوغان، أزره، من دول العالم، كلها ، دفاعًا عن سورية، وعن شعبها، الذي يتسافه بعض أفراده – الذين آواهم، وأطعمهم، وعلّم أبناءهم، وعالج جرحاهم… ويطيلون ألسنتهم، ضدّه، لأنه لا يملك قوّة الله، الذي يقول للشيء: كن فيكون… ويحارب العالم، كله، دفاعًا عنهم!

 

وبعضهم يُسفّ، إلى درجة تدفع العاقل، إلى التساؤل: مَن هذا المخلوق!؟ وأين نشأ!؟ وهل هو سوريّ حقًا!؟ وأيّ نوع من السوريين هو!؟ ولمصلحة مَن، يَنثر هذه النفايات التافهة، من الكلام الرخيص!؟

 

الإخوان المسلمون: “قصّروا، في دعم الثورة والثوّار”! غافلًا، أو متغافلًا، عمّا قدّمه الإخوان، من دعم: مالي، وبشري، وسياسي… يفوق طاقتهم! وربّما يجهل الكثير، ممّا قدّمه الإخوان، في هذا المجال! وتوجيه التهم، عن جهل، يُسقط المرءَ، خلقيًا أو عقليًا، ولا يُعدّ جهله، عذرًا له!

 

الائتلاف: “قصّر، في دعم الثورة، وفرّط، وعجز، وأساء…”! دون أن يكون لصاحب التهم، قدرة، على معرفة: طبيعة الائتلاف، وتركيبته، وإمكاناته، وكيفية صناعة قراراته، وأنواع القوى المتحكّمة به!

 

الجهة الفلانية، والمجموعة الفلانية، والحزب الفلاني، والكتلة الفلانية… وزيد، وعمرو، وخالد، وسعيد، وو… كلهم شاركوا، في تخريب الثورة، وتدمير البلاد! (إلاّ موزّعو التهَم، الخُردة، هؤلاء، بالطبع!).

 

وبعض السوريين: تنطبق عليهم الآية الكريمة: (فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون)! أيْ: كلّ يلوم الآخرين، ويَدخل في دائرة لومهم! والتلاوم المتبادل المشترك، يختلف عن توجيه اللوم، من حهة واحدة، أوأكثر… إلى جهة واحدة، أو أكثر!

 

وبعضهم: يردّد، بهدوء وثقة، ما حفظه من كتاب الله، وسنّة رسوله… وما أنتجته قرائح الأفراد والشعوب، من حكمة!

 

– قال تعالى:

 

((إن يَمسَسكم قرحُ فقد مسّ القومَ قرحٌ مثلُه وتلك الأيام نداولها بين الناس)).

 

وقال عزّ وجلّ: ((ولا تهِنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلَون إن كنتم مؤمنين)).

وقال جلّ شأنه، على لسان لقمان: ((… واصبرْ على ماأصابك إنّ ذلك من عَزم الأمور)).

 

– استقبل رسول الله ﷺ، الجيش، الذي انسحب من معركة مؤتة- لضخامة جيش العدوّ- وهو يقول: (بلْ هم الكُرّار إن شاء الله) ردًا، على مَن وصَفهم بالفرّار! وهو الجيش، الذي قمع الردّة والمرتدّين، وثبّت الإسلام، في جزيرة العرب… وفتحَ العراق، و فارس، والشام، ومصر… وغيرها!

 

وقال الحكماء: الضَربة التي لا تقصمُ ظهرك، تقوّيك!

 

كل ما ورد، آنفًا، أنواع من المواقف، يمثلها أنواع من البشر! فيختار كل إنسان، نوع الموقف، الملائم: لطبيعته، وتكوينه، وخُلقه! وفي النتيجة: لا يكون، إلاّ ما يريده الله؛ فهو، وحدَه، الفعّال لما يريد… وبيده مقاليد السموات والأرض… وهو الذي يُجري أقداره: كما يشاء، بما يشاء، لِما يشاء، متى يشاء… علينا، وعلى غيرنا… بأيدينا، وبأيدي غيرنا! (وما يعلم جنودَ ربّك إلاّ هو)… ولا رادّ لقضائه!

 

ومَن وجَد – من أبناء سورية، أو غيرهم – أحدًا، من الخَلق، لديه قدرة كقدرة الله، أو رحمة كرحمته، أو حكمة كحكمته، أو هيمنة على الكون، كهيمنته… فليلجأ إليه! فإن وجد أربابًا (لا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا ولا يملكون موتًا ولاحياة ولا نشورا)… ولا يستطيع أقواهم، أن يدفع عن نفسه، أذى جرثومة، تعبث بجسده، وتطرحه في الفراش، أو في القبر… فخير له، أن يعود إلى ربّه، ربّ السموات والأرض… ولا يطمع أن يغيّر إرادة الله، أو قدَرَه، بهواه! فهو القائل، سبحانه:

 

((ولو اتّبع الحقُّ أهواءَهمْ لفسدت السمواتُ والأرضُ ومَن فيهنّ…)).

 

أمّا الذين تمسّكوا، بماهم عليه، ثمّ:

 

((جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا))…

 

فحسبُنا، وحسبُهم، قول ربّنا، عزّ وجلّ:

 

(((فإنك لا تُسمع المَوتى ولا تُسمع الصُمَّ الدعاءَ إذا ولّوا مدبرين)).

إخوان سورية