سمير صالحة
تواصل أنقرة، ومنذ عامين، انتقاداتها السياسة الأميركية في شرق الفرات في سورية، ومضيها في مشروع تشكيل جيش نظامي قوامه 40 ألف مقاتل، تكون “وحدات حماية الشعب الكردية” قلبه النابض.
وتجمع القيادات السياسية التركية على أن واشنطن تقوم بخطواتٍ مثيرةٍ للقلق، لإضفاء الشرعية على هذا التنظيم، ليبقى دائماً في المنطقة، بدلاً من أن توقف دعمها هذه الوحدات التي ترى فيها تركيا امتداداً لحزب العمال الكردستاني، المعلن تنظيماً إرهابياً في دول عديدة. وقد كرّر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مراتٍ أن القوات التركية ستتحرك لطرد هذه الفصائل من المناطق الحدودية، لأنها تشكل خطراً على الأمن القومي التركي، مهما كان الثمن. والمقصود هنا طبعاً أن أنقرة تضع بعين الاعتبار احتمال وقوع مواجهة مباشرة مع القوات الأميركية المنتشرة هناك تحت غطاء إنشاء أبراج فصل ومراقبة في المنطقة.
في المقابل، يعلن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في سورية، أنه يعمل مع الفصائل السورية الحليفة له، لتشكيل قوة حدودية جديدة، سيكون نصفها من المقاتلين المخضرمين في “قوات سوريا الديمقراطية”. ويجري حالياً تجنيد النصف الآخر. وستنتشر هذه القوات على طول الحدود مع تركيا شمالاً، والحدود العراقية باتجاه الجنوب الشرقي، وعلى طول وادي نهر الفرات. ما لا تقوله واشنطن إن هذه الوحدات ستتحول إلى جيش كامل التسليح والتدريب، وبرواتب شهرية ثابتة، وبرتب عسكرية نظامية متعارف عليها دولياً، وإن فرقاً للأمن الداخلي والوحدات الخاصة والاستخبارات العسكرية يجري التحضير لها لاستكمال مهام هذا الجيش. والمشكلة الآن أنه خلال هذه المرحلة الانتقالية في شمال شرق سورية، والتي ستكتمل خلال أسابيع، تتولى قوات التحالف الدولي حماية هذه الفصائل، لكن المشكلة الكبرى والأهم أن هذه الحماية ستستمر، طالما أن الأزمة السورية مستمرة.
مشروع الجيش الكردي السوري لا مفر منه بعد الآن، فالإدارة الأميركية وقوات التحالف وعواصم عربية تريده، سيكون لباسه اليوم بألوان متناسقة، عربية كردية جامعة موحدة، حتى يتم التحضير للخطوة المقبلة. وهو جيش كردي كلفته واشنطن بحماية المناطق الحدودية التركية، فما الذي يغضب أنقرة؟
استفادت واشنطن مثلاً من دروس شمال العراق، وإهدار فرصة عدم تحويل البشمركه هناك إلى جيش صغير قوي. لذلك نراها تريد أن تطبق هذا الاختبار على الحدود التركية السورية والسورية العراقية.
هي تريد جيشاً كردياً متماسكاً بتسليح حديث، وخبرات قتالية أوسع. لماذا هذا الجيش، وضد من سيقاتل؟ “مسألة ثانوية” تترك لعامل الوقت والظروف.
يتحدث وزير الخارجية التركي، جاووش أوغلو، عن أربعمائة ألف كردي نازح من سورية اختاروا الهروب من النظام، ومن هيمنة “وحدات حماية الشعب” الكردية. ويقول نائب الرئيس التركي، فؤاد أوكتاي، نريد أن ننقل تجربة غرب الفرات إلى شرقه، مشترطاً تفتيت ممر الإرهاب هناك، لكن واشنطن تتحرّك باتجاه إعداد حلفائها الأكراد، ليكونوا الرقم الصعب في المعادلة السورية. وتريد لنهر الفرات أن يلعب دور قناة السويس بين عامي 1967 و1973، ويشكل الحدود الشمالية الواقية للكيان الكردي.
