سعيد الحاج
أولاً، لا شك أن تغريدة ترمب صباح اليوم كانت مزعجة جداً لتركيا على الأقل لخمسة أسباب رئيسة:
1) اللغة لم تكن دبلوماسية ولا تعبر عن علاقة تحالف وشراكة.
2) المفردات/المضمون شملت “تهديداً” لأنقرة، وقد يعتبرها البعض “إهانة”.
3) التغريدة والتهديد يعقدّان حسابات العملية العسكرية التركية المرغوبة شرق الفرات.
4) التهديد باستهداف الاقتصاد التركي أمر حساس جداً، خصوصاً وأن تركيا مقبلة على انتخابات بلدية قريبة ولا تريد هزات اقتصادية قبلها، وهي ما زالت تذكر ما حصل على إثر قضية القس الأمريكي.
5) حساسية أنقرة للصياغات الأمريكية المركزة على “الأكراد” دون تمييز بين المكون العرقي والمنظمات المسلحة. ليس فقط لحساسية الأمر بالنسبة للملف الكردي داخل تركيا، وإنما لتشويهه رؤية تركيا وما قامت به في سوريا، حيث استضافت عشرات/مئات الآلاف من الأكراد السوريين داخل أراضيها، فضلاً عن علاقاتها الجيدة وتعاونها مع تيارات كردية سورية، وقصر مواجهتها مع حزب الاتحاد الديمقراطي وأذرعه العسكرية المرتبطة عضوياً مع العمال الكردستاني.
ثانياً، رغم كل ذلك، لم تكن ردود الفعل التركية الرسمية حادة بالرد على ترمب وتغريدته، وإنما سعت – برأيي – إلى احتواء الأزمة منذ اللحظة الأولى:
الناطق باسم الرئاسة إبراهيم كالين: المساواة بين الأكراد وحزب العمال الكردستاني خطأ قاتل
رئيس مكتب الاتصال في الرئاسة فخرالدين ألتون: تركيا لا تقتل الأتراك بل تحميهم.
وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو: الشركاء الاستراتيجيون لا يتحدثون عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
هذه التصريحات مختلفة جداً عن وأهدأ وأوطأ سقفاً من التصريحات التركية إثر الأزمة السابقة مع واشنطن على قضية القس، والإجراءات التي شملت معاملة بالمثل (عقوبات على وزيرين، ورفع رسوم بعض البضائع الأمريكية). وقد اختتم المشهد باتصال هاتفي يمكن اعتباره مفاجئاً من حيث التوقيت على الأقل بين أردوغان وترمب.
المصادر التركية تحدثت عن تعبير أردوغان عن ارتياح بلاده للانسحاب الأمريكي واستعدادها لتنسيق الانسحاب، وتشاووش أوغلو – لدى سؤاله – قال إن فكرة المنطقة الآمنة في الشمال السوري (التي ذكرها ترمب في تغريداته) هي فكرة تركية بالأصل، في تلميح لترحيب أنقرة بها.
ثالثاً، هل فعلاً تركيا سعيدة بمقترح المنطقة الآمنة؟
لا شك أن المنطقة الآمنة في الشمال السوري فكرة طرحتها أنقرة على مدى السنين الماضية مرات كثيرة وكان الرفض الأمريكي دائماً لها بالمرصاد. اليوم، والولايات المتحدة تنسحب – ولو جزئياً – من سوريا تريد قدر الإمكان ضمان أهدافها ومصالحها ومنع التصادم بين تركيا والميليشيات الكردية، و”الفصل” بينهما إذ لم تنجح فكرة “الجمع” بينهما (في حرب داعش) سابقاً وحتى الآن.
* الترحيب التركي، برأيي، له سياقان:
– احتواء الأزمة مع واشنطن قبل تفاقمها.
– الترحيب بالفكرة بشكل عام.
لكن الشيطان دائماً يكمن في التفاصيل. فبعيداً عن رأي روسيا (والنظام ضمنياً) بالفكرة، ستحدد تركيا موقفها النهائي من الفكرة بعد اتضاح التفاصيل، وأهمها:
– حدود وعمق المنطقة الآمنة.
– وجود/بقاء قوات “قسد” من عدمها فيها أو في بعضها.
– من سيسيطر على المنطقة ويضمن أمنها؟ التحالف الدولي؟ الولايات المتحدة؟ تركيا؟ تركيا والولايات المتحدة بشكل مشترك؟ صيغة أخرى؟
– مصير قوات “قسد” بعد الانسحاب وفرض المنطقة الآمنة.
– هل الفكرة قابلة للتنفيذ فعلاً؟ وهل ستنجح…الخ.
ولذلك من المبكر الحديث عن اتفاق تركي – أمريكي حول الأمر، ومن المبكر الحديث عن تجاوز الأزمة بين الطرفين بالنظر للتصريحات الدبلوماسية بين الطرفين، ولعله من المفيد مقارنة ما صدر عن الطرفين – أنقرة وواشنطن – بخصوص الاتصال الهاتفي من حيث الكم والمضمون والأسلوب لتتضح الصورة أكثر.
ترك برس