د. علي حسين باكير
أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب، سحب القوات الأميركية المتمركزة في سوريا، ردود أفعال متباينة داخل الولايات المتحدة وخارجها، إزاء من سيملأ الفراغ الذي سينشأ بعد هذا الانسحاب، وبُعيد هذا الإعلان، دخلت القوى الإقليمية المتواجدة في سوريا -وعلى رأسها تركيا وروسيا وإيران- في سباق مع الزمن، لتحديد الأولويات والخطوات التالية التي من المفترض أن تحفظ مصالح كل طرف من هذه الأطراف، في لعبة ذات أجندات مختلفة -بل ومتناقضة- في كثير من الأحيان.
يمتلك الجانب التركي ما يخوّله ملء الفراغ من الناحية النظرية، فهو صاحب ثاني أكبر جيش في «الناتو»، بالإضافة إلى كونه الجار الأقوى لسوريا، وسبق لها أن شنّت أنقرة عمليتين عسكريتين ناجحتين داخل الأراضي السورية، وهي تمتلك كذلك دعماً محلياً من خلال القوات التي تعمل على تدريبها وتسليحها، وتحتشد منذ وقت ليس بقليل قواتها على الحدود الشمالية لسوريا، هذه المعطيات تعني أن بإمكانه إطلاق مزيد من العمليات في أي وقت.
الجانب التركي يهمّه تحقيق ثلاث أولويات هي، إزالة التهديد المتواجد على حدوده الجنوبية في شمال سوريا والمتمثل في الميليشيات الكردية بغضّ النظر عن المسميات «بي. واي. دي» أو «واي. بي. جي» أو «أس. دي. أف»، وثانياً إلغاء مفاعيل التحولات الديموغرافية التي أحدثتها هذه الميليشيات في شمال سوريا، وإعادة اللاجئين العرب والترك والأكراد المتواجدين داخل تركيا إلى مناطقهم الأصلية، وثالثاً وأخيراً تأمين الحدود، إلى جانب هذه الأهداف، تدعم أنقرة التوصل إلى حلّ سياسي وفق ما نصّت عليه القرارات الدولية.
لكن تكمن المشكلة في أن مثل هذه الخطوات ستصطدم مع أجندات كل من إيران وروسيا في سوريا، يهدف البلدان إلى ترسيخ حكم نظام بشار الأسد، ولذلك تسعى طهران وموسكو إلى أن يبسط الأسد سيطرته على مزيد من الأراضي، بما يساعد على تحقيق هذا الهدف بشكل أسرع، وهو ما يتناقض بدوره مع أي دور مفترض للقوات التركية داخل الأراضي السورية، ويساعد الانسحاب الأميركي موسكو على فرض أجندتها على المفاوضات السياسية بين النظام والمعارضة، بشكل يضغط على المعارضة للاستسلام كلياً، ذلك أن هذه المفاوضات تقوم على توازن القوى الذي تفرضه الدول المتواجدة في سوريا. أضف إلى ذلك، أن إيران وروسيا قامتا في مناسبات مختلفة خلال السنوات الماضية، بدعم الميليشيات الكردية ضد تركيا، ولا شيء يمنع -نظرياً على الأقل- من استخدام هذه الورقة في حال عاد الخلاف من جديد مع أنقرة حول من يجب أن يملأ الفراغ بعد الانسحاب الأميركي، وبهذا المعنى، فإن على تركيا أن تأخذ بعين الاعتبار الحسابات المعقدة التي ستترتب على أي قرار لها، فيما يتعلق بأية عمليات عسكرية جديدة داخل الأراضي السورية.
من جهة أخرى، هل هناك مصلحة تركية في الزجّ بقواتها لملء الفراغ داخل العمق السوري، بشكل قد يجعلها عرضة للاستنزاف دون خطة خروج؟ إلى من ستؤول السيطرة على الثروات النفطية في المناطق التي سينسحب منها الجانب الأميركي؟ وماذا لو اقترحت روسيا أن يسيطر نظام الأسد على المنطقة التي تنتشر فيها الميليشيات الكردية مع تركيا مقابل ضمانات أمنية؟ أسئلة ستخضع لكثير من النقاشات السياسية، لا سيما بين تركيا وروسيا وتركيا وأميركا في قابل الأيام.
العرب القطرية