الإخوان المسلمون في سورية

وأد العدالة

 

محمد السيد

 

تسقط قطة من سطح إلى الشارع، فتكسر رجلها، حدث ذلك في أمريكا فشغل رجال الأمن، ورجال الإسعاف، وسيارات الإنقاذ، وأطباء، وعيون جماعات تتوجع لوجع القطة، وصاحبتها تتوقف متألمة، يسمع نشيجها رجال الأمن، فيحاولون تهدئَتها بالصبر، وأن المحروسة نقلت بسيارة إسعاف فخمة إلى المستشفى، فهي الآن تعالج، ولسوف تعود إليك سالمة معافاة، فتفرحين بعودتها.. إن حقوق الإنسان في غربنا مصانة بالقوانين وبتعاطف شعوبنا المتحضرة.

 

كان هناك كهلٌ قريبٌ من رجل الأمن المتحدث مع صاحبة القطة، استمع للادعاء. الرجل الكهل كان على التقريب في منتصف العقد السادس من عمره يلبس قبعة بالية، وقميصاً تعددت فيه الشقوق وسروالاً لا يكاد يعرف له لون. قهقه الكهل، وهو من أولئك المشردين قاطني الشوارع، قهقه حتى كاد ينقلب على قفاه.

 

اغتاظ الشرطي منه، فانتهره، ودفعه بقوة بقضبته على صدره، فأسقطه على الأرض، ولكن الكهل لم يرتدع، بل ارتفع صهيل ضحكه حتى لفت انتباه الجمهور، ثم ما كان من الرجل إلا أن قال:

 

– أين أنا من سقوط القطة… ها كُسِرت يدي.. أنا الإنسان. لكنني لم أرَ ولم أسمع توجعاً، ولم يكن أي اهتمام بما حدث لي. قلتم للعالم: تعالوا إلى حضارتنا، لتروا أن الحياة تستحق أن تعاش، فهي لامعة ناعمة، فيها كل الحقوق محفوظة. فلما حاول البعض من المخدوعين التقرب منكم، صحتم بهم؛ (الشرق شرق والغرب غرب، ولن يلتقيا) فأنتم وكتابكم إرهابيون منافقون.

 

أنا منكم، وأعرفكم تماماً، أعرف من الإرهابي، وأعرف أننا من صنعنا الإرهاب، وذلك لندمّر من يقف في طريقنا، لأننا رُمْنا الهيمنة على العالم، وسرقة ثرواته، وطمس معالم الآخر وثقافته وخصوصياته، وهدم أوطانه، وقتل الإنسان فيها أو تشريده. أليس ذلك وأد للعدالة؟!

 

أنا أعلم علم يقين أننا نحن مكمن الخطر في هذا العالم، أتودّون البرهان على أننا الإرهاب بعينه؛ صانعوه بأدواته ومنفّذوه، وقد وجهنا التهمة به من قبل نخبنا إلى برءاء منه، ولكنهم ضعاف أمام جبروت آلتنا الإعلامية والحربية، فإن كنتم في شك مما أقول فإليكم بعض من البرهان:

 

– نحن الذين ذهبنا إليهم نذبحهم (المسلمين) في عقر دارهم، وهم آمنون ومعظمهم عزّلٌ، نحارب ثقافتهم، نسرق ثرواتهم، نستولي على ترابهم، وكل ذلك بحجة محاربة الإرهاب.. فمن الإرهابي يا ترى والحال هذا وصفه؟!

 

– أهلكنا عشرات ملايين البشر من سكان أمريكا الأصليين، ودمرنا حضاراتهم بحجة تمدينهم، وأن البقاء في الحياة للنوع الأفضل والأقوى، على رأي دارون ومن ذهب مذهبه.

 

– قام الإنكليز أثناء استعمارهم للهند بقتل ملايين الهنود عمداً بواسطة نشر البكتيريا بينهم أكثر من مرة، انطلاقاً من الرؤية الداروينية القائلة “البقاء للأفضل والأقوى”.

 

– وقام الأمريكان بقتل ملايين الكوريين والفيتناميين، وذلك لتكريس هيمنتهم وتأمين مصالحهم ونهب ثروات تلك البلاد.

