محمد زاهد جول
كثفت الحكومة “الإسرائيلية” في الأسابيع الماضية الحديث عن ضربها لمواقع للحرس الثوري الإيراني في سوريا، والتنافس في استعراض عدد الضربات “الإسرائيلية” بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورئيس أركان الجيش “الإسرائيلي” كان واضحاً جداً، فالأخير يتحدث عن آلاف الضربات التي تم توجيهها ضد الجيش الإيراني في سوريا في العام الماضي 2018، وهذا كشفٌ لا شك أنه يستهدف إهانة الجيش الإيراني، واستفزاز الحرس الثوري للقيام بعمل عسكري ضد “إسرائيل”. فالإهانة الموجهة للجيش الإيراني موجهة للحرس الثوري أيضاً، بل لحلف إيران «المقاومة المزعومة»، بما فيه حزب الله اللبناني.
وقد تعمد الجيش “الإسرائيلي” توجيه هذه الضربات الجوية من الأراضي اللبنانية الواقعة تحت سيطرة حزب الله اللبناني، التابع للحرس الثوري الإيراني، وهذا نوع من الاستفزاز لحزب الله اللبناني، الذي أهانته “إسرائيل” بتدمير أنفاقه بدون ردة فعل، أو عمل شيء صغير لمجرد ادعاء أنه رد للدفاع عن لبنان بإمكانيات صاروخية حديثة، لا تعلم الحكومة “الإسرائيلية” إن كان حزب الله يمتلكها أم لا؟
كشف الجيش “الإسرائيلي” عن هذه الأنفاق وتدميرها، بدون دفاع من حزب الله اللبناني عنها، هو دليل ضعف الحزب على مواجهة الجيش “الإسرائيلي” أولاً، ودليل على أنه خائف أو حذر في أن يُسمح للجيش “الإسرائيلي” بتوجيه ضربة له، بالأخص أن الحكومة “الإسرائيلية” طلبت شهادة القوات الدولية على تواجد هذه الأنفاق، في ظل نفي للحكومة اللبنانية، على لسان وزير خارجيتها جبران باسيل في وقت سابق.
هذه التوترات والضربات “الإسرائيلية”، والأهم من ذلك الحديث عنها إعلامياً بدرجة عالية يكشف أن للحكومة “الإسرائيلية” أهدافاً منها، ليس بالضرورة أن تكون عسكرية فقط، بل الأرجح أن أهدافها السياسية والإعلامية أكبر، فالحكومة “الإسرائيلية” حريصة جداً على إبقاء حالة التوتر مع إيران في سوريا ولبنان والمنطقة، في ظل أزمات سياسية وقانونية يواجهها رئيس الحكومة “الإسرائيلية” نتنياهو أمام القضاء أولاً، وفي ظل مشاريع أمريكية لتشكيل تحالف دولي ضد التوسع الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن ومياه الخليج العربي ومضائقه وموانئه وغيرها، فالتحرك العسكري الإيراني في جزيرة أبو موسى الإماراتية المحتلة هو جزء من التهديد أو رد الفعل الإيراني ضد ما تصفه المشاريع التي تقودها أمريكا، بتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، وكأن إيران تكشف عن بعض جوانب خطتها العسكرية في مواجهة المشروع الأمريكي، فالتحرك العسكري الإيراني في جزيرة أبي موسى هو عمل استفزازي لدولة الإمارات العربية المتحدة، ويحمل رسائل تهديد للدول العربية على الخليج العربي، وتهديد مصادر الطاقة وطرقها في الخليج العربي، والتهديد بإغلاق مضائقها بعمل عسكري، فضلاً عن ادعاء قيادة الجيش الإيراني بأنها قد وضعت خططها العسكرية الهجومية، بعد أن كانت تعتمد على الخطط الدفاعية، بحسب زعمها.
هكذا يتضح أن إيران تبادل التهديدات “الإسرائيلية”، بل الضربات الجوية “الإسرائيلية” على إيران في سوريا، بتهديدات عسكرية ضد “إسرائيل” إعلامياً، وتمارسها حقيقة على أرض الواقع في الأراضي العربية المحتلة من قبل جيشها وحرسها الثوري، سواء في جزيرة أبي موسى، أو في اليمن أو في العراق أو في سوريا أو في لبنان، وعدم قيام الحرس الثوري الإيراني بتوجيه ضربات مباشرة مؤذية ل”إسرائيل” له دلالات كثيرة، منها أن إيران لا تريد الدخول في صراع عسكري مباشر مع “إسرائيل”، ومن باب أولى أنها لا تسعى لذلك مع أمريكا، علماً بأن أمريكا تعلن أنها تعمل على إضعاف إيران ودفعها لتغيير سياستها عبر العقوبات الاقتصادية الخارجية، ودفع المعارضة الإيرانية لأن تبدأ بالثورة ضد حكومة الملالي من الداخل، وتستعمل العقوبات الاقتصادية بهدف التسريع بالثورة الداخلية، ما يكشف أن أمريكا غير جادة بإسقاط حكومة الملالي، بل تستخدم القوة الإيرانية المزعومة لتهديد المنطقة فقط، وأن المشروع الأمريكي و”الإسرائيلي” ضد إيران هو في حقيقته اختلاف على مستوى ما تملكه من قوة داخلية وخارجية فقط، وليس على وجودها في البلاد العربية إطلاقاً. ما يرجح ذلك أن حسن نصرالله لم يمارس منذ مدة زمنية طويلة حملة دعائية إعلامية تهدد “إسرائيل” أولاً، ولم يوجه أي خطاب يحمل تهديداً عسكرياً لها، ولا يعمل لاستفزازها بأي عمل عسكري ولو كان صغيراً، وربما لعلمه أن الحكومة “الإسرائيلية” معنية بتوجيه ضربة محدودة لحزبه في لبنان، والضغوط الدولية على “إسرائيل” بعدم قيامها بأي عمل عسكري على لبنان قبل تشكيل حكومته، وهذا التحذير الدولي يشير إلى أن حكومة “إسرائيل” عازمة على توجيه ضربة محدودة لحزب الله، وبالأخص لمتابعة تدمير الأنفاق داخل الأراضي اللبنانية، ولكنها لن توجهها قبل أن تضمن ردة الفعل المحدودة من حزب الله اللبناني أيضاً، وفي هذه الحالة ستكون الضربة “الإسرائيلية” مجرد خدمة متبادلة بين الحكومة “الإسرائيلية” وإيران وذراعها اللبناني في حزب الله اللبناني.
