الإخوان المسلمون في سورية

ما الذي يجري في سوريا؟

فرج شلهوب

 

ما الذي يجري في سوريا؟! قصف متكرر على المطار ومواقع عسكرية منتقاة، في دمشق وغيرها.. تارة يصرح “الإسرائيليون” أن الأهداف شحنات سلاح كانت متوجهة لحزب الله، ومرة أخرى بنى تحتية للحرس الثوري الإيراني الذي يسعى لبناء وجود مؤثر له في سوريا، يشكل إزعاجاً وخطراً استراتيجياً لتل أبيب.

 

القصف “الإسرائيلي” يتكرر، وبخلاف الماضي لم تعد تل أبيب تتحفظ من إعلان مسؤوليتها، بل هي تثبت قواعد تعامل صارمة، أنها لن تسمح بمراكمة قوة عسكرية إيرانية في جنوب سوريا، وتحديداً في المنطقة الممتدة ما بين حدود الجولان وحتى تخوم دمشق، وأنها تراقب نوعية التسليح الإيراني هناك، حجم القوات أماكن توزعها.. وما تقيمه من بنى عسكرية وتجمعات تصنيع للعتاد العسكري.. وأنها لن تسمح بتعاظم القوة الإيرانية، ولن تتحفظ من شن غارات لضرب وقصف تلك الأهداف والبنى .. وأنها جاهزة لكل ردود الفعل، وهي ترى أن المعالجات العسكرية المبكرة والحاسمة، والأن وليس غداً، ضرورة حيوية لأمنها الاستراتيجي في سياق صراعها ضد إيران، ومحاولاتها الدؤوبة لتعزيز وجودها وقوتها العسكرية في الجنوب السوري، مثلما في الجنوب اللبناني.

 

والمعادلة هنا واضحة، إذا كانت تل أبيب هي من يتصدر حملة التأليب على إيران، وتنسيق التحالف الإقليمي المناهض لها، ومن جملة ذلك الضغط على الإدارة الأمريكية للمبادرة بضرب إيران وتعزيز حصارها وعزلتها.. فإن طهران تدرك أن مواجهة التهديدات “الإسرائيلية” الأمريكية لها، وتالياً سياسات عزلها وضربها، في واحدة من أهم تجلياتها تتمثل في تعزيز وجودها قبالة الحدود “الإسرائيلية”، ومراكمة القوة العسكرية النوعية القادرة على بناء توازن ردعي مع تل أبيب إذا ما حانت لحظة القرارات الكبرى في استهداف إيران.

 

وطهران هنا تستفيد من الفراغ في سوريا، وطبيعة العلاقة فوق العميقة التي باتت تربط بينها وبين النظام في سوريا على خلفية الأزمة، وما قدمته طهران من أجل منع سقوط النظام.

 

تل أبيب من جهتها ترى أن معركتها ضد الوجود الإيراني في سوريا، الآن وقتها، ولا مجال للتأجيل، وكل تأجيل سيكون له كلف وأثمان باهظة.. ومن جهة أخرى يرى رئيس الحكومة “الإسرائيلية” أن شن الغارات يمنحه مزايا في معركته الانتخابية، فهي من جهة تغطي على إخفاقاته في المواجهة في الجنوب في غزة، التي تختلف نوعية المعركة فيها عن مثيلتها في سوريا..أقلها أن تلك مؤجلة وهذه مستعجلة. كما أن الغارات تمنح نتنياهو صورة الزعيم القوي المبادر والقادر على الحسم، التي يحاول خصومه السياسيون التشويش عليها، بمعنى أن نتنياهو يرى في غاراته في الشمال كسباً صافياً، فتوقع الردود على غاراته في الحدود الدنيا، ذلك أن إيران تريد كسب أطول وقت لبناء قدراتها في سوريا، ولا تريد أن يفرض عليها نتنياهو وقت الحرب وصيغتها.. ولو كان لدى نتنياهو أي تقدير أن رداً إيرانياً قوياً .. من سوريا قريب.. لما جازف .. وسياق عمله في لبنان يفسر كيف يعمل، حين اكتفى بالاستعراض في استهداف ما أسماه أنفاق حزب الله التي تخترق الحدود، ولم يذهب لأبعد من ذلك..لأن القراءة هناك مختلفة.

 

ونتنياهو في ذلك يدرك أن الغارات في سوريا على أهداف إيرانية لا تجد معارضة دولية ولا إقليمية، بل ربما رغب بها البعض واستحسنها، وهي تقدم تل أبيب كلاعب نشط وقوي في الإقليم، وليس قوة احتلال غاشم فيما لو كانت الأهداف في غزة.. الجاهزة للرد أيضاً، حيث ليس ثمة ما تخسره.

 

نتنياهو يخوض معركته الانتخابية عبر غارات في سوريا، يعرف محددات الرد فيها، مثلما يخوضها في تشاد عبر دعاية الاختراقات الدبلوماسية، خالطاً بين المواقف الاستراتيجية والتكتيكية، للأمن “الإسرائيلي” واستمراره في السلطة، بينما يتحفظ في لبنان، وينكسر في غزة، ويسمح بإدخال المنحة القطرية ويضغط عبر أكثر من وسيلة لتسكين الوضع هناك.

 

وفي المشهد، يثار التساؤل أين الروس ومنظومة «إس 300»؟ وهل ما يجري أحجية تحتاج لتفكيك؟ حيث امتنعت تل أبيب عن شن غارات لفترة زمنية ليست قليلة، بعيد إسقاطها للطائرة الروسية، ونشر موسكو منظومتها الدفاعية المتطورة.. ثم شنت تل أبيب بعض الغارات في السر دون الإعلان أو التبني.. لتصل أخيراً إلى عدم التحفظ من شن غاراتها وإعلان المسؤولية، والتوعد بالمزيد..

 

هل موسكو وتل أبيب نسجتا تفاهماً، حول الموضوع، حيث ثمة تقاطع مصالح بينهما في نقطة إضعاف الوجود الإيراني في سوريا، بعد استقرار الوضع هناك لصالح النظام وتعزيز النفوذ الروسي؟ وهل عدم تحفظ تل أبيب من إعلان مسؤوليتها بالتوازي مع عدم إدانة روسيا للغارات بصورة واضحة، أو إعلان نيتها عن اتخاذ إجراءات مضادة يعكس حدود خطوط الطول والعرض المتفاهم حولها؟

 

إنه صراع مركب يلعب كل طرف فيه وفق ما تحدده مصالحه، وليس متوقعاً أن يحسم طرف موقفه مع أو ضد طرف، بعيداً عما يرسمه من توازنات ومحددات، فإيران لن تذهب للقطيعة مع روسيا، ولا هذه الأخيرة في وارد الابتعاد عن طهران .. مثلما لن تكف روسيا عن الانفتاح على تل أبيب.. فالكل ينقل خطاه بما يعزز مصالحه ويحقق أهدافه.. وحدهم العرب ومن بينهم أصحاب الدار الغائبون.

 

السبيل الاردنية

إخوان سورية

أضف تعليقاً