 

– ومن غيرنا الذي دكّ المدن اليابانية بالقنابل النووية عام 1945م، إنها الطائرات الأمريكية، التي اعتلت سماء تلك البلاد في صباح أسود، ألقت فيه تلك الطائرات حمولتها المدمرة القاتلة على الآمنين العزل في مدينتي هيروشيما وناكازاكي، حيث قتل في دقائق مئات آلاف الناس بلا ذنب، وحرقت الأرض، آب 1945م.

 

– نحن من سعّرنا حربين عالميتين خلال ثلاثين عاماً 1914م- 1944م راح ضحتيهما أكثر من سبعين مليوناً من البشر.

 

– ولا بد أن نعترف أننا نحن الذين قتلنا وشرّدنا شعب فلسطين العربي الأعزل وأحللنا مكانه شعباً لقيطاً، جمعته الصهيونية من أنحاء الدنيا، لِيُكوِّنَ في فلسطين كياناً طارئاً بدون حق، وليكون وظيفياً إرهابياً مارقاً قاتلاً فوق أشلاء أهل البلد الأصليين.

 

– ولم نتوقف، ولم نرتدع، بل مضينا في الغي والإرهاب، فدمّرنا العراق وأفغانستان وألحقنا بهما سورية ولبنان واليمن وليبيا، بحجة محاربة الإرهاب صنيعتنا، باعتراف “هيلاري كلينتون” وزيرة خارجية أميركا سابقاً ومرشحّة الرئاسة فيها.

 

– وها نحن اليوم ندعم الديكتاتوريين والإنقلابيين، لنسكت صوت وجع الشعوب، ونخمد ونقتل أية معارضة، وعلى الأخص الإسلامية منها.

 

– وها هي الصين تتبع خطانا في محاربة الإسلام، عفواً هم يقولون “الإرهاب” وهي الشق التوأم لحضارتنا، فهي تحتجز ملايين المسلمين والأطفال منهم خاصة في معسكرات كبرى، لتغسل أدمغتهم، وتحجبهم عن كل ما يمت بصلة لدينهم وعرقهم وثقافتهم.

 

– ولا ننسى هولندا ومجلس نوابها الذي ابتدع مؤخراً -وهم في القلب من حضارتنا- محاربة “للإرهاب”! بقرار مصادرة دين أطفال المسلمين، دون أن يرفّ لهم جفن حياء، وهو قرار تشريعي يردع آل الطفل المسلمين عن تربية الطفل تربية تصله بدينه.

 

– ومع كل ذلك لا نغفل عن ذكر مبتدعات بعض الغربيين؛ من الشركات العابرة للقارات، التي تتعدد جنسياتها، لتنهب العالم بإرهابها الاقتصادي، وكذلك التلويث المناخي بالانبعاث الكربوني، الذي يقوم بدور إرهاب الناس في صحة أبدانهم، ماذا أعُدُّ لكم من الإرهاب الذي هو مذخور في جيناتنا، فنجوب به أرجاء العالم.

 

ومع ذلك الإرهاب كله، وصناعته وترويجه، نتوجه لإسقاط فعلنا الإرهابي المشين على المسلمين عامة، وعلى الإخوان المسلمين خاصة، لأنهم يشعرون بأن هؤلاء هم الذين يشكلون حائط الصد في مواجهة كل السوءات التي يحاولون توطينها في بلادنا، فلما لم تستطع القوة حسم الأمر، لجأوا منذ فترة لتوظيف “الميديا” لتشويه صورة جماعة الإخوان وحركات الإسلام المعاصرة والرموز المسلمة، وعلى سبيل المثال فبركة رسائل على لسان أحد رموز الإخوان المسلمين السوريين، توحي بأن الجماعة على علاقة وطيدة بالكيان الصهيوني، مع أنها رسالة كل ما فيها ركيك سخيف لا يستحق الرد، وُظِّف لكتابتها أحد الذين يبيعون أقلامهم بعرض من الدنيا دنيء حاقد موتور.

 

ولا يفوتني ذكر إرهاب البنك الدولي وصندوق النقد الذيْن يرهبان الدول بقروضهما وسيطرتهما، فكم هي المفارقة شاسعة بين ذلك التمثيل العاطفي تجاه سقوط قطة، وبين عشرات ملايين الضحايا من الناس في كامل أرجاء المعمورة: ما لكم كيف تتفكرون؟

 

إنّه وأد للعدالة، وقتل الإنسانية سلوككم اللا أخلاقي، المنطلق من جينات تعبّأت بالكراهية للآخر المسلم، غذّاه تاريخ طويل من العدوان. ((والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)).

 

إخوان سورية