وبانتظار إنجاز المشروع، فإن القوات الأميركية هي التي ستلعب دور قوات الفصل والطوارئ والمراقبة في الشمال السوري.
وستكون مهمة الجيش الكردي محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والإرهاب، وتوفير أمن المنطقة وحمايتها. لكن بين مهامه أيضاً التصدي للمشروعين، الإيراني والتركي، والضغط على النظام في سورية، ليلتزم بخيار طاولة التفاوض على التقسيم، وإعطاء واشنطن وحلفائها ما يريدونه في سورية.
من دون أن نهمل ما تقوله قياداتٌ، مثل رياض درار الرئيس المشارك لـ”مجلس سوريا الديمقراطية”، إن المسألة لن تتوقف عند الشق العسكري والأمني فقط، و”ارتأينا أن وجود مجلس تنفيذي يدير كل هذه المناطق هو بمثابة نظام حكم إداري مؤقت، ونحن نفاوض النظام على تكريس النموذج اللامركزي الديمقراطي”.
شأن سوري بحت ربما، لكن أن يتم ذلك بحمايةٍ ورعايةٍ أميركيتين، فهو من دون شك لن يبقي حوار أنقرة وموسكو وطهران في أستانة محصوراً بإدلب وأمنها. وقد قال وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، الذي استقبل المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، جيمس جيفري، في أنقرة إن بلاده لن تسمح على الإطلاق بتشكيل “ممر إرهابي” على حدود تركيا الجنوبية. لكن البيان التركي الأميركي المشترك، الصادر عن اجتماع مجموعة العمل المشترك بين البلدين، يؤكد فقط على ضمان تحقيق تقدم ملموس وسريع في خريطة الطريق المرسومة حول منبج السورية، حتى نهاية 2018، وعلى التزامهما الحفاظ على سيادة سورية واستقلالها ووحدة ترابها. كل ما تقدمه الإدارة الأميركية لأنقرة وتعد به هو التنسيق في موضوع منبج، مع الأخذ بالاعتبار أن لا يعني ذلك سيطرة القوات التركية على المدينة. وقد يكون نموذج القامشلي مشابها للحالة السياسية والدستورية القائمة في أربيل اليوم بتعديلاتٍ “طفيفة”، حيث التفاهمات على حالة خاصة بين الفيدرالية والكونفدرالية. سيكون النظام موجوداً مالياً واقتصادياً وسياسياً، لكنه لن يتدخل في شؤون المنطقة أمنياً وعسكرياً، المهمة والدور هنا سيكونان للجيش الكردي.
نحن لا نتحدّث هنا عن حقوق الأكراد السوريين، السياسية والاجتماعية والثقافية، المهدورة منذ عقود، بل عن مشروع تفتيتي، يراد أن يكون بعض أكراد سورية رأس الحربة فيه، وكأن الثورة في سورية نشبت من أجل هذا المشروع لا غير.
مرة أخرى، وللتذكير فقط، تنتظر الإدارة الأميركية من أنقرة القبول بالحوار مع تشكيل سياسي كردي جديد، بلافتات وعناوين سياسية دستورية ملمّعة، فهل من الممكن أن تقبل أنقرة بما عارضته وحاربت ضده عقوداً: إعطاء حزب الاتحاد الديمقراطي، الصورة طبق الأصل لحزب العمال الكردستاني، المشروعية المطلوبة بضمانات أميركية؟
هل ما تفعله واشنطن اليوم في شرق الفرات تقوم به باسمها، ونيابة عن الروس، لأن التفاهمات الأولية تمت بين البلدين منذ اتفاقية هلسنكي في يوليو/ تموز المنصرم بشقها السوري؟ وهل الإدارة الأميركية أساساً تنفذ مشروعاً روسياً هناك، في إطار مسودة الدستور السوري الجديد التي أشرف عليها نيكولاي باتروشيف، سكرتير مجلس الأمن الروسي وفينالي نومكين مستشار الرئيس بوتين للشرق الأوسط، وحيث يفاوض النظام في سورية عليها ومنذ فترة، إلهام أحمد القيادية الكردية في حزب الاتحاد الديمقراطي.
العربي الجديد