غازي دحمان
هناك مؤشرات كثيرة على تحول سوريا، في المرحلة القادمة، إلى مركز لعصابات المافيا الدولية وللفساد، فمن المتوقع استغلال عملية إعادة الإعمار كواجهة لتبيض أموال الجرائم، على مستوى المنطقة والعالم، إضافة إلى استثمار موقع سوريا الجغرافي الذي سيساهم في ازدهار أنواع من التجارة غير المشروعة.
من المعلوم أنه على مدار سنوات الحرب، ازدهرت العديد من أنماط التجارة تحت ستار الصراع الفوضوي، وكان لنظام الأسد وبعض القوى المؤيدة له، بالإضافة لمنظمات مثل داعش وغيرها، دور كبير في ذلك، فقد نشطت تجارة الأعضاء البشرية في كثافة، وكانت هناك مراكز لها في سوريا و”إسرائيل” وبيروت، وحتى بعض الأراضي التركية، وكانت مادتها الأساسية أعضاء قتلى الحرب السورية.
كما نشطت صناعة المخدرات في سوريا في هذه المرحلة، وصار لهذه الصناعة مراكز شبه علنية في القلمون وريف دمشق الغربي، وهناك مؤشرات على ان الطاقة الإنتاجية لهذه المراكز تفوق قدرة سوريا الاستعابية، وأن المستهدفين هي دول في الإقليم وخارجه. ومنذ افتتاح معبر نصيب، تم الإعلان أكثر من مرّة عن كشف شحنات كبيرة من حبوب الكبتاجون في طريقها إلى خارج سوريا، كما أعلنت اليونان عن ضبط باخرة قادمة من سوريا على متنها ملايين الحبوب المخدرة.
لا يبدو ذلك مستغرباً، فقد عملت في سوريا عصابات جريمة كثيرة، على شكل مرتزقة قادمة من روسيا والبلقان، بالإضافة إلى الخبرات الهائلة للإيرانيين وحزب الله في هذا المجال. وكان الرئيس حسن روحاني قد هدّد قبل فترة قصيرة أوروبا بطوفان من المخدرات وتجارها، ومن المارقين والمجرمين، كما أن نظام الأسد فتح المجال لهؤلاء في أثناء الحرب ورخّص لهم أعمالهم، من تجارة المخدرات والأعضاء البشرية وتجارة تهريب البشر والسلاح، في سبيل معاونته على القضاء على الثورة. وقد شكلت سوريا مختبراً لهؤلاء لتطوير أساليبهم وصناعاتهم.
وثمّة مؤشرات على أن هذه العصابات شكّلت ثروات طائلة، وهي تسعى في المرحلة القادمة إلى تبييضها. بعض عناصرها سوريون، وكثير منهم شخصيات وواجهات اجتماعية معروفة في دول المنطقة، كأعضاء برلمانيين أو رجال أعمال أو في دوائر السلطة، على امتداد منطقة الشرق الأوسط. وقد انخرط هؤلاء في أعمال اقتصادية مع نظام الأسد في الباطن، وعبر الاحتيال على العقوبات الاقتصادية التي طالت منظومة رجال أعمال الأسد ومديري أمواله في سوريا والإقليم.
ويؤشر هذا الهجوم الاستثماري على سوريا، الذي بدأت تباشيره في الظهور إلى هذه الحقيقة. وقد توقعت مجلة الإيكونومست البريطانية أن سوريا ستشهد معدل نمو في السنة الجارية يتجاوز 9 في المئة، وهو ما يفوق معدلات النمو في الصين وأمريكا وأندونيسيا وماليزيا. فمن أين سيأتي هذا النمو إذا كانت سوريا تفتقد حتى لليد العاملة القادرة على إعادة الإعمار؟ وكيف ستسترد الشركات المساهمة في عملية الإعمار أموالها وتحصل فوقها أرباحاً؛ إذا كانت سوريا لا تملك ثروات طبيعية، وإذا كانت القدرة الشرائية للسوريين غير قابلة للتحسن قبل عقد من الزمان، ومن سيشغل العقارات المراد إعمارها؛ إذا كان السوريون أنفسهم لن يستطيعوا تملكها؟
قبل الحرب كانت سوريا وكر فساد كبير، وبحسب اعترافات ضابط أمني كبير انشق عن نظام الأسد، فإنه في دمشق وحدها كانت هناك آلاف شقق الدعارة التي كانت تديرها أجهزة الأمن، وكانت سوريا معبراً لتجارة المخدرات، وهذه النشاطات جمعت للأسد وشقيقه مبالغ تفوق الستين مليار دولار، كشفتها وثائق بنما قبل سنتين. وكان ذلك في أغلبه ناتجاً عن نشاطات محلية في الغالب. وفي حينها، لم تكن لدى أجهزة الأسد وعائلته إمكانيات للعب خارج سوريا، وكانت أنماط التجارة المذكورة تجد لها جنّات وفرصاً في مراكز أكثر احترافية في شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، وحتى أوروبا.
بعد الحرب، اختبرت كل المافيات العمل في سوريا، ونسجت علاقات مع نظام الأسد والأنظمة المؤثرة في سوريا، وخاصة روسيا وإيران و”إسرائيل”. وبعد الحرب، ارتفع سقف طموحات دائرة رجال الأعمال المقربين من الأسد، الذين يرغبون بتعويض خساراتهم في مواجهة الثورة، ونتيجة العقوبات الخارجية. كما أن المافيا الإقليمية تسعى إلى تعظيم أرباحها نتيجة الأزمات الاقتصادية والعطالة التشغيلية.
وتشكل سوريا في ظل سلطة الأسد ومخلوف مركزاً مثالياً لاستقطاب كل الخبرات المافياوية وأموال الجريمة، ذلك أن المعلن، حتى اللحظة أن عملية إعادة الإعمار ربما تتكلف بين 400 مليار دولار وتريليون دولار، وهذه المساحة الهائلة بين الرقمين هي مساحة لتبيض أموال الفساد والجريمة، وكذلك للاستثمار في أنماط تجارات كثيرة، مثل الدعارة والمخدرات والتجارة بالأعضاء البشرية. ونظام الأسد المتلهف لغرف الأرباح له ولزبانيته في سوريا والإقليم، سيفعل كل شيء من أجل تحقيق هذا الهدف، كما أن بوتين ينتظر هذه اللحظة لتبيض فساد نخبته في سوريا، وربما ترحيل كل شبكات الفساد للاستفادة من الواقع الجديد في سوريا.
“عربي21”