الإخوان المسلمون في سورية

إدلب بين عقلية الدولة وعقلية المعارضة

د. أحمد موفق زيدان

 

المعقل والملاذ الأخير للمعارضة السورية هو في الشمال المحرّر، وتحديداً في إدلب، وبقناعتي ما لم تخرج الفصائل من عقلية المعارضة إلى عقلية الدولة، فإنها قد تخسر- بمغامراتها ومقامراتها ونقاشها السفسطائي- الشمال المحرّر وتحديداً إدلب، فسعي الفصائل الثورية إلى تفشيل بعضها بعضاً لن يكون إلا وبالاً على الثورة والثوار، وعلى الفصائل ذاتها وهي ترى يومياً كيف تتعامل العصابة الطائفية مع من تخاذلوا وتصالحوا معها.

 

‏الحل هو بخروج الفصائل كلها من عقلية المعارضة ضد بعضها بعضاً، لتتعامل بعقلية الدولة فتؤسس لحكومة حقيقية تدير الشمال المحرّر، وتحديداً إدلب التي تحتضن اليوم جامعة يدرس فيها أكثر من 11 ألف طالب وطالبة، وهي مفخرة للثورة والثوار، لا سيما بعد اعتراف الاتحاد الطبي الدولي بكلية الطب في جامعة إدلب، وهو اعتراف له دلالاته المهمة، ويُسجل للجامعة والقائمين عليها، بالإضافة إلى النهضة الاقتصادية اللافتة في المدنية وما حولها، مما يشير إلى إمكانية نهضة اقتصادية حقيقية، إن أحسنت الفصائل التعاطي مع بعضها، وتعالت على جراحها وخلافاتها ومشاكلها من أجل سوريا المصغرة، التي جمعت كل السوريين من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب في هذه المحافظة.

 

على الفصائل أن تتوقف عن الترويج لمشاريع فصائلها، فكل مشروع فصائلي يمثّل جزءاً من الفيل ولا يمثّل الفيل كله، وما لم تتحد الفصائل كلها في مشروع الثورة الذي يعكس هموم ومشاغل الآخرين، فإنها بذلك تقود نفسها والثورة إلى الهاوية، ولا يتحدثن أحد بأن هذا الفصيل مُصنف إرهابياً أو غير مصنف إرهابياً، فكثير من الحركات والجماعات مصنّفة، ومع هذا يتم التعامل معها فوق الطاولة وتحت الطاولة، فهذا العالم لا يحترم إلا القوي وإلا صاحب الشوكة، ولننظر إلى تعاطي العالم كله غربه وشرقه مع حركة حماس وكذلك حركة طالبان الأفغانية، بل وحتى مع هيئة تحرير الشام، حيث تتعامل دول كثيرة معها سراً وعلانية، فنحن في سوريا مشروعنا وطني ضد عصابة طائفية، وضد احتلال جلبته على شعبنا، ولا علاقة لنا بأجندات خارجية.

 

‏عقلية أن يعارض بعضنا بعضاً ينبغي أن تتوقف، ونتخلى عنها، ولا بد من الانطلاق إلى آفاق جديدة في التعاون الجاد والحقيقي، من أجل بناء مؤسسات دولة حقيقية، فهي خير وفاء لدماء الشهداء، وللمعتقلين خلف القضبان، فالعدو الداخلي والخارجي يتألم وألمه أكبر من ألم الثورة والثوار، إن كان بتعقيدات تورطه بالمشهد السوري أو بمشاكله الداخلية والخارجية، وما على الثائر إلا أن يتحلى بالصبر فهو خير جنرال في مواجهة الاحتلال، إذ لا يضغط عليه عامل الوقت الذي يطارد الاحتلال وأذنابه وأذياله.

 

‏لقد جربت الفصائل كثيراً من المكر والكيد لبعضها، وحان لها أن توفّر هذا الكيد والمكر لصالح شعبها ضد العدو المشترك، فصمود إدلب يعني الكثير، وأول ما يعني هو صمود الثورة وهزيمة العدو الداخلي والخارجي، وحينها ستغدو إدلب -في حال تمت إقامة مؤسسات دولة حقيقية بعيداً عن المحتل الداخلي والخارجي- ستغدو سنغافورة المنطقة، ونحن نرى اليوم هذه المشاريع الواعدة في المدينة، والاستثمارات الكبيرة التي تنصبّ عليها قياساً بالخطر الذي يتهددها، مدفوعة بالربح السريع، نظراً لعدم وجود ضرائب وإتاوات على هذه الاستثمارات مما يشجع المستثمر، وليكن الشعار، لأن أرعى الغنم عند أبي أحمد، خير لي من أن أرعى الخنازير عند ألفونسو.

إخوان سورية