[ما أقوله إنما هو رؤى من خلال ثورة الشعب السوري على طغاته، وقد ينطبق بمقدار ما، على أخواتها]
1- معظم الناس يتكيّفون مع الطاغية الظالم، جهلاً منهم بفداحة ما يمارسه، أو خوفاً، أو قلة حيلة… بل قد يكون بعضهم ممن ربط مصالحه بمصالح الطاغية، فهو يستفيد من الطغيان ويمارسه مع الطاغية، وإنْ دفع ثمن ذلك من دينه وكرامته وشرفه.
2- لكن معظم الناس سرعان ما يقفون مع الثوار الذين يحققون انتصارات معنوية أو مادية، على الطاغية… ثم إن كثيراً من هؤلاء يعودون فينقلبون إلى مداهنة الطاغية إذا رأوا أن الرياح تجري معه.
3- النفس الإنسانية قلّما تتمحّضُ للخير أو للشر. فكثير من الذين ثاروا على الظلم، وعرّضوا أنفسهم للقتل أو الاعتقال، قد مارسوا الظلم على مَن خالفهم من فصائل نافستهم على بعض المغانم، وربما قاموا باختطاف واعتقال وتعذيب وسرقة… مثل ما كان يفعله الطاغية الذي ثاروا عليه. لماذا؟ لأنهم، في الوقت الذي كانوا يكتوون بظلمه، كانوا كذلك يتأثرون بفكره وقيمه وأسلوبه… عبر ما يروّجه في المناهج المدرسية وفي وسائل الإعلام والثقافة، بل ربما تأثروا بممارساته الوحشية على المعتقلين، فصاروا هم الآن يمارسون ذلك على من يعتقلونهم من فصائل منافسة لهم.
4- في فترة المدّ الذي تحققه الثورة، يأتيها الدعم المادي والمعنوي، من جهات شعبية محلية وإقليمية، بل من جهات رسمية كذلك. فالجهات الشعبية لا تكاد تشترط أي شرط على الثوار والمجاهدين، لكن دعمها محدود وقصير الأمد، وأما الجهات الرسمية فتدعم بقدر ما ترى أن أهداف الثوار موائمة لها، وبقدر ما يكون بينها وبين الطاغية الذي ثار الشعب عليه، من عداوة، وبقدر ما يأتيها من أوامر أو توجيهات من الدول الكبرى التي تعمل لها. ولذلك يكون الدعم الذي تقدمه متفاوتاً جداً بين مرحلة وأخرى، وقد ينقطع، بل قد ينقلب دعماً للطاغية نفسه، لا سيما إذا خشيت أن تمتد الثورة إلى شعبها.
5- لا ينبغي أن نستغرب وقوع أخطاء، بل جرائم كذلك، من الفصائل التي ثارت على الظلم، لأسباب عدة، من أهمها أن الثوار أنفسهم قد تربَّوا في مدارس “النظام” الذي ثاروا عليه، وتشرّبوا كثيراً من القيم التي بثّها في الكتب المدرسية وفي وسائل الإعلام.
ثم تأتي جهات مغرضة، محلية وإقليمية ودولية، لتدُسّ في الثوار عناصر تريد الإساءة للإسلام والثورة والشعب، فترتكب الجرائم التي تُحسب على الثورة!.
وتأتي وسائل الإعلام لتصوغ الأنباء كما تريد، أو كما يريد المموّلون، قتبرز ما تشاء من مخالفات أو جرائم، وتبالغ فيها… وتطمس مخالفات وجرائم إذا كانت ترتكبها جهات مَرْضي عنها.
وإذا كان من غير الجائز الدفاع عن الأخطاء والجرائم، فإن من الغفلة أو العمالة أو الخيانة أن نضخم فيما يقع من فصيل مخلص (وإن اندسّ فيه من اندسّ) ونُغفل ما يفعله فصيل آخر يرتكب أضعاف ما يرتكبه الفصيل المخلص.
6- كان بعضنا يظن أن العالم لم يناصر الثورة الأولى التي انطلقت عام 1979م لأنه لم تكن هناك فضائيات، فلم تصل أخبار الثورة إلى العالم. أو أن شعارات تلك الثورة كانت إسلامية فلم يناصرها العالم الكافر.
وجاءت ثورة 2011م في عصر الفضائيات، وكانت شعاراتها حول المطالبة بالحرية ورفع الظلم… فأيّدتها بعض الدول بالكلام، ثم توارى الكلام كذلك. بينما أيدت بعض الدول المجرم الطاغية، فأرسلت إليه الخبراء والسلاح والجيوش كذلك.
7- تأييد الدول تحكمه مصالحها، وتحكمه الأوامر التي تمليها عليها دول كبرى، وتحكمه كذلك عوامل أخرى كخلافها مع الطاغية الذي ثار الشعب عليه، وتعاطفها مع مطالب الشعب، وخوفها من انتقال عدوى الثورة إليها.
8- كانت القوى العالمية ترقُب الثورة وتطوراتها. ترقبها عن بُعد، وترقبها عبر جواسيس أرسلتهم للتعرف إلى طموحات الثوار وطموحات الشعب من وراء الثوار… وقد عرفوا أن الثورة إذا انتصرت فسيكون للإسلام حظ وافر فيها… فرأت تلك القوى أن بقاء الطاغية أو استبدال طاغية آخر به، عبر تسويات دولية، أجدى لها من إسلام يختاره الشعب.
9- قد توافقك فصائل وتشكيلات ودول… إذا قلت: أريد الثورة لإزالة الفساد أو الظلم أو الطائفية… أما أن تقول: أريد أن يحكم الإسلام فهذا ممنوع. إنهم يريدون أن يقتلوا الحلم الإسلامي في صدور المسلمين.
10- الجهات التي يمكن أن تحقّق مكاسب لها من الثورة، مكاسب آنيّة أو مكاسب استراتيجية، هي الجهات التي لها قوة في أرض المعركة، أو التي تستمد قوّتها من دعم خارجي، أو التي تملك من القوّتين معاً. أما الذين يكتفون بأن يعلنوا تأييدهم لأحد الأطراف، وابتهاجهم بمكاسبه… وتنديدهم بطرف آخر وإصدار بيانات ومقالات ومقابلات إعلامية لفضحه وإدانة جرائمه… فهؤلاء لا ينبغي لهم أن يطمعوا بحصة في الغنيمة.