القلب السليم هو جواز المرور إلى رضوان الله تعالى وجنته ((يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم)).
من هنا كان تأكيد الشرع على سلامة القلب وخلوصه لله: روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم”.
وروى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب”.
والراسخون في العلم يدعون الله تعالى أن يحفظ قلوبهم من الزيغ: ((ربنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا. وهبْ لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب)).
ونبينا صلى الله عليه وسلم كان يُكْثر أن يقول: “يا مقلّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك” رواه أحمد والترمذي.
والنبي يوسف عليه السلام يدعو ربّه: ((توفني مسلماً، وألحقني بالصالحين)). سورة يوسف: 101.
ما أحرى المسلم بعد هذا أن يراقب قلبه حتى لا تدخله شوائب الشرك والرياء والعجب والحسد!!
قال أبو عبد الله محمد بن يوسف لعبد الرحمن بن مهدي: “حدِّث الناس وعلِّمْهم، ولكن انظر إذا اجتمع الناس حولك كيف يكون قلْبُك؟!” (يخاف عليه العُجب والغرور!.) وقد قام عبد الرحمن مرة من مجلس وقام معه ناس وتبعوه فقال: يا قوم! لا تطؤوا عقبي، ولا تمشوا خلفي… قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن خَفْق النعال خَلْف الأحمق قلَّ ما يُبقي من دِينه!
وقال ابن أبي مُلَيكة: “أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كلُّهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكال!.
لقد بلغتْ بهم الحساسية أن أحدهم إذا خبا إيمانه قليلاً، أو عصا ربه في مسألة، أو سرَّه ثناءُ الناس عليه… خشي أن يكون قد وقع في النفاق، إن لم يكن النفاق الأكبر، فالنفاق الأصغر!.
وتبلغ الحساسية في قلوب بعض الصالحين أن يتركوا فعل الخير خشية أن يقعوا في الرياء، وهذا من غير الحكمة والصواب، فإن الإخلاص لله، أن تراقب قلبك فتكون رؤية الناس عندك مثل غيابهم، لا تزيد في عملك ولا تنقص منه، أي أن تعمل العمل وأنت تراقب الله تعالى وحده، ولا تعبأ برؤية الناس زيادة أو نقصاً!.
وإن من آفات القلب التي يجب أن يحترز منها المؤمن:
1- حب الشهرة والظهور، وهو ما يعبِّر عنه السلف بحب الشرف. وفي الحديث: “ما ذئبان جائعان أُرسلا في حظيرة غنم بأفسد لها من حب المال والشرف لدين المرء” أي إن إفساد هذين الذئبين لا يبلغ ما يفسده من دين المرء: حبُّه للمال والشهرة.
فحرص المرء أن يقال إنه جواد، أو شجاع، أو عالم… يحبط عمله!
2- الحسد والبغي والرغبة في إيقاع الأذى بالأقران المنافسين، وقد يبلغ الأمر ببعض القلوب المريضة، أن تستعدي الولاة والظَّلَمة على هؤلاء المنافسين!!.
3- التحقير لعمل الآخرين، فكلما عُرض على صاحب القلب المريض عمل غيره من مقالات ودروس وتحليلات ومحاضرات وإنتاج فكري أو أدبي… فهو سخيف وسطحي وضعيف ومنحول… فالحطُّ من قدر إخوانه وزملائه وأقرانه هو السبيل الذي يسلكه إلى التسلُّق والظهور.
4- اغتنام الفرص، أو افتعال الفرص، من أجل ذكر مناقب نفسه، وتعداد فضائله، والتفاخر بنجاحاته.
وما أجمل ما قاله الإمام ابن رجب الحنبلي، وهو يبين الحدود الشرعية لما ينبغي أن يحاسب المرء نفسه من مراقبة قلبه، من غير غلُوّ ولا تفريط.
يقول رحمه الله: “والقدر الواجب من الخوف ما حمل على أداء الفرائض واجتناب المحارم؛ فإن زاد على ذلك بحيث صار باعثاً للنفوس على التشمير في نوافل الطاعات والانكفاف عن دقائق المكروهات والتبسط في فضول المباحات كان ذلك فضلاً محموداً، فإن تزايد على ذلك بأن أورث مرضاً أو موتاً أو هماً لازماً بحيث يقطع عن السعي في اكتساب الفضائل المطلوبة المحبوبة لله عز وجل لم يكن محبوباً، والمقصود الأصلي هو طاعة الله عز وجل وفعل مراضيه ومحبوباته، وترك مناهيه ومكروهاته، ولا ننكر أن خشية الله وهيبته وعظمته في الصدور وإجلاله مقصود أيضاً، ولكن القدر النافع من ذلك ما كان عوناً على التقرب إلى الله بفعل ما يحبه، وترك ما يكرهه، ومتى صار الخوف مانعاً من ذلك وقاطعاً عنه فقد انعكس المقصود منه، ولكن إذا حصل ذلك عن غلبة كان صاحبه معذوراً”.
اللهم طهّر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
اللهم لا توجّه قلوبنا إلا إليك، ولا تجعل اعتمادنا إلا عليك.
اللهم توفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين.