الإخوان المسلمون في سورية

فضيلة المراقب العام: إيران والكيان الصهيوني عدوان للشعب السوري.. والمشكلة في سورية ليست مشكلة دستورية وإنما مشكلة نظام الدكتاتورية والفساد

موقع إخوان سورية
أكّد فضيلة المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية د. محمد حكمت وليد، أن الجماعة بيّنت مراراً وتكراراً موقفها الرافض للمشروع الإيراني، واستنكرت المجازر والمذابح التي يقوم بها النظام بمساعدة الإيراني و”حزب الله”.
وانتقد فضيلته -في مقابلة مع موقع “نداء بوست”- سعي بعض الأنظمة للتطبيع مع نظام الأسد، معتبراً أن هذا التطبيع “يشير إلى الانحطاط السياسي والأخلاقي الذي يضرب المنطقة، ويُكسب المجرم المناعة ضد المحاكمة ويتركه ليفلت من جريمته حراً طليقاً مستمراً في تحدي كل القوانين والشرائع”.
وأرجع د. وليد انسحاب الجماعة من اللجنة الدستورية “لاعتقادها أن المشكلة في سورية ليست مشكلة دستورية، وإنما هي مشكلة نظام الدكتاتورية والفساد، الذي ينتهك حرمة الدستور عندما يشاء”.
وفيما يلي النص الكامل للحوار:
في 28 كانون الأول/ ديسمبر 2021، أصدرت جماعة “الإخوان المسلمين” في سورية، بيانًا بعنوان “كيانٌ يُدمِن العدوان.. وعصابة تُدمِن القتل والترويع”، أشاروا فيه إلى القصف الإسرائيلي الذي طال ميناء اللاذقية.
أثار البيان لحظة صدوره، ردود أفعال غاضبة، وطالت الجماعةَ موجةُ انتقاد واسعة بسبب هذا الموقف، وذهب البعض للقول إن الجماعة وقعت في فخ “التعاطف مع النظام”.
حول هذا البيان وموقف الجماعة من إيران و”إسرائيل” وغيرها من الملفات، نحاور د. محمد حكمت وليد، المُراقِب العامّ لجماعة الإخوان المسلمين في سورية
* “نداء بوست”: بيانكم حول القصف الصهيوني على مرفأ اللاذقية أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السورية، البعض اتهم الجماعة أنها سقطت في فخّ التعاطف مع النظام السوري، لنتحدث بالتفصيل عن هذا البيان.
** وليد: في هذه الحادثة كان القاصف عدوّاً مجرماً والمقصوف عدوّاً دخيلاً محتلاً، وهما يخوضان معركتهما على أرضنا ويروعان أطفالنا ونساءنا وشيوخنا.
إن البلد بلدنا، والميناء ميناؤنا، وقد فُهم البيان على غير ما أُريد له، والقارئ المنصف يجد فيه إدانة لجهات عدة:
للكيان الصهيوني على عدوانه، وللنظام الذي استعاض عن الرد على الصهيوني بقصف أطفال إدلب، وللإيرانيين والروس الذين يدَّعون حماية النظام.
وقد حملت جماعتنا لواء الموقف الوطني منذ نشأتها ودفعت في سبيل ذلك الغالي والنفيس، وستستمر على هذا النهج القويم بإذن الله.
* “نداء بوست”: يومَ كان المنبهرون بمشروع الثورة الإيرانية تنبَّه الشيخ سعيد حوا إلى خطر مشروع الخميني وحذر منه في كتابه الشهير (الخمينية شذوذ في العقائد وشذوذ في المواقف)، لكن العلاقة بين الإخوان المسلمين وإيران تبقى مثار جدل ونقاش، ودائماً على الرغم من موقفكم الواضح من خطر المشروع الإيراني قبل الثورة وبعدها.. لماذا تلاحقكم تهمةُ العلاقة مع إيران؟
** وليد: لقد بيّنّا مراراً وتكراراً موقفنا الرافض للمشروع الإيراني، واستنكرنا المجازر والمذابح التي يقوم بها النظام بمساعدة الإيراني وحزب الله، وكان الوضوح في موقفنا هذا نتيجة وضوح الرؤية، ونتيجة المعايشة والقرب الجغرافي وما رأته عيوننا من المجازر وما سمعته آذاننا من صرخات اليتامى والثكالى.
