محمد زاهد جول
تتفق روسيا و”إسرائيل” على وجوب بقاء النظام السوري برئاسة بشار الأسد حاكماً لسوريا، قبل عام 2011 وبعدها، فهو حامي للحدود السورية “الإسرائيلية” أولاً، وهو القاعدة الروسية الوحيدة في الوطن العربي في طرطوس منذ الحرب الباردة.
وبعد انطلاق الثورة السورية عام 2011 عملت الحكومة “الإسرائيلية” على إقناع أمريكا بضرورة بقاء نظام بشار الأسد حاكماً لسوريا، مهما قتل من شعبها أو انتهك حقوق الإنسان، بسبب حمايته وأبيه حافظ الأسد لأمن الدولة “الإسرائيلية” لأربعة عقود حتى انطلاق الثورة وبعدها، وقد أخذت أمريكا بوجهة النظر “الإسرائيلية”، بمنع إسقاط بشار الأسد من خلال فرضها الفيتو الأمريكي داخل سوريا وليس في مجلس الأمن على الطريقة الروسية.
وكان ذلك في ثلاثة محاور رئيسية أو شروط ألزمت بها أمريكا فصائل الثورة السورية والدول الداعمة لها، الفيتو الأمريكي الأول هو منع وصول السلاح النوعي للثوار منعاً قاطعاً، وبالأخص منع وصول صواريخ قادرة على إسقاط طائرات حربية ومقاتلة، أو تدمير دبابات متطورة، وهذا منح تفوقاً كاملاً لجيش بشار لقتل الشعب وتدمير سوريا وتشريد شعبها بدون حسيب. والفيتو الأمريكي الثاني كان منع فصائل الثورة السورية من الوحدة، ومنعها من تشكيل جيش معارضة موحد أو تنظيم سياسي موحد لتمثيل الثورة، وبقيت فصائل الثورة مشتتة، كل فصيل يتبع دولة عربية أو إسلامية معينة، أو ممولاً من شخص أو من حزب أو من حركة سياسية في الخارج. والفيتو الأمريكي الثالث منع فصائل الثورة السورية من استهداف قصور بشار الأسد مباشرة، ومخالفة هذه الأوامر الأمريكية الثلاثة سيضع هذا الفصيل أو ذاك تحت المسؤولية المباشرة من أمريكا، أو الدولة الداعمة، بمنع التمويل والتسليح عنها، أو العقوبة المباشرة، وهكذا وضعت كافة التنظيمات وفصائل الثورة السورية تحت الإشراف الدولي من حيث تعلم أو لا تعلم.
وعلى الرغم من هذه الضغوط الأمريكية فقد وصلت الثورة السورية في بعض لحظاتها إلى مراحل تهديد بقاء الأسد في السلطة، وهذا ما دفع أمريكا و”إسرائيل” لمنح إيران الضوء الأخضر لإرسال المليشيات العسكرية الطائفية للتدخل في سوريا، لإضعاف فصائل الثورة السورية المعارضة، وتغيير مسار السيطرة على الأرض والمدن والمحافظات عسكرياً، بشرط أن يكون التواجد الإيراني في سوريا ضمن الحدود والشروط المتفق عليها بين الحكومتين الإيرانية والأمريكية، وموافقة إيران على ذلك جاء ضمن رؤيتها لتصدير الثورة الايرانية الطائفية أولاً، وسهل لها ذلك التوقيع على اتفاقية فيينا على الملف النووي الايراني يوليو/تموز 2015 ثانياً.
ولكن بقاء تفوق فصائل الثورة السورية على المليشيات الإيرانية بعد ثلاث سنوات من التدخل الإيراني في سوريا دفع أمريكا و”إسرائيل” لإدخال روسيا في المعادلة العسكرية، بعد أن كانت محصورة بالتأييد السياسي لحكومة بشار الأسد، وبالأخص دعمها في مجلس الأمن بالفيتو الروسي بالتنسيق مع أمريكا والصين، وقد استخدمت أمريكا التشجيع الإيراني لروسيا، بتقديم قيادة الحرس الثوري الإيراني تعهدات لبوتين بأن يكون التدخل العسكري الروسي قصيراً وسريعاً، وأن يتولى الحرس الثوري السيطرة على الأرض، بعد تدمير الطيران الحربي الروسي لقواعد فصائل الثورة السورية، ودخلت روسيا الحرب في سوريا بحجة «داعش» والإرهاب بعد أن تمكن الإعلام الإيراني، بما فيه إعلام بشار الأسد، من تأسيس كتائب تابعة لها تعمل باسم الإسلام السياسي والجهادي و»داعش» والشعارات التكفيرية والإرهابية، وبما أن لروسيا بوتين أهدافاً اقتصادية وسياسية وصليبية في سوريا فقد استغلت الدعوة الإيرانية لها بالتدخل العسكري في سوريا، وقد وجدت تشجيعاً أمريكياً من جون كيري وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، كما أن روسيا لم تجد معارضة كافية من دول العالم الإسلامي لتقوم بعمليات قصف همجي عشوائي، قتلت فيها عشرات الآلاف من أبناء الشعب السوري الأبرياء، ودمرت مقومات حياة الباقين، بتدمير البنية التحتية، من منازل ومدارس ومخابز ومستشفيات ومساجد وغيرها، ولكن بدون أن يحقق الاحتلال الروسي الأهداف الحقيقية الخاصة به.
إن فشل التدخل الروسي في سوريا، ودخوله في أزمة الخروج منها والبحث عن الخلاص، مؤشر على أن الاستراتيجية الأمريكية نجحت في إدخال سوريا مرحلة الدولة الفاشلة والفوضى الخلاقة المتناحرة داخلياً لسنوات وعقود مقبلة، بعد أن نجحت الاستراتيجية الأمريكية بإدخال أفغانستان والصومال والعراق وليبيا واليمن في هذه المرحلة من قبل، وهو مؤشر على نجاح الاستراتيجية الأمريكية بإدخال إيران وروسيا في الأزمة السورية، فروسيا أخطأت بتصديق الوعود الإيرانية بأن تدخلها العسكري في سوريا سيكون سهلاً وسريعاً وبمكاسب كبيرة، ولذلك لجأت إلى الحكومية “الإسرائيلية” لمعالجة مشاكلها مع إيران في سوريا أولاً، وفرضت على إيران الانسحاب أربعين كيلومترا بعيداً عن الحدود مع “إسرائيل”، كما ذهبت روسيا إلى إيجاد تفاهمات لها مع تركيا لمواجهة مشاكلهما المشتركة مع الاستراتيجية الأمريكية في سوريا أيضاً، فالتواجد والانتشار الإيراني أصبح عقبة في الحل السياسي الروسي، ولذلك لجأت روسيا في اتفاق أستانة الأخير حول إدلب إلى تركيا، فروسيا أصبحت متأكدة من ضرر إيران عليها في سوريا، ولكنها لا تستطيع مواجهتها، لحاجتها إليها أيضاً حتى إيجاد البديل.
إن اتهام روسيا ل”إسرائيل” بتعمد إسقاط الطائرة الروسية في سوريا، يحمل في طياته اتهاماً لأمريكا أن تكون شريكة ولو في مجال التجسس الإلكتروني ، فالحرب هي في أعلى درجات التقدم التكنولوجي والإلكتروني، فإذا نجحت “إسرائيل” فعلاً بتغيير مسار الصاروخ السوري الذي أسقط الطائرة الروسية، فإن ذلك قد يفسر ظاهرة سقوط طائرات روسية عديدة منذ تدخلها في سوريا، فروسيا تمارس ضغوطاً على “إسرائيل” كي لا تكون أداة بيد أمريكا ضدها ولو في سوريا على أقل تقدير، وهذا ما يفسر شكوى نتنياهو لترامب في لقائهما يوم الخميس 27 سبتمبر/أيلول الجاري، على هامش الدورة 73 للأمم المتحدة في نيويورك، مطالبا إياه بالتدخل لمعالجة الازمة الروسية “الإسرائيلية”، وقد استجاب ترامب لذلك، وهذا يعني أن أمريكا لن تقبل ضغوطاً روسية على “إسرائيل”، وهو ما لم تفعله امريكا لحماية تركيا بعد إسقاط الطائرة الروسية سوخوي في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، أي أن أمريكا ترفض الضغوط الروسية على “إسرائيل” بينما كانت تتمنى وقوع حرب روسية تركية في ذلك الوقت.
وبالنظر إلى الطريقة التي عالجت بها روسيا موضوع إسقاط الطائرة الروسية مع تركيا، بفرض عقوبات عليها وتوتر العلاقات بينهما، ومن ثم استثمارها بإيجاد علاقات متينة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً لمواجهة تحديات مشتركة في سوريا والمنطقة، فإن التوجه الروسي نحو “إسرائيل” دليل على أن روسيا تسعى من خلال تأزيم موضوع إسقاط الطائرة إلى توظيف “إسرائيل” للعمل في سوريا ضمن استراتيجية روسية و”إسرائيلية” مشتركة، أو بعدم عرقلة جهودها للحل في سوريا، بدليل أن روسيا تعمدت تحميل الحكومة “الإسرائيلية” مسؤولية إسقاط طائراتها في سوريا، والتسبب بمقتل خمسة عشر عسكرياً روسياً، وكان بإمكانها تحميل نظام بشار الأسد المسؤولية، أو التعامل مع الحادث كخطأ فني غير مقصود من الطيران “الإسرائيلي”، ولكن روسيا اتهمت “إسرائيل” بتعمد إسقاط الطائرة الروسية ومقتل من فيها، لأنها تريد منع “إسرائيل” من عرقلة جهودها العسكرية في سوريا، وهذا يعني أن روسيا تسعى لاستثمار هذه الحادثة لتنسيق أكبر تُلزم به الحكومة “الإسرائيلية” بما تريده، أي أن روسيا تبحث عن مصالح مشتركة مع “إسرائيل” في سوريا ولا تسعى لصناعة صراع نفوذ بينهما، قد يكون من أهمها عدم التعاون مع أمريكا لتوريط روسيا في سوريا أكثر أولاً، وعدم تقويض التواجد الإيراني في سوريا، لحين إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، فالضغوط “الإسرائيلية” لخفض التواجد الإيراني في سوريا وتوجيه الضربات المؤثرة والمدمرة لقواعد إيران في سوريا يؤذي الاستراتيجية الروسية في سوريا، ويحرج ايران وروسيا معاً، وقد يضطر إيران وحلفاءها إلى توجيه ضربات معاكسة ل”إسرائيل”، وهذا سيدمر الجهود الروسية لإيجاد مخرج مشرف لها من أزمتها في سوريا.
كاتب تركي
القدس العربي