محمود عثمان
عقدت القمة الثلاثية حول سورية، بين رؤساء تركيا وروسيا وإيران، في العاصمة الإيرانية طهران، بهدف مناقشة الأوضاع في محافظة إدلب، وبحث احتمال شن عملية عسكرية ضد قوى المعارضة فيها.
ورغم انخفاض سقف التطلعات تجاه نتائجها، لكن الجميع انتظر بفارغ الصبر ما ستسفر عنه مباحثات الرؤساء حول مصير العملية العسكرية الروسية الإيرانية في إدلب.
ويمكن القول أن البيان الختامي الذي صدر عن القمة تمت صياغته بلغة دبلوماسية “مدورة”، مما ترك الباب موارباً أمام جميع التأويلات، حتى لا تكاد تجد قراءتين متشابهتين لهذا البيان.
البيان الختامي نص على إعراب الزعماء “عن ارتياحهم لإنجازات عملية أستانا، والتقدم الذي أحرزته في الحد من العنف في جميع أنحاء سورية”، وأكد استمرار التعاون بين الدول الثلاث، بهدف “القضاء التام على المنظمات الإرهابية”، مع التأكيد على ضرورة فصل هذه المنظمات عن فصائل المعارضة المسلحة، والرفض التام لمحاولة إيجاد ذرائع جديدة في إدلب بحجة محاربة الإرهاب، إضافة إلى تهيئة الظروف لضمان عودة اللاجئين والمهجرين إلى مناطقهم.
** قمة طهران بعيون أنقرة
أهمية قصوى أولتها أنقرة لهذه القمة، وتجلى ذلك من خلال الوفد المرافق للرئيس أردوغان.
رؤية أنقرة للقمة، لخصها الرئيس أردوغان، في سلسلة تغريدات نشرها باللغات التركية والعربية والإنجليزية والفارسية، قائلاً: “نحن كدولة تركية، ومنذ البداية، ناضلنا من أجل وقف إراقة الدماء في سوريا. وقمنا بحماية إخواننا السوريين من دون أي تمييز، واليوم أيضاً، كما كان في السابق، لا نريد أن يصاب أحد من إخواننا السوريين”.
وأضاف: “إن الأهمية التي نوليها للقمة الثلاثية التركية الروسية الإيرانية تعود إلى اهتمام تركيا بمستقل أشقائنا وشقيقاتنا السوريين”.
وتابع أردوغان: “صرحنا في قمة طهران اليوم وبكل وضوح بأن الأساليب التي تتجاهل سلامة أرواح المدنيين السوريين لن تكون لها أي فائدة سوى خدمة مصالح الإرهابيين”.
وأردف متعهداً: “في حالة تجاهل قتل عشرات الآلاف من الأبرياء من أجل مصالح النظام (السوري)، لن نكون شركاء ومتفرجين في هكذا لعبة”.
تنطلق الرؤية التركية من المحاور الرئيسية التالية:
1- لا لعملية عسكرية شاملة في إدلب.
2- لا لفرض أمر واقع بحجة الحرب على الإرهاب.
3- لا لإنهاء المعارضة الوطنية السورية كلياً.
4- لا لخداع المعارضة والالتفاف عليها.
5- لا لإجبار اللاجئين على العودة بالإكراه.
6- لا حل سياسياً للأزمة السورية إلا من خلال تطبيق قرارات الأمم المتحدة.
7- لا لموجة جديدة من النازحين.
8- منطقة إدلب يمكن إدارتها مستقبلاً بواسطة المعارضة المعتدلة.
9- تركيا مستعدة لبذل الجهود للقضاء على المخاطر التي تهدد قاعدة حميميم الروسية وحلب. الهدف من ذلك سحب ذرائع الروس للهجوم على إدلب.
10- المسألة السورية وإدلب خصوصاً، بالنسبة لأنقرة مسألة أمن استراتيجي، ولا يمكن لتركيا أن تقف إزاءها موقف المتفرج.