ويبدو أن هناك فريقاً من الناس لا يفهم أو لا يريد أن يفهم حقيقة موقفنا الواضح، كما أن هناك بلداناً أخرى لم تكتوِ بنار الاحتلال الإيراني بعدُ، ولن تَتَّعِظَ حتى تُجرب بنفسها وتدفع الثمن.
* “نداء بوست”: تفتخر طهران باحتلالها أربع عواصم عربية، برأيكم هل نجحت في تحقيق مشروعها الطائفي في المنطقة؟ وكيف ترى مستقبل هذا المشروع ووجوده في الدول العربية؟
** وليد: قد يحقق المشروع الإيراني نجاحات على المدى القريب هنا وهناك، ولا يمكن أن يُكتب له النجاح على المدى البعيد؛ لأنه مُنبتّ الجذور عن هذه الأرض، وهو مشروع وافد يتبنى الأحقاد التاريخية، والقوة القاهرة، ودعم الاستبداد المزمن، والتعصب المذهبي البغيض الذي يعمل على تغيير هُوِيَّة الشعوب العربية الإسلامية، ويعمل كذلك على التغيير الديموغرافي لسورية ذات الأغلبية السنية.
إنه مشروع بالغ الخطورة، يُهيِّئُ -عَلِمَ أو لم يَعْلَمْ- التربة الخصبة لحرب طائفية مذهبية لا تُبقي ولا تذر.
* “نداء بوست”: بعض الدول العربية تدعو إلى عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية وفتح قنوات للتواصل معه، والبعض اتخذ إجراءات في هذا المسار بذريعة إبعاده عن إيران.. برأيك هل التطبيع مع دمشق يحجم نفوذ إيران ويُبعد النظام عنها؟ وهل يستطيع النظام اتخاذ قرار بهذا الحجم أساساً؟
** وليد: عدد من الذين دعوا لاستبدال الأسد في بداية الثورة يسعون للتطبيع معه اليوم، وهم يعلمون أنهم يطبعون مع الوحش وإجرامه المسكوت عنه دولياً.. وهذا يشير إلى الانحطاط السياسي والأخلاقي الذي يضرب المنطقة، ويُكسب المجرم المناعة ضد المحاكمة ويتركه ليفلت من جريمته حراً طليقاً مستمراً في تحدي كل القوانين والشرائع.
لا شك أن النظام سيتقوى بهذا التطبيع، وفي نفس الوقت سيزيده تمسُّكاً بإيران التي تدخلت مع روسيا لإنقاذه بعدما أشرف على السقوط، وسوف يستقويان معاً لإثارة القلاقل والاضطرابات السياسية والمذهبية في كل هذه الدول.
* “نداء بوست”: وجَّهتُم شكراً للمملكة العربية السعودية وسفيرها لدى الأمم المتحدة عبدالله المعلمي بعد خطابه الشهير “لا تصدقوهم” في الجمعية العامة للأمم المتحدة، كيف تنظرون للموقف السعودي من الثورة السورية؟
** وليد: موقف السفير المعلمي موقف تاريخي مشهود له، يقول (لا) لنظام الإجرام في زمن تسابق فيه الكثيرون للتطبيع معه.
وفي هذا الخطاب قراءة صحيحة لأحداث السنوات العشر ونيِّف من الثورة السورية، واستمرار في الطريق الصحيح الذي انتهجته المملكة في دعم هذه الثورة.
