الإخوان المسلمون في سورية

هل تملك جماعة الإخوان في سورية فكراً تجديدياً أم تتمسك بذات العقلية القديمة؟

الجماعة متجددة دائماً في فكرها ودمائها وطريقة عملها ولولا هذا التجديد لما استمرت ثابتة طول هذه السنوات، ومنهج الجماعة هو المحافظة على الأصول والثوابت والتجديد في الآليات والوسائل، وفترة هجرة الجماعة الطويلة أوجدت نوعا من الضعف وذلك بسبب الظروف المرافقة للهجرة، ولكن الجماعة تعمل دائما على تجديد نفسها ومواكبة التطورات الفكرية والاجتماعية والسياسية.

جماعة الإخوان المسلمين أصالة في الفكر وتجدد في الأساليب

مثلت جماعة الإخوان المسلمين، منذ تأسيسها في منتصف القرن الرابع عشر الهجري، حركة تجديدية بالمعنى الشامل للإسلام. واعتبر كثير من علماء الأمة مؤسسها الإمام الشهيد حسن البنا، رحمه الله تعالى، أحد مجددي القرن، وذلك بما قدمه من رؤى وما أسسه من قواعد، وما طرحه من أهداف ووسائل.
وإذا كان لنا أن نختصر جهد الإمام رحمه الله تعالى في أسطر قليلة، فيكفي أن نشير إلى أنه قد نجح في إعادة بناء تصور شامل عن الإسلام: العقيدة والشريعة ومنهج الحياة، ثم أهم من ذلك في بناء القاعدة البشرية الحية التي تؤمن بهذا التصور، وتحمله رسالة جامعة تجاهد من أجله، وتتحمل الآلام في سبيله. ولقد استطاع الإمام البنا أن يعيد بناء التصور الإسلامي منطلقاً من ثوابت الإسلام الكتاب والسنة، متجاوزاً الكثير من ركام السنين، ومن أوضاع المسلمين.
ومن مصر انتقلت الحركة المباركة إلى بقية الأقطار العربية، ومنها سورية، على يد مؤسس الحركة الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله تعالى. إلا أن حق التاريخ علينا أن نوضح أن جماعة الإخوان المسلمين في سورية لم تنطلق من الصفر. وإنما قامت على أركان جماعات محلية صغيرة متناثرة في المحافظات السورية، كما ضمت بين جناحيها نخبة من رجال العلم والدعوة، أسهم كل واحد منهم في تغذية الحركة، ودفع مسيرتها إلى الأمام.
وقيام (جماعة) إسلامية تتبنى الإسلام بشموله ونقائه ووسطيته، لم يكن قط هدفاً مستقلاً قائماً بذاته، وإنما كان وسيلة إسلامية، في تحريك حالات الركود والجمود والإخلاد إلى الأرض، التي تصيب المجتمعات في مراحل ضمورها وانحسارها.
وقيام جماعة إسلامية من هذا النوع، لا يعني سلب الإسلام من الآخرين، ولا تجريدهم منه، كما لا يعني الاستئثار في تمثيله والتحدث باسمه، ومصادرة حق الآخرين في القيام بأمره، مادامت حركتهم ضمن دائرة الخطاب الإسلامي العام، وعلى أسس المنهج الإسلامي القويم. وكان التأكيد على أن قيام الحركة إنما هو صورة من صور الاستجابة لقوله تعالى: ((ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون)) وقوله تعالى: ((وما كان المؤمنون لينفروا كافة، فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون )).
ولقد حدد هذا التصور الأولي لمهمة الجماعة ودورها، الأفقَ العام للقناعة الذاتية لقيادات الجماعة ولأبنائها على حد سواء.
ولئن كانت مسيرة الجماعة خلال العقود السابقة لتؤكد على أنها تستهدي بتراثها، وتعتز بأصالتها، وتجدد في أساليب حركتها، فإننا لنؤكد على أن جماعتنا اليوم في مرحلة تجديد الذات عن طريق مراجعة الماضي وتأمل الحاضر واستشراف المستقبل، وهي تسعى لتكون الحركة الإسلامية الوسط لتطبيق شريعة الله في حياة عباده بالاعتماد على أصول الدين والاستفادة من التجارب البشرية في مجالات التقدم والإصلاح ببرامج ووسائل قابلة للمراجعة والتقويم.

المصدر: المشروع السياسي لسورية المستقبل- رؤية جماعة الإخوان المسلمين في سورية | الجزء الأول: المنطلقات النظرية والفكرية للمشروع السياسي | الباب الثاني: في التجديد | الفصل الثاني: جماعة الإخوان المسلمين أصالة في الفكر وتجدد في الأساليب |

محرر الموقع