11- الحل من وجهة نظر أنقرة، يقضي بوقف إطلاق النار، ومنح مزيد من الوقت للجهود التي تبذلها في عملية تفكيك التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها هيئة تحرير الشام/ النصرة سابقاً، وبقية التنظيمات المصنفة على قوائم الإرهاب، بحسب قرارات مجلس الأمن الدولي.
12- وقف إطلاق النار في إدلب، سوف يبعث الثقة والطمأنينة بين المدنيين، ما يسهل عودة النازحين إلى بيوتهم. وقد لوحظ ذلك جلياً في الأيام الأخيرة، التي سبقت هجمات الروس والنظام على إدلب وريف حماة، حيث بقي خمسون ألف لاجئ في بيوتهم، ولم يرجعوا إلى تركيا عقب انتهاء عطلة عيد الأضحى.
13- تركيا باقية في سورية حتى ضمان الوحدة السياسية والجغرافية والاجتماعية لهذا البلد.
** موقف إيران؟
على غير المتوقع، فقد اتسم الخطاب الايراني في القمة بالليونة والدبلوماسية. حيث شدد الرئيس الايراني على ضرورة حماية المدنيين وتجنيبهم ويلات الحرب.
صحيح أن الرئيس الإيراني قال إنه “لا بد من اجتثاث الفلول الإرهابية في إدلب، وأنه على جميع الإرهابيين إلقاء السلاح ووقف عملياتهم، لكنه لم يبد اعتراضاً على مطالبة تركيا بإعلان الهدنة، كما فعل بوتين.
ثمة ما يوحي أن الطرف الايراني ربما لجأ لتكنيك تبادل الأدوار مع الروس، بحيث يلعبون دور الحمائم، بينما يتركون دور الصقور لحلفائهم الروس.
** قمة طهران فرصة موسكو لإعلان المعلوم
في خطابه الصقوري، حرص الرئيس الروسي بوتين، على الظهور بمظهر من يمسك بجميع خيوط المسألة السورية. فهو بطل الحرب وبطل السلام، وهو من يقرر وقت المعركة وشروط التسوية.
**الرؤية الروسية من خلال خطاب بوتين:
1- لا لاستخدام وقف إطلاق النار من أجل حماية الإرهابيين. طبعاً من منظور الروس، الكل، ما عدا الأسد ونظامه، إرهابيون.
2- المهمة الاساسية الآن هي طرد الإرهابيين من إدلب. أي لا يوجد وقف لإطلاق النار كما طالب الرئيس أردوغان.
3- الحكومة السورية (نظام الأسد) لها الحق في السيطرة على كل أراضي البلاد بما فيها إدلب.
4- بوتين مصر على إعادة إنتاج نظام الأسد.
5- الحل السياسي للأزمة السورية يجب أن يكون من خلال أستانا، لكن وفق رؤية موسكو.
6- مهمة شركاء موسكو في أستانا، المساعدة في الملفات الانسانية، مثل إعادة اللاجئين، ولو بالإكراه، وإعادة الإعمار، وقضايا الدستور والانتخابات، وغيرها من الملفات.
7- إشارة بوتين لاستخدام الأسلحة الكيماوية هو جزء من الحرب النفسية التي تمارسها روسيا والنظام وإيران، كما فعلوا ذلك من قبل في درعا.
** هل أزفت ساعة الصفر في إدلب؟
كان هذا عنوان مقال في صحيفة “سفوبودنايا بريسا” الروسية، يشير إلى نية موسكو المبيتة في اقتحام إدلب، وأن العائق الوحيد أمامهم هو رد فعل واشنطن.
واضح أن موسكو ماضية قدماً في طريق الحسم العسكري في إدلب، رغم التحذيرات التركية، وأن قمة طهران كانت فرصة لإعلان المعلوم. ومثل ارتفاع وتيرة القصف الجوي الروسي على إدلب ومحيطها في الأيام القليلة الماضية خير دليل على ذلك.
الأناضول