* “نداء بوست”: كيف تتوقع سير العلاقات بين الدول العربية عموماً والنظام خلال هذا العام؟
** وليد: البلدان التي تسير في فَلَك السياسة الإيرانية تستميت على التطبيع وإعادة العلاقات، وكذلك بعض البلدان المأزومة اقتصادياً.
ولكن دولاً ذات وزن في المعادلة العربية ما زالت تعارض هذا التطبيع، ولا شك أن للمعادلات الدولية وضغوطاتها شأناً بارزاً في هذا السبيل.
* “نداء بوست”: يرى كثيرون أن أمريكا تسحب يدها من المنطقة خاصة بعد انسحابها من أفغانستان، وعاد السؤال حول مستقبل الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة.. كيف تقرأ مصير الوجود العسكري الأمريكي في سورية؟ كيف تقيّم الموقف الأمريكي في ظل إدارة بايدن؟
** وليد: سياسة بايدن هي امتداد لسياسة أوباما في التعاطي مع القضية السورية، ومع الأسف لا تشكل سورية ثقلاً إستراتيجياً مُهِمّاً للولايات المتحدة، ووزن القضية السورية في الميزان الإستراتيجي الأمريكي يتعلق بالأمن الإسرائيلي بالدرجة الأولى، أما الاعتبارات الإنسانية فتضيع في خضم المِيكافِيليَّة السياسية المتوحِّشة.. بدا هذا جلياً منذ فترة أوباما عندما اكتفى من مجرم الكيماوي بشار بأن يُسلِّم جزءاً من أدوات الجريمة ليتركه حراً طليقاً بعدها..
حتى قانون “قيصر” لم يُقصد منه إسقاط النظام، وإنما تغيير سلوك النظام (لم يحدد أي أنواع السلوك)!!.
ومن خَبَرَ هذا النظام يعلم علم اليقين أن الجريمة متأصلة في بِنْيَته وأنه لا يقبل الإصلاح أو الشراكة.
* “نداء بوست”: عودةً إلى بيانكم الأخير وردود الفعل الغاضبة عليه، هناك تخوُّف من أن الكيان الصهيوني يبدو وكأنه يلقى قبولاً لدى بعض المعارضين السوريين، وكأن بعض الأطراف السورية تُوصل إلى بعض الأطراف أنها تقبل بالتطبيع والتواصل مع الكيان.. إلى أي حد يمكن اعتبار هذا التخوف حقيقياً؟ وما موقفكم من الكيان والتطبيع معه؟
** وليد: لا تنطبق على السوريين مقولة إن عدو عدوي صديقي، فإيران والكيان عدوان للشعب السوري ويتصارعان على النفوذ على الأرض السورية، والاستعانة بأحدهما كالمستجير من الرمضاء بالنار..
كِلا الثقافتين الفارسية والصهيونية تحمل بذور الاستعلاء والاستكبار واحتقار العنصر العربي الإسلامي، وكلاهما غريب على هذه المنطقة ويعتمد القوة العسكرية القاهرة لإعادة صياغتها ديموغرافياً وثقافياً، وقد علّمنا التاريخ أن هذه النبتات الغريبة تزدهر لفترة قصيرة في عمر الأمم ثم تذبل وتموت.
* “نداء بوست”:  ألكسندر لافرنتييف، مبعوث الرئيس الروسي إلى سورية، صرح قبل أيام أنّ إعداد دستور جديد لسورية يجب أن لا يهدف إلى تغيير السلطة في البلاد.
ألا تؤكد هذه التصريحات صوابية موقفكم المبكر من الدستورية، وانسحابكم منها مبكراً؟ وما هي رسالتكم للأطراف السورية المشاركة في اللجنة الدستورية؟
** وليد: يجب أن نفرق هنا بين أهمية العملية الدستورية التي تصوغ دستوراً يحدد هُوِيَّة البلد ومعالم شخصيتها الرئيسية، وبين عقم اللجنة الدستورية التي تم تشكيلها في ٢٣ سبتمبر ٢٠١٩ لصياغة دستور سوري جديد، والتي قراراتها ليست ملزمة في القانون السوري المعمول به من قِبل النظام.
لقد انسحبت الجماعة من اللجنة الدستورية لاعتقادها أن المشكلة في سورية ليست مشكلة دستورية، وإنما هي مشكلة نظام الدكتاتورية والفساد، الذي ينتهك حرمة الدستور عندما يشاء.
ورسالتي لأطراف اللجنة الدستورية، كفاكم خِداعاً للنفس وتضييعاً للوقت، فحل الأزمة الحقيقية يبدأ بالانتقال السياسي الحقيقي والانتخابات الحرة التي نص عليها القرار الأممي ٢٢٥٤.
* “نداء بوست”: بعد سنوات من التدخل العسكري الروسي وتوسع نفوذه السياسي والعسكري داخل سورية، وما تشهده قاعدة “حميميم” من تسليح وأعمال توسعة وتطوير، واستخدامها مركزاً لانطلاق العمليات الروسية العسكرية في سورية وخارجها.. يتساءل كثير من السوريين عن مستقبل هذا الاحتلال وإمكانية طرده من البلاد.. لنتحدث بالتفصيل عن الاحتلال الروسي وسُبل مقاومته.
** وليد: روسيا كغيرها من الإمبراطوريات خلال التاريخ، تخرج من البلدان التي تحتلها عندما تفوق الكلفةُ المغانمَ التي تجنيها من الاحتلال.. وهذا ما حصل للانسحاب الروسي من أفغانستان والانسحاب الأمريكي من فيتنام وأفغانستان.
جاء الاحتلال الروسي إلى سورية بإرادة النظام السوري، وسيخرج بإرادة الشعب السوري إن شاء الله.
الأكثرية الكاثرة من الشعب السوري تعتبر الوجود الروسي في سورية غزواً عسكرياً مسلحاً لصالح طغمة حاكمة مجرمة فرطت بخيرات ومستقبل البلد ولا بد لها أن تخرج وإن طال الزمن.
* “نداء بوست”: أجمع كثير من السوريين على وجود أزمة كبيرة داخل المعارضة السورية بعد مرور (11) سنة على انطلاق الثورة السورية، كيف تقيّم أداء المعارضة السياسية؟ وكيف يمكن إحياؤها مجدداً؟ كيف يمكن أن تستعيد ثقة الحاضنة الثورية؟
* وليد: قضية الشعب السوري قضية عادلة، ولكن سورية تعيش في صحراء سياسية عمرها نصف قرن، والمعارضة السورية هي وليدة هذه البيئة المتصحرة سياسياً، ولم تستطع أن تُطوِّر أداءها خلال سِني الثورة العشر للارتقاء إلى المستوى المطلوب؛ لأن العالم أُرِيدَ له أن يعيش هاجس الخوف من الإرهاب، ويفهم لغة واحدة هي مكافحة الإرهاب.
وحدثت الكارثة الحقيقية عندما حُشر العالم ليختار أحد الخطريْنِ:
خطر إرهاب متوحش منفلت اسمه “داعش”.
وخطر ديكتاتور متوحش منضبط اسمه بشار الأسد.
واختار العالم مَن يحسبه أهون الشّرَّيْنِ.. وضاع الوجه النبيل للثورة السورية في زحمة الغَوْغاء الإعلامية والمِيكافِيليَّة السياسية.
واليوم وبعد كل هذه التضحيات لا يمكن طيّ صفحة الثورة وتعويم بشار الأسد بعدما أشرف مراراً على الغرق.
لا بد من استعادة القرار السياسي للأيدي السورية، وجمع أطراف المعارضة على القواسم الوطنية المشتركة لاستعادة الدور الثوري الذي أفلت منها.
لا يمكن لعصابة الأسد أن تنجو بجريمتها، وشهادة حسن السلوك المطلوبة دولياً لا تأتي إلا من هذا الشعب الذي قدم تضحيات لم يقدمها شعب آخر في القرن الحادي والعشرين.

محرر الموقع