أما الضربات المتوالية على الحرس الثوري الإيراني فهي لضمان التزام إيران بعدم إقامة مصانع صواريخ لها في سوريا، وإبقاء التواجد الإيراني المسلح في سوريا محدوداً، بحسب المتفق عليه مع روسيا، والذي تحتاجه روسيا أيضاً لحماية قواعدها العسكرية، وحماية أسرة الأسد وجيشها وحكومتها لحين إيجاد حل سياسي للصراع في سوريا، والذي تعمل أمريكا لإبقائه مستمراً لأطول مدة زمنية ممكنة، ما لم تتمكن الدول الضامنة الثلاث روسيا وإيران وتركيا من فرض حل سياسي تقبل به أمريكا وترضى عنه “إسرائيل”، فالضربات العسكرية “الإسرائيلية” للقواعد العسكرية الإيرانية، أو لمصانع الحرس الثوري الإيراني في سوريا، لن تتجاوز ما هو متفق عليه بين “إسرائيل” وروسيا من جهة، وبين روسيا وإيران من جهة أخرى، وبالتالي لن تستطيع أو لن تجرؤ إيران على توجيه ضربة حاسمة للدولة “الإسرائيلية”، وسيبقى حديثها عن تدمير “إسرائيل” مجرد دعاية إعلامية داخلية لا أكثر.
الحرب الكلامية لن تتوقف بين “إسرائيل” وإيران لأن كلا الدولتين مستفيدة منها، والمضحك المبكي فيها أنه في كل مرة تقوم “إسرائيل” بضرب مواقع عسكرية لإيران في سوريا تقوم روسيا بمطالبة “إسرائيل” بعدم تكرارها، ويأتي الجواب من “إسرائيل” بأن روسيا كانت على علم بالضربة “الإسرائيلية” قبل وقوعها، وهذا بقدر ما يكشف عن تعاون روسي “إسرائيلي” على استهداف إيران في سوريا، إلا إنه لا ينفي تعاون إيراني روسي على جعل الأهداف الإيرانية المستهدفة في سوريا خالية من الخسائر، وهذا ما صرح به جنرالات إيرانيون بعد اعتراف “إسرائيل” باستهداف آلاف المواقع الإيرانية في سوريا، إذ قال بأنه لم يسقط جندي إيراني في هذه الضربات “الإسرائيلية”، وكأن المقصود أيضاً فوق الحرب الكلامية أهداف وهمية، وبالتالي تبقى المنافع هي حصيد السياسيين في إسكات شعوبهم بأنهم مستهدفون من الخارج، ويبقى الارهاق في التصنيع العسكري فوق الحاجة، نوعاً من الحروب التي تتحملها الشعوب اقتصادياً ثانياً، وتبقى أراضي دول ثالثة هي ميدان المعارك والخسائر على حسابها وحساب شعوبها.
وهذا ما يجري الآن في سوريا، حيث لا توجه إيران طلقة واحدة باتجاه الدولة “الإسرائيلية”، ولا توجه “إسرائيل” طلقة واحدة باتجاه الأراضي الإيرانية، وهذا يشير بأن الفائدة المشتركة بين إيران و”إسرائيل” هي استعمال سوريا ميدان تدريب وحرباً محدودة غير قابلة للتطور لتشمل أراضي الدول الأصلية، وهذا النوع من الحروب تستعمله روسيا وأمريكا أيضاً، كميدان لإجراء تجارب عسكرية لأنواع جديدة من الطائرات أو الصواريخ أو المناورات العسكرية الروتينية، فسوريا أصبحت ساحة للتهديات الحربية الكلامية، وساحة للتدريب العسكري، وساحة لأهداف التدمير المشترك بين “إسرائيل” وإيران، ولن تجرؤ واحدة منهما باستهداف مباشر للأخرى.
كاتب تركي
القدس العربي