حسين عبد العزيز
منذ تمديد الأمم المتحدة مهمة مبعوثها إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، فترة غير معلومة، بدا واضحاً أن ثمة جديداً قد يحدث خلال أسابيع في ما يتعلق باللجنة الدستورية. وفعلاً، لم تمضِ أيام حتى أعلن دي ميستورا في 20 الشهر الماضي (نوفمبر/ تشرين الثاني) أن من الممكن انعقاد اللجنة أواخر ديسمبر/ كانون الأول الجاري. وعلى الرغم من إعلان دي ميستورا فشل اجتماع “أستانة 11” في التوصل إلى نتائج مهمة في هذا الشأن، إلا أن ما رشح عن الاجتماع يشي بأن ملف اللجنة الدستورية قارب على نهايته بعد التوافق على 42 اسماً من أصل 50 اسماً ضمن القائمة الثالثة الخاصة بالمستقلين.
يؤكد التقدم المفاجئ في تحديد هوية أعضاء القائمة الثالثة أن ثمّة قراراً دولياً بضرورة تشكيل اللجنة قبل نهاية العام: على الصعيد الأميركي، هناك ضغوط كبيرة لتشكيل اللجنة، وإطلاق المسار السياسي.
وعلى صعيد الأمم المتحدة، هدد الأمين العام، أنطونيو غوتيريش، قبل أسبوعين، بأنه “في حال عدم السماح لدي ميستورا بتشكيل اللجنة الدستورية، وحل عقدة المجموعة المستقلة الثالثة مع النظام السوري، وفقاً لاتفاق سوتشي بحلول ديسمبر/ كانون الأول، فستنهي الأمم المتحدة دورها في الإشراف على العملية السياسية السورية وستترك الملف برمته لروسيا”.
قد يبدو انسحاب الأمم المتحدة من العملية السياسية في الظاهر مفيداً لروسيا، لكن المسألة غير ذلك، فروسيا لا تتحمل حالة ستاتيكو سياسي طويل الأمد. ومن شأن ذلك إن حصل أن يشكل صفعة كبرى لكل إنجازاتها العسكرية، فلا هي قادرة على إنهاء الوجود الأميركي الذي يهيمن على نصف مقدرات البلاد، ولا هي قادرة على الانسحاب العسكري، ولا هي قادرة على ضبط موازين الصراع الإقليمي في سورية مدداً طويلة.
كما أن روسيا لا تريد الانعزال عن المجتمع الدولي، لأن ذلك يضعف من قدرتها على التعامل مع الغرب، وهذا ما فسّر إعلان الرئيس فلاديمير بوتين في القمة الرباعية التي عقدت في تركيا أن تشكيل اللجنة الدستورية سيتم قبل نهاية العام. الصورة غير مكتملة، وثمة عدة سيناريوهات:
الاتفاق على كامل القائمة الثالثة، وبالتالي عقد اجتماع اللجنة خلال الشهر الجاري، وهذا الاحتمال الأكثر ترجيحاً. عدم التوصل إلى اتفاق بشأن الأسماء الثمانية المتبقية من القائمة الثالثة، وبالتالي عقد اجتماع اللجنة بحضور الأسماء المتفق عليها. عقد اجتماع اللجنة بغياب القائمة الثالثة، والاقتصار على قائمتي النظام والمعارضة مؤقتاً، وتصريح دي ميستورا قبل أيام قد يفهم بهذا الشكل: “أدعو الأطراف السورية إلى تجاوز أزمة تشكيل الدستور، خصوصاً اللجنة الثالثة التي يدور حولها خلافٌ كبير”.
وقد تكون مقاربة دي ميستورا والأمم المتحدة مبنيةً على عدم تجميد أعمال اللجنة الدستورية وتجاوز نقطة الخلاف لمرحلة لاحقة تتطلب مشاورات كثيرة، في ظل تمسك الأمم المتحدة والمجموعة الدولية المصغرة المعنية بسورية بضرورة أن تكون القائمة الثالثة محايدةً تماماً، وهو ما أكده مجدداً المبعوث الأممي، حين قال إن “الأمم المتحدة ترحب بالاقتراحات المعتدلة والبناءة للجنة الدستورية، طالما حافظت على المصداقية والتوازن والشرعية الدولية للقائمة الثالثة التي يجب أن تضم مستقلين وخبراء وزعماء القبائل والمجتمع المدني والمرأة، إضافة إلى تمثيل الطوائف الدينية والعرقية، وهذا يعني أن لا تكون هذه القائمة أداةً للسياسيين، في المعارضة والنظام”.
السيناريو الأخير هو عدم عقد اجتماع للجنة الدستورية هذا العام، وتأجيل انعقادها إلى ما بعد تسلم المبعوث الأممي الجديد مهامه.
في كل الأحوال، كشفت الصعوبات التي رافقت عملية تشكيل اللجنة الدستورية منذ يناير/ كانون الثاني الماضي، أن سلة الدستور ليست أقل تعقيداً من سلة الحكم، إن لم تكن أكثر تعقيداً، فالنظام والمعارضة يدركان أن كتابة دستور جديد لا تحدث بشكل متكرر، وإنما مرة واحدة. وعليه، سيحدد الدستور الجديد طبيعة المسار السياسي للحل وأهدافه. ومن هنا، يحاول كل طرف ضمان هيمنته على اللجنة، أو على الأقل ضمان نصف أعضاء اللجنة.
بالنسبة إلى النظام، سيكون أي نص دستوري بمثابة السيف الدولي المسلط عليه، وسيكون أداة للتدخل الخارجي إذا لم يلتزم بتنفيذ بنود الدستور. وبالنسبة إلى المعارضة، فإن دستوراً جديداً يضمن تحقيق دولة القانون والمؤسسات، وبناء نظام حكم ديمقراطي، سيشكل أداة شرعية لها أمام المجتمع الدولي يمكن اعتمادها لملاحقة النظام والضغط عليه، إن أخلّ بالتزامات الدستور الجديد.
وبناء عليه، لن تكون العملية السياسية المقبلة ممكنة التحقق، في ظل المعطيات السياسية والعسكرية القائمة. وأغلب الظن أن المجتمع الدولي سيجعل من ملف الدستور فرصةً لإطالة التوصل إلى حل سياسي في سورية لعدة سنوات أخرى.
العربي الجديد