بعد أن تعددت منابر الإعلام واتسعت، فصارت تشمل الإذاعة والفضائيات والصحف والمجلات ووسائل التواصل الاجتماعي… زاد واجب المسلمين في تطوير خطابهم، مستفيدين من مختلف تلك المنابر، لاسيما وأن أعداء الإسلام يبثّون فيها الشبهات والضلال والتشويه.
وهنا ينبغي الانتباه إلى عدد من المسائل:
1- لقد تلاشت الفواصل بين الإعلام الخاص الموجَّه إلى فئة محدودة، والإعلام ذي الفضاء الواسع، فما تخطّه من كلمات، أو تهمس به من عبارات، قد يصل إلى جهات لم تكن مقصودة في كلماتك وعباراتك.
2- لا ينبغي للمسلم أن يصطنع خطاباً يعبّر عن هزيمة نفسية أمام إعلام الأقوياء، كما أنه، بطبيعة الحال، يجب أن يتحلّى بالحكمة، فلا فظاظة ولا غلظة، ولا تقزّم ولا ذوبان. ويكفي أن نتذكر موقف سيدنا جعفر بن أبي طالب أمام النجاشي، كيف عرض أمامه الصورة المشرقة للإسلام بمقابل الصورة الشوهاء للجاهلية، من غير تزوير ولا مكر ولا تلعثم…: “أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش… حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحّده ونعبده… وأمرَنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة. فصدّقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاءنا به من دين الله… فعدا علينا قومنا، فعذّبونا وفتنونا عن ديننا. فلما قهرونا وظلمونا وضيّقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك… ورجَونا ألا نُظلَم عندك”.
إنه الخطاب الواضح الصادق الحكيم، ليس فيه تذلّل، وليس فيه شعور بالدونيّة، وليس فيه خلط بين قيم الإسلام وقيم الجاهلية.
3- في الخطاب الموجَّه إلى المسلمين، وسيطّلع عليه غير المسلمين، يجب أن نؤكد ما يجمع الكلمة، ويزيل الفُرقة، ويقرّب القلوب. وحين نعرض لمسائل خلافية، وما أكثر المسائل الخلافية، نعرضها بأسلوب بعيد عن الاستفزاز والتحريض، وأقصى ما ينبغي أن نقوله: في المسألة وجهان، ونحن نرجّح هذا الوجه لما نراه من قوة دليله. [وهنا نتذكر مع الأسف كيف يثير بعض المسلمين نقاطاً خلافية بأسلوب مستفز، فينتصرون لمشروعية الاحتفال بالمولد النبوي، أو ينتصرون للقول ببدعيته، وينتصرون لوجوب أداء صدقة الفطر من الطعام، أو لتسفيه هذا الرأي والانتصار لدفع قيمتها نقداً، مما يشحن النفوس بالتعصب لرأي فيه خلاف، والتحقير للرأي الآخر].
4- وحين يوجَّه الخطاب إلى غير المسلمين فليذكر المسلم ما ذكرناه آنفاً عن موقف جعفر بن أبي طالب، وليحذر كل الحذر من الانجرار إلى معركة مع فصيل إسلامي آخر، فإن أي معركة بين مسلم ومسلم، فرد أو جماعة، إنما يبتهج لها غير المسلم. وحين تُوجَّه تهمة صادقة أو كاذبة، على مستوى الجنحة أو الجريمة، إلى أي فئة مسلمة فلا يجوز الدفاع عن أي جريمة، ولكن لا ينبغي كذلك أن يستخفّنا الذين لا يوقنون، فننشغل عن معركتنا ضد الباطل، فندخل في معركة مع فصيل مسلم، لاسيما وأن ما يوجَّه إليه من اتهام قد يكون مزوّراً عليه، أو مبالغاً فيه، أو مقطوعاً عن سياقه، أو قد قام به عناصر قد دسّها فيه ذلك “الآخر”… وكثيراً ما تتكشّف الحقائق، ولو بعد حين، فنرى أن الجرائم الشنيعة التي تُنسب إلى فريق مسلم، قد اصطنعها عدُّوه، وما أحداث الجزائر، فيما سمّي بالعشرية السوداء، عنا ببعيد، فقد ظهر جلياً أن فرنسا هي التي أرسلت عملاءها ليقوموا بالجرائم ثم يلصقوها بجبهة الإنقاذ.
5- حين يتناول خطابنا أي جهة مسلمة يجب أن يكون نُصب أعيننا قول الله تعالى: ((إنّما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم). وبذلك يكون خطابنا أخويّاً تصالحياً، يعالج الخلل والشذوذ والخطأ، بروح طيبة تبغي الإصلاح وردَّ المخطئ إلى جادة الصواب. أما لغة التخوين أو التسفيه أو التضليل فإنها منفّرة تُباعِد القلوب. ولا بد هنا من التفريق بين جهة اجتهدت في قول أو موقف… ونحن نرى أن اجتهادها خاطئ، فهذه التي نُخاطبها بروح الأخوّة، وبين جهة تلبس لبوس الدين ثم تصبح ذيلاً لطاغية، تسوّغ جرائمه، وتضفي عليها الشرعية. فهذه يجب فضحها لتستبين سبيل المجرمين.
6- في خطابنا للآخر، العلماني وغير المسلم، ليس مطلوباً منا، ولا مقبولاً، أن يكون فحوى هذا الخطاب: نحن مثلكم، نتبنّى كل القيم التي تدعون إليها، وليس بيننا وبينكم إلا فروق يسيرة!. فهذا الخطاب، فوق أنه مغاير للحقيقة، يدفع هذا الآخر ليقول لنا: ما دام الأمر كما تقولون فتعالوا أنتم لتكونوا مثلنا.
7- حين يكون خطابنا مشحوناً بالكراهية والبغضاء تجاه جهة مسلمة تخالفنا ونخالفها في فتاوى فقهية أو مواقف سياسية… (وهو خطاب سيطّلع عليه الآخر العلماني وغير المسلم)، سيجعل موقف الآخر منا موقف تشكيك وتكذيب، وسيقول لنا: إذا كنتم، أيها المسلمون، يرفض بعضكم بعضاً ويحاربه، فكيف نصدقكم وأنتم تتكلمون عن الانفتاح، وتقبّل الآخر، والمشاركة، والتعددية؟! أنتم لا تتقبلون السلفي أو الصوفي أو الأشعري أو المعتزلي أو الحنفي أو الحنبلي… فكيف نصدق أنكم تقبلون التعايش مع الآخر؟!.
8- ويجمع ذلك كله أن تكون قلوبنا عامرة بالإيمان، معتزّة بالانتماء إلى دين الله، متّصفة بالحكمة: (ومَن يؤتَ الحكمةَ فقد أوتي خيراً كثيراً. وما يذكّر إلا أولو الألباب).